إيمان مع وقف التنفيذ ! --------------- يدعي معظم العلمانيين أنهم مؤمنون و أن غايتهم ليست هي الحرب على الدين و إنما تحديد دوره و إفساح المجال للعقل البشري ليملأ المساحات التي يرى بأنه ليس من حق التعليمات الدينية التحرك فيها ، طبعاً العلماني لا يسلِّم بأنه يريد تحجيم الدين و تحديد دوره بل يدعي بأن الدين الصحيح هو ذلك الذي لا يتعدى حدود العلاقة بين العبد و ربه ، لا أعتقد أن المؤمن حقاً بشئ سيكون متسقاً مع ذاته و هو يجعل هدفه الأساسي الذي يكرس له فكره و عمله هو تحجيم ذلك الشئ ، و خوض حربٍ لا هوادة فيها مع أغلبية المؤمنين به لمجرد أنه يرى أنهم يأخذون هذا الإيمان مأخذ الجد أكثر مما يجب ! لا أعتقد أن من يمس ذلك الإيمان شغاف قلبه و يملأ جوانحه سيكون سعيداً بكل ما يجعله طيف إيمان ، و يجعله في موقفه منه يتحامل أكثر مما يتعامل و يحاصر أكثر مما يناصر و يصانع أكثر مما يتابع ، لا تجده في معركة تنصر الدين في مواجهة مستهدفٍ له ، و لا تفتقد دوره - تواطؤاً عملياً صريحاً أو صامتاً - في أي خطة تستهدف فيما تستهدف أسس إيمانه المُدَّعى . الملحد صديقه الأثير الذي يتعايش معه و يدافع عن حقه في حرية الإعتقاد ، بل كثير منهم يتمنى لو أنه كان يمتلك "شجاعته" ، و المشتركات بينه و بين الملحد كثيرة ، فهو يتبنى جزء كبير من تنظيرات الملحد في نقد الفكر الديني ، و الملحد أيضاً يتعايش معه و يرى في فكره جسراً ستعبر عبره الكثير من أفكاره ، و لما كان عدد الملحدين في بلادنا و اعتبارات أخرى لا تجعلهم يؤسسون حزباً خاصاً بهم ، فإن الملحد إذا أراد أن ينتظم سياسياً فلن ينتمي إلا لأحد الأحزاب العلمانية . للحرية لديه معنى خاص و خط سير محدد الإتجاه يجب أن تسير عليه . تبدأ من حرية الإيمان أو عدمه و لا تنتهي عند حرية الملبس و المأكل و المشرب و السلوك دون قيد أو شرط من ذلك الشئ الذي يدعي الإيمان به ، و هو سيفٌ مصلت على الحريات التي تسير في الإتجاه الآخر التزاماً بالتعاليم القاطعة التي يفرضها الدين الذي يدعي الإيمان به . الدين المثالي عنده هو ذلك الذي يتخفف من تعاليمه و لا تكاد تُرى من علاماته إلا الحدود الدنيا التي تقلل الفوارق بين المؤمن و الملحد إلى أقل درجة ممكنة . يجد المهرب الدائم و الملاذ الآمن في العناوين الكبرى للقيم الدينية ( العدل ، التسامح ، الحرية ... الخ ) التي تصادف أن علمانية الغرب لم تستطع الخروج عليها لأنها أقوى من أن تُدحَض ، لكنه لا يريد للدين مبتدر هذه القيم و مؤسسها أن يتدخل في كيفيات تنزيلها ، فقط يريده أن يعطي العناوين و تقوم العلمانية بتحديد المضامين و سك القوانين . لا يتجرأ على شئ قدر جرأته على اقتحام مسائل الدين و الدعوة لتركها مشاعاً يخبط فيه كل خابط ، يستدرك على الصحابة رضوان الله عليهم و كبار الأئمة و لا يجوِّز لنفسه المساس بنص من نصوص الآباء المؤسسين لدين العلمانية ، لصعوبة الإستدراك على النبي صلى الله عليه و سلم فإن غالبهم يتجنب ذلك و يترك المهمة لكبار منظريهم الذين يتلاعبون باللغة و يقومون بغارات نقدية خاطفة تتدثر بستار من التلاعبات المفاهيمية و تنسحب برشوة تبجيلية مخففة ينافق بها المؤلفة قلوبهم علمانياً ، الأقرب إلى قلبه هو الزميل الحزبي الأستاذ س الذي يتبنى أفكاراً إلحادية أو شبه إلحادية تعادي الدين بعد أن تماهي بينه و بين بعض دعاته فتطلق سهامها المسمومة تجاهه دون مخاطرة كبيرة ( فالعدو مموه ) ، و أحياناً بتنظيرات صريحة في عدائها له تودع في بطون الكتب لمخاطبة فئات معينة يرى بأنها قابلة للتدجين العلماني ، و الأبغض إلى قلبه هو الحاج الملتحي ص مؤدي الصلوات و الذي ربى بناته و أولاده على التدين و الذي يريد أن يرى تعاليم الدين حاكمة ففي مثل هذه الأسرة ينعدم الأمل في مناصرين محتملين . إن رأى إنحرافاً من المتدين فهو أسعد الناس به ، لينصرف جهده لإثبات أن ذلك الإنحراف ليس إنحرافاً عن الدين بل هو علة بنيوية قارة و راكزة في أصل فكرة تنزيل الدين على الواقع ، لذلك فهو لا يرى أن معالجة الإنحراف تكون بالتطبيق الصحيح للدين ، لأن تطبيق "الدين الجميل" في عرفه يصل قمته و يبلغ ذروته و منتهاه عندما ينتحي الدين جانباً مفسحاً المجال كاملاً لكل ما سواه من أفكار و نظريات لتسرح و تمرح و لا بأس بعد ذلك - إلى حين "نضوج" الشعوب - من غطاء ديني يقدمه بعض الفقهاء و المؤسسات الدينية المدجنة . إيمانه مشروط و دينه "الجميل" مفصل على مقاسه ، دين " لا يهش و لا ينش " . دين يجب أن ينحصر في المساجد التي لا يذهب إليها إلا لماماً . يريد للدين ألا يجاوز سور المسجد و يصفق للتشريعات التي تقلل عدد المساجد و يدعو لمنع مكبرات الصوت " المزعجة " و إلى مراقبة رواد المساجد و الخطباء و المعتكفين . يريد للدين أن يُحاصَر حتى داخل المحبس الأخير الذي يرى أنه مكانه الطبيعي . يريده دين يفصل هو تعاليمه ، دين ليس للقرآن و للنبي صلى الله عليه و سلم و صحابته فيه إلا العنوان و الباقي يتكفل برسمه أبعد الناس عنه من زملاء العلمانية و الأصدقاء الملحدين ، دينٌ تصفق له الراقصة و يتغنى بجماله السكير و لا ينزعج منه الملحد . لا يكلف نفسه و لو لمرة واحدة بمجادلة علماني تعدى الحدود في المساس بثوابت الدين ، فكل مساس هو وضعٌ للبنة في الأساس ، و كل اقتحام هو خطوة إلى الأمام ، و كل هرطقة هي لعبةٌ حلوة للخصوم مرهقة . حاسبوا العلمانيين بأفكار أكثرهم تطرفاً فهم يتبنونها ! ابراهيم عثمان.
01-01-2021, 02:20 PM
سيف اليزل برعي البدوي سيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18426
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة