يا ساكن الهودج

يا ساكن الهودج


10-05-2020, 08:13 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=510&msg=1601925187&rn=0


Post: #1
Title: يا ساكن الهودج
Author: ابو جهينة
Date: 10-05-2020, 08:13 PM

08:13 PM October, 05 2020

سودانيز اون لاين
ابو جهينة-السعودية _ الرياض
مكتبتى
رابط مختصر



( هاتف دعاني بأن إخلع نعليك و قف مبهورا فأنت في وادي البوح المقدس لا محالة قد هوى )
و من حيث أجهل و لا أجهل ،، قلت لبيك
و رحت أقود راحلتي عبر سنوات التيه ،، أقودها برسن الترقب ،، في صحراء شوقي الظمآن و متاهة قلبي الولهان ،،
حافي القدمين ،، معفر الجبين بغبار الأيام و السنين ،، شاخص البصر حَذَر الغدر و المباغتة ،،
و القلب ذو وجيب ،
أمد أكف ضراعتي علني أجد شجاعة تكفيني النظر إلى حزم النور المنبثقة من شعاع البدر المرتجى.
لاحت عند الأفق ، كنيزك يفلق دياجير الظلام و يشتت جحافله ، تتهادى بين القافلة و حادي الركب يدندن بمزمار تنساب منه تواشيح التبتل بالأمل.
تقبع داخل هودج .. خيوطه منسوجة من عبق حروفها ، تجلس خلف أستاره و كأني أراها من وراء حجب ، يشق ضياؤها مسام الليل و دسر الظلام.
ضجتْ أركاني بصدى حديثها المنساب لحنا.
أطلتْ عشرات الزنابق في عتاميري التي تشكو الجفاف.
و صدح الكون بكل ألسنة الطير ، كروانه و بلابله و قماريه.
و تلونت الدنيا بكل ألوان الطيف ،، بل و بألوان أخرى إنبتقتْ من طيفها الكريستالي المصقول بوهج هواجسي و وميض أوهامي.
و خُيِلَ إلي أنني فهمت ما تزمجر به الرياح ، و إستمعت متبتلا خاشعا لتسابيح أوراق الشجر و سعفات النخيل في حفيفها و تمايلها بفعل هوج العواصف.
و مازحتني النجيمات بأن أبشر فقد مضى زمن السهر و التحديق فيها و مناجاتها ، و قالت : لا تخف ،، فهناك آخرين سيبثونني نجواهم و سيشكون إلي عذاباتهم ، إمض في طريقك يا فتى.
و ما أن بدأتُ رحلتي المجهولة ، أتحسس وقع أقدامي ، أتلفت في حذر ، تفتحت زهرات كانت ذابلة ترنو لدفق الندى الآتي ، و تماسكت حبات الرمال تحت أرجلي ، و هللتْ شجيرات الصنوبر فبدتْ من بين رقراق السراب كدراويش في حلقة إنشاد صوفي يرفعون أكف الضراعة بتوسل يطلبون العون و المدد.
و تنساب عبر رحلتي أنهار أنغامها المعزوفة على أوتار مشدودة من تلهفي و ترقبي ،، تموسق خطواتي ،، تقتل رتابة أيامي ،، تعيد روزنامة حياتي عشرين عاما للوراء ،، و تعيد لقاموسي القديم كلماته ،، قاموس المراهقة و العشق البريء ،، فأكتب على جدران بيتها ( أشتاق إليك كما يشتاق الزرع للماء ) ، و أرسم على لحاء الشجر قلبا نازفا يخترقه سهم كيوبيد ، و أراها تهديني منديلا مطرزا ترقد على أطرافه الأحرف الأولى من إسمينا.
تمنيت أن يكون لي هدهد قد نجا من سلالة هدهد سيدنا سليمان الحكيم ، فأبعثه ليأتيني منها بالخبر اليقين ، أنا لا أطمع في قصر ممرد و لا قوارير من فضة أو ذهب أو حورية من الحور العين ،، فقط يقف عند حافة نافذتها و يرسل البصر عبرها و يصيخ السمع ثم يأتيني بما يذهب الظمأ و يقتل هذا العطش في مهده .
أو أن أكون مالكا لعفريت من الجن يكون للحظة واحدة طوع بناني و رهن إشارتي فيأتيني بها و بمملكتها قبل أن يرتد إلي طرفي.
ثم ..........
تلبدت السماء بالغمام و السحب الداكنة و أكفهر وجهها الصافي.
و لمعتْ البروق في ومضات متلاحقة متسارعة.
و كركر الرعد في دوي ملأ جنبات الوادي
فأصاب راحلتي ما جعلها تجفل و تحيد عن الطريق.
تبعثرتْ الإتجاهات أمامي فلم أعد أدري وجهتي.
فجفلت الطيور و توقفت عن الشدو الجميل
و توارت الزنابق بين فتحات تربتها
و أرْختْ أشجار الصنوبر أياديها المرفوعة
و جن جنون العاصفة فراحت تعصف يمنة و يسرة و لم أعد أدر ماذا تقول و ماذا تبتغي
و تمزقت أستار الهودج و تطايرت خيوط نسيجه و بقى هيكله شاهدا على حكاية لم يكتب لها البقاء.
ترقبت ... ثم إسترقت السمع علني أسمع الهاتف يدعوني مرة أخرى
و لكني لم أسمع غير صفير الريح على قمم الجبال البعيدة و حبات الرمال تتطاير و تلسع أطرافي ، و أسراب الطيور تحلق بعيدا تبحث عن دوحة آمنة أو واحة ساكنة.