السفير عبدالمحمود يكتب عن السني الضوي#

07:18 PM August, 16 2021

سودانيز اون لاين
زهير عثمان حمد-السودان الخرطوم
مكتبتى
رابط مختصر

فى ذكرى رحيله : السني الضوي.. بدر سامي علاهو
أغسطس ١٥, ٢٠٢١

✍️ السفير. عبدالمحمود عبدالحليم



(1) .. نال من نوري مسقط رأسه على مشارف منحنى النيل وسامتها.. ومن علو هامات نخيلها قامته المديدة.. تضمخت دواخله بتراتيل الفجر بخلوة ود كرار التي ارتادها، ثم خرج منها إلى الحواضر معطوناً بإبداع منطقة تناثر إبداعها تناثر قراها المجاورة التي احتشدت بالمبدعين من شعراء وكتاب وفنانين ومادحين وموسيقيين، فجاء منها عثمان حسين وأولاد حاج الماحي وآل الكد وعبد الله الشيخ البشير وإسماعيل حسن والجيلي محمد صالح وعلي ميرغني وحسن بابكر ومحمد الحسن السنجك وغيرهم وغيرهم.. شكل السني الضوي طوال عمره الفني حالة إبداعية نادرة ومشروعاً استثنائياً.. ولج ملعب الكبار ملحناً ومطرباً، وتملك خاصية زرع بساتين الأفراح، فملأ الدنيا وشغل الناس.. عندما أغمض الحمام جفونه بكته السماء بأمطارها المدرارة وأبطأت ارتحاله عن دنيانا الفانية لمقابر شمبات..

.. "يوم رحيلك..".. كان يوم حزننا الكبير..



(2) كان ذلك في أواخر الثمانينيات عندما التقيته بالرياض، حيث كنت أعمل بسفارة السودان بالمملكة العربية السعودية التي جاءها زائراً مع رفيق دربه إبراهيم أبو دية.. لم يمكث طويلاً معنا وقتها، إذ اضطر للعودة بسبب مرض مفاجئ لحرم الراحل أبو دية بالسودان فغادرا سراعاً.. مثل ذلك صورة من صور الوفاء الذي عرف به والحميمية التي ميزت علاقاته مع أبو دية، فاعتزل بعد موت الأخير الغناء.. وسواء كثنائي أو ثلاثي العاصمة لاحقاً بدخول محمد الحويج أثرى السني الضوي تجربة الثنائيات في السودان التي بدأها الحاج محمد أحمد سرور والأمين برهان عام 1922، وعمر البنا ومحمد الأمين بادي، وكرومة والياس، وأولاد شمبات، وميرغني المأمون وأحمد حسن جمعة.. وهي الثنائية التي ظهرت في ملمح آخر بالدويتو الذي جمع بين عائشة الفلاتية وأحمد عبد الرازق في أغنية "الريدة الريدة الريدة"..
تميزت تجربة ثنائي العاصمة بتحالف المفردة البسيطة واللحن الخفيف دائرياً أو متعدد الأبعاد والتلوين الموسيقي والمقامي.. كان بنيان تجربة السني الضوي قوياً وهو يبدأ مشواره بتقليد أغاني عملاق فني هو التاج مصطفى.. وقوياً أيضاً ورموزنا الفنية تلتقي التقاء الكواكب بالأقمار مشجعة وداعمة ومدشنة لثنائي العاصمة، بحضور اللواء الشاعر جعفر فضل المولى ومنى الخير ومحمد وردي، ثم بحضور وتشجيع عثمان حسين وحسن بابكر والأستاذ محمد التوم التيجاني، الذين أصروا على الثنائي مواصلة المشوار بعد وفاة الحويج.. فأي شهود عدول أبلغ من هؤلاء..

(3) إذا كانت رموزنا الفنية ملهمة وداعمة لثنائي العاصمة فإن السني الضوي تخير أيضاً من بساتين الشعراء أزاهير مبهرة، فغنى لمبارك المغربي ومحجوب سراج وسيف الدين الدسوقي وعباس أحمد وكمال محجوب ومحمد طرنجة.. وكان لكيمياء الثنائي مع الدكتور علي شبيكة النصيب الأوفر في ناس قراب منك – ولما ترجع بالسلامة – ووين تاني وين نلقى الأمان – دنيا الريد غريبة – ما قالوا عليك حنين – ناس ناسيانا – طول مفارق حيو – أمرك يا حلو – سكة سفر – معايا معايا – يانا الزمان يا ناس مالكم نسيتونا – الأحاسيس النبيلة – خسارة يا قلبي الحزين – نتلاقى ذي أغراب – وغيرها.. وإنشاد ديني (لمتين أزورك).. كانت ألحان السني الضوي. قصة نجاح أخرى من العيار الثقيل مع إبراهيم عوض في مين قساك – ليه بتسأل – قاصدني ما مخليني وراخصني ما مغليني (يا قلبي أنت بادي والبادي قالوا أظلم)، وعبد العزيز المبارك في ليه يا قلبي ليه – ومنى الخير في غبت عني مالك، ومع محمد ميرغني في شفتك وابتهجت وعاطفة وحنان يا ناس – ثم صلاح ابن البادية في لحن هائل أيضاً (الجرح الأبيض) وأماني في يكفي رضاك لمحة.. كان السني كبيراً في اهتمامه بأمر تواصل الأجيال، فعاون بالتوجيه واللحن تجربة فيصل الصحافة وحياة محجوب والثنائي إيمان وأماني. اختار الأستاذ السر قدور شعاراً لبرنامجه الأشهر "أغاني وأغاني" لحن (لما ترجع بالسلامة)..
بزت تجربة السني تجارب ملحنين كبار في الجوار القريب، فتفوق على بليغ حمدي بالتطريب العالي والجمع بين التلحين والغناء الذي تركه بليغ متفرغاً للتلحين.

(4) عندما نعى الناعي فقيدنا السني أحمد محمد الضوي، تذكرت مرثية الراحل السفير سيد أحمد الحردلو..
"تاني قام واحد جميل في بلدنا مات"
اللهم ارحم السني واغفر له، واجعل مستقره الجنة وقبره روضة من رياضها.