الى : قاضى محكمة جنود الدعم السريع فى قضية قتل الطلاب بالابيض .

07:00 AM August, 09 2021

سودانيز اون لاين
wadalzain-
مكتبتى
رابط مختصر

تحياتى أيها القاضي

استمعت الى جزء من حكمك في قضية محاكمة جنود الدعم السريع بمدينة الأبيض والتي قتلوا فيها الطلاب العزل الأبرياء ، استمعت اليها من خلال فيديو مبثوث في وسائل التواصل الاجتماعى ، وقد ورد تعليقا على هذا الفيديو سيل من التعليقات مستهجنة بعض العبارات التي وردت من خلال حيثيات الحكم وتحديدا ان العبارات الآتية والتي ذكرتها وهى :-

1 - ان لجنة تقصى الحقائق ذكرت ان هذه مسؤولية فردية
2 - ان ما قاموا به لا يشبه المؤسسة العريقة التي ينتمون اليها وهى قيادة الدعم السريع التي أصبحت رقما مميزا في حفظ البلاد والعباد ، جنبا الى جنب مع القوات المسلحة في الزود عن حياض الوطن ومكتسباته
3 - في هذه العجالة تحضرنى مقالة قوية في حق قوات الدعم السريع جاءت من الاعلامى الهرم حسن فضل المولى في صحيفة اليوم التالى
4 - ووصف الدعم السريع بالآتى : ان الدعم السريع أرى فيه طاقات هائلة ومهولة
5 - ثم وصفت مقالة الصحفى بانها كلمات صادقات في حق قوات الدعم السريع
كانت عبارات غريبة تعد تزيدا مذموما وخارج موضوع القضية ، اختلف الناس حول الغرض منها ولكنهم اتفقوا على عدم ملاءمتها .

هذا بعض ما تبينته من الفيديو المبثوث ، فأن صح ذلك ، فأنى أرى فيه مفارقة صارخة لتقاليد العمل القضائى ، ومجافاة بعيدة عن نهج لغة القضاء ، ان يستخدم قاضى في حكمه المعلن هذه اللغة فهذا شيء غريب وعجيب ، ان يصف قيادة الدعم السريع في حيثيات حكم بانها ( رقم مميز في حفظ البلاد والعباد ) وان يصف مقالة صحفى بأنه مقالة ( قوية ) وان يصف الصحفى ويذكره بالاسم في حكمه بأنه ( حسن فضل المولى ) ويصفه ب ( الهرم )
ويصف مقالته بأنه ( كلمات صادقات )

لا ادرى ما هي خبرتك في العمل القضائى ، وما هي مؤهلاتك لشغل هذا المنصب الخطير ، ولكن حقيقة ان ما سمعته اصابنى بالذهول ان كان حقيقة فهو يكشف مدى التردى الذى وصل اليه القضاء في السودان .
اسمح لى أن احيطك ببعض الحقائق عن اللغة القضائية ولغة الاحكام والتي تعارف عليها القضاء الحقيقى والتي يجب ان يستوعبها اى قاضى في سلك القضاء


أن الحكم القضائى هو عنوان الحقيقة ، وكثيرا ما يقضى بالغاء الحكم فى قضية ما ، وتعاد المحاكمة فيها لعيب من عيوب الصياغة والتسبيب ، فنجد المحكمة الجديدة مضطرة الى الوصول لنفس ما انتهى اليه الحكم الملغى ، فتفعل ذلك ، وتشيد حكمها على أسباب أفضل ، وصياعة اصح وآراء أرشد .
ان الدقة فى اختيار التعبيرات التى تكتب بها الاسباب وحسن اختيار الالفاظ القانونية الدالة على المعنى الذى قصده القاضى هى من الامور المهمة فى لغة القضاء
هناك اختلاف واضح بين لغة الاحكام وبين غيرها من اللغات التى تستخدم خارج نطاق القانون ، فالعبارة التى ترد فى حوار صحفى وتوصف بأنها صريحة وناقدة قد لا يجوز أن يستخدمها القاضى فى حكمه، وقد توصف أن وردت فى حكم قضائى بأنها غير ملائمة أو لاذعة ، والعبارة التى ترد فى عمل أدبى قد لا تكون مناسبة اذا استخدمت فى حكم قضائى .
ان لغة الاحكام تتسم بحسن اختيار اللفظ ودقة الاداء والابتعاد عن التزيد والحرص على الوقار اذ يكره فى لغة الاحكام جموح العاطفة فالقضاء بطبعه وقور بالمهمة السامية التى يؤديها .
ان القاضى يصوغ اسباب حكمه بعد أن يخلد الى نفسه ، لا تواجهه أنظار شاخصة ، ولا تتعجله وجوه مستحثة ، لذلك فأنه لا يغتفر له ما قد يغتفر للمترافع المندفع من تساهل فى اختيار اللفظ ودقة الاداء .
ان الوضوح والدقة فى صياغة الاحكام هى من الاعتبارات المهمة لبث الطمأنينة فى نفس الخصوم وتيسر الوقوف على عقيدة المحكمة وما انتهت اليه من قضاء ، واذا كان الابهام والغموض نقيضين للوضوح فأن الاجمال والتعميم هما ايضا من قبل عدم الوضوح الذى قد يؤدى الى المساس بصحة أسباب الحكمة .
يجب على القاضى ان يكون حصيفا عند تكييفه للوقائع فى القضية والادلة عليها ، عليه أن يستخدم لغة فنية اصطلاحية ، فكل لفظ له دلالته القانونية التى يجب تحرى الدقة فى ايرادها ، ولذلك يجب التحرز فى استخدام اى لفظ او تعبير فى حكمه او فى اسباغه على الوقائع .ان ايراد القاضى القول على أمر او استهداءه بأمر دون ايراد دليل على الاستهداء فأن حكمه يتصف بعدم الدقة وعدم الوضوح ، لا يسوغ للمحكمة أن تورد فى حكمها عبارات عامة تفتقر الى التحديد ، كعبارات " الاعتبارات الاقتصادية والتجارية أو الاعتبارات الاجتماعية " او ان تذكر المحكمة " ان ما تقتضيه طبائع الاشياء " فمثل هذه العبارات وان كان من الجائز قبولها فى سياق محاضرة او حديث او مقال صحفى الا انها لا تقبل فى التسبيب ، ذلك أنها تتسم بعمومية تجعلها أقرب الى الغموض منها الى الوضوح ، وهو ما يجب أن تنأى عنه لغة الاحكام التى يجب أن تتصف بالوضوح وان تبتعد عن الغموض والابهام والا تحتمل التفسير .
يجب على القاضى أن يتحرى الدقة فى انتقاء الالفاظ التى تتلائم ولغة الاحكام القضائية ويجب ان تكون هذه الكلمات معبرة عن الفكرة التى يقصدها القاضى ومناسبة فى القضية لا تبتعد عنها
كما ذكرنا آنفا ان الحكم القضائى هو عنوان الحقيقة التى يجب أن تكون واضحة لا يلفها غموض ولا يشوبها لبس ، ويترتب على ذلك ان الحكم القضائى لا يجوز أن يتضمن فى اسبابه عبارات تفتح مجالا للاستنتاج أو التأويل او الاستيضاح ، الاحكام القضائية يجب أن تتصف لغتها بالحسم والقطع وان تبتعد عن استخدام عبارات مجهلة او معماة او قد يتطرق اليها شبهة أو تأويل .
على القاضى التحرز بألا يتضمن حكمه الاشارة الى مرجع ما فأن ما يكتبه صاحب المرجع مهما علا قدره وارتفعت منزلته يرد عليه الجدل والنقاش والخلاف ، بل قد يعدل صاحب المرجع عما انتهى اليه من رأى سابقا ، وهى أمور ينبغى أن ينأى عنها حكم القضاء ، ولذلك كان مستهجنا ايراد حكم المحكمة الاشارة لمقال صحفى والاشادة به فى حيثيات الحكم ، ان الحكم يعد عنوانا للحقيقة ، وتضمين اسباب الحكم وحيثياته مقال لصحفى مختلف عليه ، يفسد الحكم ، من الجائز أن تتضمن مذكرات الخصوم التى تقدم للمحكمة اشارة الى مراجع فقهية واحكام قضائية وتفسير ذلك ان هذه المذكرات حتى ولو كانت مقدمة من النائب العام او الدفاع فهى تعبر عن وجهة نظر مقدمها ، ولا تعد عنوانا للحقيقة التى لا تقبل جدالا ، ولذلك فأنه لا يجوز أن يشير اليها القاضى فى حكمه حتى ولو اتفق معها فى الرأى او رجحها على رأى آخر .
لغة الاحكام لا تهدف الى نقل المشاعر او اثارة الاعجاب ، فاذا كانت البلاغة بصفة عامة هى " مطابقة الكلام لمقتضى الحال " فأن هذا المعنى يكون فى لغة القضاء لازما .
على القاضى ان يصيغ حكمه على نحو يتجنب فيه الاجمال والتعميم ولكنه يجب عليه من ناحية أخرى أن يتجنب الاطالة بغير مقتضى ، ان الاسترسال والتزيد فى لغة الاحكام هما من عيوب اللغة ، ان من حسن صياغة الحكم القضائى يفرض ان تكون اللغة التى يستعملها القاضى تتسم بعدم الاطالة والتزيد. وقد يؤدى التزيد فى بعض الحالات الى بطلان الحكم .، ضابط الاطالة او الايجاز أن على القاضى ان يبسط ما يرى أن ايضاح الحقيقة وفهم الحكم يقتضيه ، فعليه أن يؤكد ما يرى حاجته للتأكيد وعليه ان يجمل المعنى ، من الامور التى تتسم بها لغة القضاء الايجاز والتركيز والايجاز سمة من سمات البلاغة والايجاز يعنى التعبير عن الفكرة بأقل عدد من الكلمات بحيث اذا رفعت او حذفت كلمة من الكلمات اختل المعنى ، اما الكلام الذى يمكن ان يستقيم معناه ولو حذف نصفه ، فأنه يكون فيه الكثير من التزيد ومن الفضول الذى لا فائدة منه ، فعلى القاضى وهو يحرر أسباب حكمه أن يتجنب الاطالة والاسهاب والتفاصيل المملة التى لا فائدة ترجى من ورائها وأن ينأى عن ايراد غير اللازم فى حكمه مما لا ضرورة لايراده وان يتحاشى الامور البعيدة عن نطاق المناقشة والحوار والوقائع ، وعليه ان يعنى فقط بايراد ما هو ضرورى ولازم للفصل فى القضية .
يجب على القاضى ألا يضمن حكمه عبارات قصد يبين منها أنها أعدت للنشر فى الصحف أو انه يرغب من ورائها أن يحمد على قضائه وأن يثنى عليه ، اذ تعد تزيدا يعيب صياغة الحكم فضلا عن مساسها بهيبة القضاء وكرامته
لا يصح أن يستخدم القاضى فى لغة الاحكام الفاظا تدل على التفخيم او تبجيل الخصوم ، ومثال ذلك أن يشير الحكم الى احد الخصوم فى القضية بعبارة " فخامة فلان " او " سيادة فلان " او العضو المحترم ، او السيدة الفاضلة ، ولذلك كان مستهجنا مخاطبة قاضى محكمة انقلاب الثلاثين من يونيو بعض المتهمين ب ( يا استاذ ) ويا ( سيد ) فمثل هذه الكلمات تبدو غير مقبولة ولا سيما فى القضايا الجنائية فلا يجوز وصف اى من المتهمين بمثل هذه الالفاظ ، ويبدو أنه من الاوفق ان يتجنب القاضى كافة عبارات التفخيم والتبجيل وعلة ذلك ان اطلاق مثل هذه الاوصاف على احد الخصوم يبعث على الظن بعدم حيدة القاضى وتأثره بشخص الخصوم ومدى ما يتمتعون به من سلطان ونفوذ ، فى حين ان الاصل أن الناس سواء أمام القانون مهما ارتفع منزلتهم وعلت اقدارهم ،
يجب ان يعبر الحكم عن هيبة القضاء ورهبته ، والحكم لا ينتهى بمجرد تلاوته ، بل يتداوله الخصوم ووكلاؤهم ويمحصون اسبابه ويحللون عباراته ، وقد يطعن فيه فتتداوله المحكمة التى تنظر الطعن فيه ، وقد يستشهد به الخصوم فى قضايا مماثلة منظورة امام المحاكم ، كما ان الحكم القضائى يكون محلا لدراسة الباحثين يستنبطون عباراته ويستخلصون اتجاهاته ، ومن ثم يجب ان يستخدم القاضى فى حكمه لغة تتسم بالجرس الهادىء والنغم الوقور ، وهذا الجرس يعنى عناية فى اختيار الالفاظ الواضحة والدقيقة والحفاظ على نغم هادىء للحكم يوجب على القاضى ان يتجنب الالفاظ التى تصدم آذان السامع والقارىء
الوقار هو الصفة التى يجب أن تتحلى بها البلاغة القضائية ، فالوقار صفة من صفات القاضى ذاته ويجب ان يكون الحكمة الصادر منه معبرا عن هذه الصفة ولذلك لا يجوز ان يتضمن الحكم ما يشير الى اى امر يفهم منه نزع هذه الصفة ، ويجب ان لا يتضمن الحكم ما يفهم منه نزع صفة الهيبة مثل ان يفهم من الحكم ما يشير الى الخوف او الرهبة او التملق او غير ذلك . لأن القضاء سدته الاطمئنان وان ما يستخدمه من عبارات يجب ان تتسم بالوقار
يجب ان تخلو لغة الاحكام من عبارات المدح والاطراء وبالمثل فأن على القاضى ان يتجنب استخدام الجمل العدائية والهجومية ، ذلك ان هذه الجمل تعد جملا غير لائقة فى لغة الاحكام ، المدح والاطراء وكذلك القدح والذم قد يدلون على ميل القاضى وتأثره بأحد الخصوم وهو ما يتنافى مع حياد القاضى ووجوب عدم تأثره بالعواطف فالتقدير الموضوعى البعيد عن التأثر بأشخاص الخصوم او الرأى العام هو أمر يجب أن يتحلى به القاضى والحيدة عنه قد تجعل القاضى غير صالح ، ذلك أن التعاطف او التنافر يفضيان الى التحيز وهو امر محظور يجب على القاضى أن ينأى عنه وهو يكون عقيدته ويصوغ حكمه ، من اجل ذلك ينبغى على القاضى الا يستخدم عبارات تحمل معنى المدح او الذم وبالاضافة الى ما قد تؤدى اليه عبارات المدح والذم من دلالة التحيز لدى القاضى فأنها تمس قاعدة التقيد بحدود القضية ، هذه القاعدة تفرض على القاضى ان يقتصر على نظر موضوع القضية ،واذا كان على القاضى ان يتجنب مدح او ذم الخصوم فأنه يمتنع عليه من باب اولى تناول غير الخصوم بأطراء او قدح ، ذلك ان هذا المدح او الذم يعد أمرا بعيدا عن النزاع ولا يقتضيه الفصل فى القضية

ما عارف هل يصح التعليق على احكام و اداء القضاة خاصة ان القضية لم تستوفي درجات التقاضي و ايضا كوننا لسنا من اهل المهنة
لكن بالفطرة كدا الحيثيات التي قراها القاضي مزعجة جدا و بدت لي - أنا غير المختص - كأنها اعتذار للدعم السريع عن الإضطرار للحكم بإعدام منسوبيه!
بل و ازيد انها تبدو بمثابة زرع ثغرات في الحكم تسهل على محكمة الاستئناف نقضه في المراحل المتقدمة!
هذا و الله اعلم

التعليق هنا على لغة الحكم وتزيده في ما لاداعى له في الحيثيات والأسباب ، اما صحة الحكم من عدمه فهى سوف تراجعها المحاكم الأعلى حتى البت النهائي فيه ، وعندئذ الحكم سوف يكون عرضة للتعليق من جميع المهتمين ، القانونيين والدارسين والباحثين وبالتأكيد ان لغة هذا القاضي سوف تتعرض للتمحيص من الجميع .

فوق