أزمة الكاتب !

أزمة الكاتب !


05-23-2021, 08:25 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=510&msg=1621797915&rn=0


Post: #1
Title: أزمة الكاتب !
Author: بدر الدين العتاق
Date: 05-23-2021, 08:25 PM

08:25 PM May, 23 2021

سودانيز اون لاين
بدر الدين العتاق-مصر
مكتبتى
رابط مختصر



بسم الله الرحمن الرحيم


أزمة الكاتب


القاهرة في : ٢٣/٥/٣٠٢١

كتب / بدر الدين العتاق


وهذه الأزمة ربما تأتي بإبداع كبير أو مبدع مثير وكليهما يصيبنا منه شطط الإبداع وشطون الإمتاع ؛ ولربما كانت أزمة الكاتب من هذا القبيل .


لا أعرف مبدعاً في أي مجال إبداعي إلا والأزمة كانت سبباً في نبوغه واستمرار ذيوعه بين الناس الدهر الطويل ؛ وشكلها من تداعيات الفكرة حين يريد صاحبها إبرازها أو قل : تخليدها في أذهان الناس بأكثر من كيفية لأكثر من تداع ؛ فتضطرب فكرته بعد لأي ثم يعيدها مراراً وتكراراً على الورق أو عرضها على مقياس القبول لدى المتلقي ذوقا واحساسا تارة وأخرى بمقياس النقد الذاتي تارة أخرى ؛ ثم آخر أمره تخرج من رحم تلك المعاناة والمعاني في ثوب قشيب أو ثوب هلبسيس أيهما كان .


على سبيل المثال لا الحصر أذكر في قراءتي لعدد من الكتاب وترجماتهم كم من المعاناة والمعاني بلغ شأوهم وشأنهم لكنهم أفادوا أنفسهم وقراءهم بلا ريب كالأستاذ الكبير المرحوم / عبد الله الطيب _ رحمه الله _ فقد كان يكتب كتابه المرشد إلى فهم أشعار العرب وصناعتها في أول الخمسينيات من القرن الماضي ب" لمبة الجاز " وربما استعان بالشمع يوقدها فيكتب ؛ ويعد هذا السفر ذي الأربعة أجزاء في خمسة مجلدات من أهم المراجع الأدبية في عصرنا الحديث فلا غنى لطالب الأدب إلا أن يستعين به بحال من الأحوال ؛ وهو القائل :

شعر من الخمر الرصين خبأتها * ما مثلها البردان أو قطربل

والبردان - بتحريك الباء والراء والدال - وقطربل - بضم القاف وتسكين الطاء وضم الراء والباء - موضعان اشتهرا بالخمر الجيدة ؛حيث بلغت مؤلفاته ما ربى على الخمس وأربعين كتابا .

وليس عميد الأدب العربي الأستاذ الدكتور الكبير المرحوم / طه حسين - رحمه الله - عما نقول ببعيد ؛ فقد كان يملي تآليفه على الأستاذ / فريد - رحمه الله - ؛ وهو من بعد يذهب بها إلى المطبعة ؛ في ظروف قاسية ونعرف عن العميد إصابته بالعمى أول صباه ويعتبرها من أشد المصائب إيلاماً في حياته - راجع كتابه : "الأيام" في ثلاثة أجزاء - وبلغت مؤلفاته ما ربى على الثمانين كتابا فتأمل ! .

هذا ! وكذلك في القديم الغابر فقد قيل : كان يكتب شاعر الإنسانية الكبير / أبو الطيب المتنبي - رحمه الله - ضروب شعره فيقول : لخلع ضرس أهون علي من كتابة بيت شعر ؛ والحطيئة ليس عنه ببعيد ؛ فقد كان يكتب شعره بعد أن يدهن جسمه ويجعل رأسه أسفل الأرض ورجوله على الحائط - راجع كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني ورسالة الغفران لأبي العلاء المعري - ؛ وهو القائل لسيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين حبسه بعد أن أشتهر بهجائه للناس :

ماذا تقول لأفراخ بذي مرخ * زغب الحواصل لا ماء ولا شجر

ألقيت كاسبهم في قعر مظلمة * فاغفر عليك سلام الله يا عمر

أنت الذي من بعد صاحبه * ألقت إليك مقاليد النهى البشر

ما آثروك بها إذ قدموك لها * لكن لأنفسهم كانت بك الإثر

قالوا : فرق قلب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وأمر بإخلاء سبيله بعد أن أخذ عليه العهد أن لا يهجو أحداً وقد فعل .

فأنت ترى أيها القارئ النبيل كيف يولد الإبداع وشطون الإمتاع من خلال عصارة أفكارهم ومشاعرهم أسفارا خلدتهم بين ظهرانيهم ؛ ورحم الله هذا الجيل الجديد الذي يبدع في التكنولوجيا الرقمية ويهجر الكتاب ؛ فلك أن تميل لأي المبدعين أحبهم إلى نفسك ؛ فأنا أحب الرجال الأول من الزمان الغابر ؛ رحمهم الله أجمعين .