حسن السر .. شاعر بخاف أسأل عليك الناس

07:42 PM December, 12 2020

سودانيز اون لاين
سراج الدين مصطفي-قاعد في الخرطوم دي أمشي منها وين
مكتبتى
رابط مختصر

مع إقلاله في النظم كان مقلاً في التعريف عن نفسه:
حسن السر .. شاعر بخاف أسأل عليك الناس!!

وثق له : سراج الدين مصطفي

(1)
التجديد في الغناء السوداني علي مستوي المفردة الشعرية والألحان الغنائية تلاحقت وتدرجت أطواره ما بين الحقب المختلفة،ويظل الأستاذ الفنان أبوعركي البخيت هو واحد من تلك النماذج الشاهقة التي ساهمت في تطوير الأغنية بنقلها من الشكل الكلاسيكي القديم الي فضاءات التجديد، وذلك كان منهجه الصارم في بداية ستينيات القرن الماضي حينما جأ إلى العاصمة الخرطوم ليبدأ من هناك مسيرته في فن الغناء والموسيقي، حيث تتوافر فرص نشر الإنتاج الفني إعلامياً عبر الإذاعة السودانية و التلفزيون السوداني والصحافة المحلية، وهو منذ ظهوره يميل إلى الألحان ذات الرشاقة الميلودية ولأنه شاعر ذلك منحة ميزة إنتقاء النصوص المشحونة بنبرة فرائحية تسعد النفس مستخدماً موسيقى تتوافق معها بها، ويظهر `ذلك بوضوح في أغنية «مرسال الشوق» التي لاقت رواجا كبيراً وهي من تأليف وألحان عبد الكريم الكابلي، وأضاف إليها أبو عركي من اسلوبه المميز له،فإنتقل بذلك العمل الغنائي الجديد إلي آفاق أكثر رحابة من قبل»، في نظر بعض النقاد الذين رأوا في ذلك نقلة نوعية لأعمال أبو عركي الغنائية.
(2)
في سبعينيات القرن الماضي تنامت نجومية أبوعركي البخيت وأصبح (نجم شباك) وكان وقتها التنافس محتدماً بينه والراحل زيدان ابراهيم، وكان هما الأكثر طلباً في الحفلات الجماهيرية أو الخاصة، وفي ظل تلك الأجواء المشحونة بالتنافس الحميم قدم أبوعركي البخيت أغنيته الجديدة (بخاف) والتي قدمها في برنامج (أمسيات) التلفزيوني الذي كان يعده ويقدمه متوكل كمال و كتب كلماتها الشاعر السوداني حسن السر. واشتهرت الأغنية عندما فازت بالمركز الأول في مهرجان دمشق للأغنية العربية في عام 1976 ويقول مطلعها:
بخاف أسال عليك الناس
وسر الريدة بينا يذيع
أخاف أكثر كمان ياغالي
من إيدي إنت تضيع
وأعيش بعدك حياتي جفاف
بخاف ياإنت لوجيتك
ألملم في خطاوي الشوق
وأزور بيتك
يقولو عليّ حبيتك
بخاف لوبرضي غبت عليك
تقول نسيت وجافيتك
(3)
النجاح الكبير الذي وجدته أغنية (بخاف) جعلت أبوعركي يتصدر المشهد الغنائي، وهي كذلك قدمت شاعرها حسن السر من المنطقة المظلمة الي الأضواء والشهرة والنجومية، الجدير بالذكر أن الشاعر حسن السر وأسمه الحقيقي(حسن سرالختم الخليفة) من مواليد مدينة أم درمان حي الموردة الشهير ، ويقول عنه صديقه الشاعر بشري سليمان(ترجع أصوله الى المحس ولكن نتيجة للهجرات إستقر أجداده فى منطقة الموردة بامدرمان خلف السوق مباشرة حيث منزلهم الكبير .. وللدهشة جارهم من اليمين منزل شاعر ( صه يا كنار ) الصاغ محمود ابوبكر .. ويسكن في قبالة منزلهم عصفور السودان ابراهيم عبدالجليل وشقيقه التوم عبدالجليل .. وبالقرب منه الفنان الراحل بهاء الدين ابوشله ويسكن معه الفنان خليل اسماعيل والفنان محمد الامين ويزورهم بين الفينة والفينة أبوعركى قادما من مدنى).
(4)
حي الموردة كان محطة زاخرة بالإبداع والفن وترعرع فى ثراها ولعب بين حواريها - فى المنطقة الواقعة بين سوق الموردة وخور ابوعنجه ،و الشاعر حسن السر كان لاعب كرة ماهراً فى بداياته، ثم أخذته الدراسة فألتحق بجامعة الخرطوم التى تزاملنا فيها وفيها تعرفت عليه حيث سكنا سويا فى غرفة واحدة ومعنا الاخ الشاعر عباس الجيلاني (شقيق الفنان النور الجيلانى) ولم نفترق منذ ذلك الزمن .. وهو علي المستوي الإنساني رقيق وحساس جداً و ناقد من الطراز الاول .. وتخصص فى اللغة العربية والانجليزية ورغم تخصصه لم يعمل فى وظيفة حكومية بالسودان إطلاقاً، ثم هاجرنا سويا الى ليبيا فى اواخر السبعينات.
(5)
الشاعر حسن السر أصدر ديواناً واحداً بأسم (بريق الصحو) كما يقول المؤرخ والصحفي معاوية حسن يس ، وضمنه أشهر قصائده الغنائية ،وهو يعتبر شاعر مقل جداً في كتابة الشعر الغنائي وحصر أشعاره علي أصدقائه المقربين من الفنانين خصوصاً أبوعركي البخيت وخليل أسماعيل وسيف الجامعة، وهو كما معروف لأصدقائه المقربين بطبعه عزوف عن الأضواء ولا يميل لحياة الشهرة والنجومية، وكحال العديد من المبدعين آثر الهجرة وألقي عصا الترحال بالسعودية حيث عمل مترجماً في معهد اللغات ،
حاول حسن السر أن يستأنف مسيرة الثنائية الشعرية الغنائية التي أثرت الساحة إبان فترة الخمسينيات والستينيات، من خلال تعاونه مع أبوعركي البخيت في أغنية بريق الصحو:
موصيلك بريق الصحو في النجمات
مكلم ليك أنا الموجات .. تقول لعيونك الحلوات
معديلك وجاي الرحلة
من شاطئ النوي المهجور .. معدي بحور
مهاجر ليك مدثر بالفرح والنور
ولا حزنان ذي أول .. ولا الخاطر كمان مكسور
(6)
وكما وجدت أغنيته (بخاف) شهرتها ومجدها، كان الشاعر حسن السر علي موعد أخر مع النجاح الساحق في أغنية المدينة التي تغني بها الفنان الهادي حامد ود الجبل .. وحققت الأغنية نجاحاً كبيراً بسبب لغتها المتفردة والجديدة واللحن المتنوع والمشحون بالثراء، ولعل القارئ الكريم لما يطلع علي نصها كاملاً:
طـلـعـــت مــــن جــــوه احــــزانـى الـــعديـــده
نجـمـة صحيانة بتــضــوى فى دجى الليلات وحيده
فكـرة فـنــانه وجــديـدة نـظــــره لـماحه وفريده
فـتـشـتـــا عـنـهــا فـى الــقــــري النـائية البعيده
وســألــتــا فـى بـــلاد ومـــدن عديده
ابحرتا فى كل الموانئ اكـوس عليها
أهـــــاتــــى بــيـــهـــا وانـــاجى فيها
(بكل أشواقي العظيمة .. وكل أحزاني المقيمة)
مـشــتــاق علىّ المهـا احتويها اشمها
بالـحــنـــــان الــعـــنـدي كلو أضمها
وصـــدفــه فى ابعد وفى اجمل مدينه
وإلــتــقـينا والدهشه هى اللى اتكلمت
وقـبــل الأيــادى العيون هى السلمت
مـــن شـــــدة الأفــــــــراح بـكـيــــنا
(ضحكنا .. رقصنا .. غنينا)
الـــمـــديـــنــه نـيـلها صفق ليلها بق
والــفــــرح فــــــاض بــيــهــــا دفاق
(والــخـــــيــــال والــــوادى فــتق)
طارت الأحـلام عـصـافـيــر غناء للعش الغدير
جنـت أوتــار الطنـابـيـر هـزت النشوة المزامير
وانا بين مصدق وما مصدق إنى بلقاها إلا ياها
هـى ذاتـه حـبيبتى ذاته اللحظة نازل فى حماها
وفى ضـراهـا واتقاسم الاحلام معاها .
(7)
والمقاطع الشعرية ما بين الأقواس لم يتم تلحينها حيث حذف منها الهادي الجبل بعض المقاطع وقام بتلحينها حينما هاجر الشاعر الي ليبيا حينما ألتقي بالهادي الجبل هناك بحسب إفادة الشاعر بشري سليمان (هاجرنا سوياً الى ليبيا فى اواخر السبعينات وهناك التقينا بالفنان الهادى الجبل وتواصلنا معه حيث تغنى له بأغنية (المدينة) وعند عودة حسن من ليبيا فى منتصف الثمانينات حيث عدت قبله من ليبيا، قمنا سويا بفتح مكتب اعلامى/تجارى لم يكتب له النجاح وهاجر الى السعودية بعد زواجه مباشرة فى أواخر الثمانيات .. و للمصادفة هاجرت انا بعده بسنتين للسعودية وهنالك تجددت العلاقة، حتى هجرتى لبريطانيا فى نهاية 1999 .. وكان من المفترض أن نسافر سويا ولكن بعض الظروف عطلته عن مرافقتى للهجرة الثالثة وبقى فى السعودية حتى الان.
(8)
حسن السر .. يوجد لدية مخطوط ديوان بأسم (عصافير) .. ولازالت نسخته معى حتى الان ، رغم التعديلات التى طالته واعتبره من المجددين فى كتابة الاغنية السودانية حيث استطاع مزج الفصيح بالعامي ويمتاز شعره بالخيال الواسع والرؤية الفلسفية، الامر الذى وضع له مكانه خاصة فى مكتبة الشعر الغنائى ومن اوائل الذين تغنو له الفنان ابوعركى البخيت (بخاف) و (بريق الصحو) بالاضافة الى عدد من النصوص تحت التلحين ولم تر النور بعد .. أيضا الهادى الجبل تغنى له بأغنية (المدينة) وهى من النصوص المعبرة والتى وضع فيها الشاعر حسن السر عصارة تجربته مع الغربة الاولى فى ليبيا .. بالاضافة الى اغنيتن تغنى بهما الراحل الفنان خليل اسماعيل ( سر جماله) و (لما انتى تكونى مافى).
(9)
وكما يقول الأستاذ الصحفي معاوية حسن يس( من المؤسف حقاً أن حسن السر مع إقلاله في النظم كان مقلاً في التعريف عن نفسه، ولم يشأ حتي أن يكتب مقدمه لديوانه الصغير تتيح لعشاقه أناته وزفرات غربته أن يتعرفوا إليه عن قرب، ولعلي هنا حاولت أن أضئ بعض الجوانب الخافية والمخفية في حياة الشاعر الكبير حسن السر ، إنها مجرد محاولة للتوثيق له ولنفتح مغاليق بعض الأبواب.
(توثيق: سراج الدين مصطفي)