Post: #1
Title: مجلس السيادة: تضخيم الذات واستلاب الصلاحيات
Author: د. أبوذر الغفاري بشير عبد الحبيب
Date: 05-22-2021, 09:19 AM
09:19 AM May, 22 2021 سودانيز اون لاين د. أبوذر الغفاري بشير عبد الحبيب-السودان مكتبتى رابط مختصر
لا يعدو منصب رأس الدولة في الديمقراطيات البرلمانية، أن يكون منصباً رمزياً يمثل سيادة الدولة ولا ينخرط بصورة فعالة في أعمال أجهزة الدولة الأخرى سواء كانت قضائية أو تشريعية أو تنفيذية. وعلى رأس الدول التي تتبع هذا النسق المملكة المتحدة، فالملكة رأس الدولة، إلا أنها لا تتدخل في شؤون الحكم إلا بالقدر الذي يحفظ لها رمزيتها، مثل حل البرلمان عند انتهاء دورته أو استدعائه للانعقاد، وحضور جلسته الافتتاحية، واعتماد القوانين التي يجيزها البرلمان. ورغم أنها تملك حق القيام بعدد من الإجراءات من ناحية نظرية، إلا أنها تنأى عن ذلك وتترك للأجهزة المعنية صلاحية التصرف. فعلى سبيل المثال فإن لها الحق في رفض التشريعات التي يجيزها البرلمان، إلا أنه من ناحية عملية فإن آخر تشريع تم رفضه بعد أن أجازه البرلمان كان في الربع الأول من القرن السابع عشر.
تم صياغة الوثيقة الدستورية ونظام الحكم خلال الفترة الانتقالية على نسق النظام البرلماني، ومن ثم تنفرد الحكومة بالمسؤولية عن الجهاز التنفيذي، ويقوم المجلس التشريعي الانتقالي بدور البرلمان، بينما تتمتع السلطة القضائية بالاستقلالية ويقوم على إدارتها مجلس القضاء العالي، وبنفس القدر تتمتع بعض الأجهزة الأخرى بقدر من الاستقلالية مثل النيابة العامة ويتولاها مجلس أعلى للنيابة. وفي هذا الإطار فإن مجلس السيادة هو رمز سيادة الدولة ووحدتها، وقد منحته الوثيقة الدستورية صلاحيات لا تخرج عن أن تكون صلاحيات تشريفية ورمزية وليس صلاحيات تنفيذية أو تشريعية مباشرة. من ناحية عملية فإن مجلس السيادة هو الجهة الوحيدة ضمن أجهزة الحكم الانتقالي التي ألقى فيها المجلس العسكري الذي تشكل بعد سقوط نظام الانقاذ بثقله، وأوجد لنفسه حيزاً للتمسك بالسلطة. فرغم حماس الثوار لضمان انتقال السلطة كاملة إلى أيدي المدنيين، إلا أن حسابات الواقع وتوازن القوى أدت إلى وجود تمثيل للمجلس العسكري ضمن مجلس السيادة، وبمرور الفترة الانتقالية سعى مجلس السيادة برئاسة العسكر إلى تضخيم الذات واستلاب صلاحيات ليست مخولة له وممارسة صلاحيات تشريعية وسلطات على الأجهزة العدلية بما أخل بمبدأ الفصل بين السلطات وجعل مجلس السيادة حاكماً بأمره. بمعاينة صلاحيات مجلس السيادة في الوثيقة الدستورية فإن الغلبة الكاسحة فيها هي صلاحيات (اعتماد) لإجراءات يتم اتخاذها من جهات أخرى، وليست صلاحيات أصيلة تتعلق بمهام ومسؤوليات ملقاة على عاتقه، وقد حرصت الوثيقة الدستورية على تحديد دور مجلس السيادة ووضع صلاحياته في إطارها الشكلي، وحتى لا ينشأ أي اختلاف حولها ذهبت إلى تعريف مفهوم الاعتماد رغم أن هذه التفاصيل لا ترد عادة في الدساتير فذكرت (لأغراض هذه المادة الاعتماد يعني التوقيع اللازم شكلاً لنفاذ القرار)، بما يعني أن صلاحيات مجلس السيادة في الاعتماد مجرد صلاحيات شكلية. انتبه السيد محمد الحسن لبات الوسيط الأفريقي في المفاوضات التي قادت إلى التوافق على هياكل الفترة الانتقالية وأجهزة الحكم، إلى أن مجلس السيادة مجلس تشريفي له صلاحيات رمزية، لكنه تنبأ أن إرادة أعضائه قد تؤدي إلى استخدام سلطات فعلية طبقاً لفاعلية أعضائه فذكر في كتابه (السودان على طريق المصالحة): (النصوص ليست هي التي تتحكم في رهانات السلطة، وإنما مدار الأمر فيها على مكانة الرجال الذين ينفخون الروح في هذه النصوص بقيمهم، وفضائلهم، وسلوكهم، وبالسلطة الخفية للموهبة الخلاقة النابعة من المؤسسة نفسها. ويبدو لي في حالتنا الراهنة أن السلطات الحقيقية لمجلس السيادة تكون رهناً بمدى فاعلية توجهاته نحو توطيد السلطات التي يطمح إليها وقدرته على المحافظة عليها)
مع مرور الفترة الانتقالية بدا أن مجلس السيادة لم يقم بواجبه في استكمال أجهزة الفترة الانتقالية عمداً أو إهمالاً، واستلب صلاحيات واسعة ليست في الأصل من اختصاصه، أدت إلى تضخيمه وتمكينه من مفاصل الدولة، ، ويمكن الإشارة لبعضها على النحو التالي:
أولاً: ألقت الوثيقة الدستورية مسؤولية مباشرة على مجلس السيادة في تشكيل المجلس التشريعي، فللعسكرين في المجلس سهم وافر في اختيار أعضائه إلا أن المجلس التشريعي مغيب ومن ثم استحوز مجلس السيادة ومجلس الوزراء على الصلاحية المؤقتة التي منحتها لهما الوثيقة الدستورية حصراً لملء فراغ المجلس التشريعي خلال مدة التسعين يوماً الأولى من عمر الفترة الانتقالية، وتحولت هذه السلطة إلى صلاحية دائمة ، وبموجبها أصبح مجلس السيادة هيئة تشريعية تتولى إصدار التشريعات وإجازة الموازنة العامة والمصادقة على الاتفاقيات والمعاهدات الدولية وممارسة صلاحيات المجلس التشريعي الأخرى. ثانياً: نصت الوثيقة الدستورية على إنشاء مجلس القضاء العالي لتولي إدارة القضاء، وتكمن أهمية مجلس القضاء العالي في أنه الجهة المنوط بها ترشيح رئيس القضاء والتوصية بعزله وترشيح رئيس وقضاة المحكمة الدستورية. وأوكلت الوثيقة الدستورية لمجلس السيادة تعيين رئيس القضاء كصلاحية مؤقتة إلى حين تشكيل مجلس القضاء. وبالطبع فإن إصدار قانون تنظيم مجلس القضاء العالي يقع في جزء منه على عاتق مجلس السيادة باعتباره سلطة الفعلية في غياب المجلس التشريعي وكذلك اعتماد تشكيل مجلس القضاء العالي. ولم ير مجلس القضاء العالي النور. وقد منحت الوثيقة الدستورية حقاً مؤقتاً لمجلس السيادة في تعيين رئيس القضاء إلى حين تشكيل مجلس القضاء العالي، وبتغييب مجلس القضاء العالي مدد مجلس السيادة من صلاحياته دون سند قانوني وأقال السيدة رئيسة القضاء في تغول واضح على استقلال السلطة القضائية، ومن المتوقع أن يعين رئيساً للقضاء دون صلاحيات دستورية حيث أن ترشيح رئيس القضاء من اختصاص مجلس القضاء العالي باعتباره المنوط به فحص أوراق المرشحين والتدقيق عليهم ومن ثم اختيار الأصلح على أساس مهني وليس سياسي. ثالثاً: يناط بمجلس القضاء العالي ترشيح رئيس وقضاة المحكمة الدستورية، ورغم أن أجل قضاة المحكمة الدستورية انتهى منذ يناير 2020 أي مر عليه أكثر من ستة عشر شهر حسوماً، إلا أنه بالفشل في تشكيل مجلس القضاء العالي فقد ساهم مجلس السيادة في تغييب المحكمة الدستورية والتي يؤثر وجودها بصورة مباشرة على أعماله باعتبارها صاحبة الصلاحية في وقف تغوله على الأجهزة الأخرى ووقف اختراقاته الدستورية ومن بين ذلك: أ- التصدي للإخلال الدستوري الذي تمادي فيه مجلس السيادة ومجلس الوزراء باستلاب صلاحيات المجلس التشريعي بعد تغييبه. ب- التصدي لاستلاب سلطة مجلس السيادة في تعيين وعزل رئيس القضاء. ت- والأمر الأهم هو أن المحكمة الدستورية صاحبة الاختصاص في رفع الحصانات الإجرائية عن عدد من الدستوريين بما فيهم رئيس وأعضاء مجلس السيادة في ظل غياب المجلس التشريعي، ومع تغييب المجلس التشريعي والمحكمة الدستورية فإن رفع الحصانة يؤول لمجلسي السيادة والوزراء مما يخلق صعوبات واضحة في حالة تحريك أي إجراءات جنائية ضد أعضاء مجلس السيادة أو الوزراء. رابعاً: نصت الوثيقة الدستورية على استقلال النيابة العامة وعلى إنشاء مجلس أعلى للنيابة العامة يتولى ترشيح النائب العام، وكان من واجب مجلس السيادة بالاشتراك مع مجلس الوزراء بحكم سلطة الأمر الواقع إصدار القانون الذي ينظم عمل المجلس الأعلى النيابة، إلا أنه لم يتم القيام بهذا الواجب ومن ثم استحوز مجلس السيادة منفرداً على سلطة تعيين النائب العام.
من الواضح أن مجلس السيادة برئاسة العسكر أسهم بقدر وافر في تعطيل مؤسسات الفترة الانتقالية، وعوضاً عن يكون رمزاً للسيادة مدد صلاحياته للتغول على أجهزة الدولة الأخرى بما في ذلك الجهاز التشريعي والقضائي والتنفيذي، ويبقي واجب اللحظة قائماً أن تعاد الأمور إلى نصابها بالضغط على مجلسي السيادة والوزراء باستكمال هياكل الفترة الانتقالية وحصر مجلس السيادة في موقعه الطبيعي دون تغول على الأجهزة الأخرى. أبوذر الغفاري بشير عبد الحبيب
|
Post: #2
Title: Re: مجلس السيادة: تضخيم الذات واستلاب الصلاحي
Author: زهير عثمان حمد
Date: 05-22-2021, 09:32 AM
Parent: #1
يا دكتور اباذر لك التحيا العاطر راي سديد ورؤية واعية ولكن هؤلاء العسكر لا يعون ولا يسمعون وفي ضللهم يعمهون لا يصدقوا العصر تغيير والاحوال العام في الدنيا اختلفت لذلك اي جهد معهم لا يعني اننا نحاول عمل ما علينا من توجيه الباقي علي الله
|
Post: #3
Title: Re: مجلس السيادة: تضخيم الذات واستلاب الصلاحي
Author: د. أبوذر الغفاري بشير عبد الحبيب
Date: 05-22-2021, 12:40 PM
Parent: #2
لك شكري مجلس السيادة ليس عسكرياً صرفاً ويضم مدنيين يتحملون أيضاً المسؤولية، وقد ارتضوا تمديد رئاسة العسكر عليهم (14) شهراً إضافياً دون أن ينبسوا ببنت شفة
|
Post: #4
Title: Re: مجلس السيادة: تضخيم الذات واستلاب الصلاحي
Author: Nasr
Date: 05-22-2021, 04:44 PM
Parent: #3
شكرا علي هذه المساهمة الجميلة المفيدة
Quote: فرغم حماس الثوار لضمان انتقال السلطة كاملة إلى أيدي المدنيين، إلا أن حسابات الواقع وتوازن القوى أدت إلى وجود تمثيل للمجلس العسكري ضمن مجلس السيادة، وبمرور الفترة الانتقالية سعى مجلس السيادة برئاسة العسكر إلى تضخيم الذات واستلاب صلاحيات ليست مخولة له وممارسة صلاحيات تشريعية وسلطات على الأجهزة العدلية بما أخل بمبدأ الفصل بين السلطات وجعل مجلس السيادة حاكماً بأمره. |
الواقع يقول أن العسكر هم أقلية الآن في مجلس السيادة وإذا كانت القرارات تمرر بالأغلبية الميكانيكية فما في أي مشكلة لأنهم أغلبية
الخطوة التالية الأكثر أهمية لقوي الثورة هي إنتقال رئاسة المجلس للمدنيين وتغيير عائشة المستقيلة بعضو أو عضوة لا يتجاوز عمره الخمسين بكون بذلك قد إستعدنا ولو بعض الحيوية لمجلس السيادة
|
|