الغربة ( حزم ضوئية )

الغربة ( حزم ضوئية )


03-16-2020, 07:02 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=510&msg=1584381756&rn=0


Post: #1
Title: الغربة ( حزم ضوئية )
Author: ابو جهينة
Date: 03-16-2020, 07:02 PM

07:02 PM March, 16 2020

سودانيز اون لاين
ابو جهينة-السعودية _ الرياض
مكتبتى
رابط مختصر



الغربة طاحونة ، و حباتها ( المدقوقة و المدروشة بين رحاها هم المغتربين و ضجيجها يصيب أسرهم هنا و هناك فتجعلهم يعيشون في حالة من إنعدام الوزن ).
أهلنا في الشمال ، مارسوا الإغتراب منذ عهد الملكية في مصر ، الملك فؤاد ..
و منذ أيام الملك فؤاد و الدون جوان الأرناؤوطي فاروق ، أو قيل قبل ذلك.
سألوا أحد جهابذة الإغتراب ( و هو من عندينا ) :
ما رأيك في الإغتراب ؟ فقال : العشرة سنوات الأولى صعبة.
معنى هذا أن سنوات الغربة عندنا تقاس بالحزمة ( كالسنة الضوئية )،
كل حزمة تساوي عشرة سنوات.
يعني أربعين سنة غربة تساوي أربعة حزم و كل حزمة إغترابية تكون حبلى بالبحث عن كفيل أو عمل أو تأشيرة للذهاب و العودة بها أو طلبات لا تنتهي إن لم تنتهي كل الحزم بمرض السكر أو الضغط أجاركم الله و إيانا.
تسأل واحدة عن زوجها : متى يأتي ؟ فتقول لك : بعد نص حزمة.
لأنه لو قالت بعد خمسة سنوات ، الواحد بيشوفها كتيرة ، بالضبط زى ( الجنيه بالقديم و الجديد )
نحن أحسن شعب نختزل الزمن بصبر عجيب ،
حتى أن أحد الظرفاء قال ، إن المدفون في ذلك الميدان ( ليس أبو جنزير ) بل هو سيدنا أيوب عليه السلام ، جد كل السودانيين الصابرين، فرضعنا منه هذا الصبر الجميل و لم نفطم منه إلى يومنا هذا ، و تسرب إلى جيناتنا الوراثية ، فإنساب إلى شراييننا و تحكم في فصائل دماءنا.
كل واحد فينا شايل همو ، و هم ناس تانين ، و شايل قصص في راسه ، منها المضحك و منها المبكي و منها المضحك المبكي

Post: #2
Title: Re: الغربة ( حزم ضوئية )
Author: ابو جهينة
Date: 03-16-2020, 07:04 PM
Parent: #1

زولنا حمد ، زول سوداني ، فنجري الطباع ، فارع الطول كأجداده من سلالة تهراقا ، وسامته لا تخطؤها العين ، مشلخ شلوخا غائرة كخطوط المحراث في أرض بكر.
عندما إلتحق في الرياض بعمل لأول مرة قبل كم حزمة إغترابية ، سأله بدوي : ما هذه الشرطات على خديك؟
فقال له حمد مازحا و بهمس : أنا حأقول ليك بس ما تقول لي زول. في بلدنا الواحد لو ما قتل ليهو أسد أو نمر يعتبر ما راجل و ما بيعرسوا ليهو ، أها أنا صارعت نمر و قتلته ، و لكنو عمل فيني الشرطات دي.
البدوي تراجع مصدقا و هو يفتح فمه مندهشا و متوجسا خيفة. و لكنه لم يجهد تفكيره و يسأل نفسه : ما هذا النمر الذي يختار الجضيمات فقط و يقوم بتشريطها بهذا الإتقان الهندسي ؟
أوقف القدر في طريق حمد فتاة إسمها ( ريتا ) ..
فتاة جنسيتها ( خاتفة بلدين .. كلون بشرتها خاتف اللونين ) ..
فالوالد من قلب أثينا و الأم سليلة أمهرا ( بت عماً لي مادلينا ) فكانت للناظر متعة للعين و قلبه ، و الكمال لله ، كل شيء فيها بديع و جميل ،
حبشية ... أبوها إغريقي سليل هوميروس و أمها سليلة الأمهرا ، ولدت في أثينا ، و ترعرت في أديس ، و إغتربت في السعودية.
تتابعها بعيونك و أذنك عندما تتحدث و هي تحاول تقليد لهجتنا الحبيبة ،
فكأنها تتكلم و فمها مليء بحلاوة هريسة ،
و خاصة عندما تأتي بكلمة بها حرف العين ، فيخرج الحرف و هو شبعان من ريقها ، من جوة جوة الحلق. فتتمنى لو قالت أمامك طوال اليوم ( يا علوية عيونك عسلية )

Post: #3
Title: Re: الغربة ( حزم ضوئية )
Author: ابو جهينة
Date: 03-16-2020, 07:05 PM
Parent: #2

أحب حمد ريتا ، حبا ملك عليه فؤاده و لبه و جعلت مجاري شلوخه تتوهج كلمبة النيون و تمتليء بدماء العشق التي تغلى في عروقه. و بادلته ريتا حبا بحب. و ( الساعة الـ يقولو ليها حمد ، الكلام يكْمل و يقيف.)
قلنا له و نحن نظهر الشفقة و نضمر الحسد : دي ما معروفة مسلمة ولا مسيحية ، يعني أهلك ما حيرضو ..
لم يجعلنا نكمل تعليقنا الغتيت ، فقد قال و الشرر يتطاير من عينيه : و الله لو بقت راهبة ولا من السيخ ما بخليها...
تزوجها حمد ،
مازحه أحدنا بغيظ مكتوم و حسد بائن بينونة كبرى:
أولادكم حيطلعوا مشلخين جاهزين و إنت عامل لي شلوخك الغريقة دي

Post: #4
Title: Re: الغربة ( حزم ضوئية )
Author: ابو جهينة
Date: 03-16-2020, 07:07 PM
Parent: #3

المثل يقول ( البيحبك بيبلع ليك الظلط ) ، و لكن كان حمد بيبلع ليها الدراب و ( الكُرْكُتي ) و كتل الإسمنت المرورية.
فعندما دعانا لأول مرة لوجبة غداء ، قال لنا : ريتا عملت لينا أكلة سودانية بإيديها.
و حضرنا في الموعد المضروب ،
و نحن نشحذ أسنانا لإلتهام وجبة سودانية بأيدي أجنبية.
و حمد يدخل و يمرق ( كأم العروس ) تارة يستحث ريتا و تارة يمدح في ريتا و عمايلها السودانية،
ثم أتت الصينية مغطاة بطبق سوداني ، و عروق من الجرجير تتدلى معلنة أن المائدة ستكون عامرة ،
و إنكشف الطبق عن صحن ( ماكن ) يمكن أن يسبح فيه طفل عمره ستة شهور بحرية تامة ،
و داخله شيء أشبه باللحاف المطبق أو شملة الدخان قبل أن تصير قديمة ، أطلق عليه حمد إسم القراصة ،
كان لونه داكنا يميل للون الكاكي الغامق ، فقلنا ربما من نوعية الدقيق ،
و عندما سكب حمد ( الملاح ) و الذي من المفترض أن يكون ملاح الويكة ، إندلق سائل هلامي يمكن أن تحسب من خلال شفافيته عدد حبات الفلفل الأسود و حبات الويكة الناشفة و أجزاء من الماجي التي لم تذب في الحلة.
و إندلق السائل بعد عدة محاولات من حمد و كأنه يضع لك مرهم بنسلين في العين ،
و الذي غاظني و جعل الدم يصعد إلى نافوخي هو أن حمد ما إنقطع عن شكر هذا الهلام و هذا اللحاف القابع في طشت الغسيل الذي أمامنا :
قال و هو يبلع بنهم و تلذذ : بالله ما شاطرة إنو الواحدة تتعلم تعمل الحاجات دي و بالسرعة دي ؟
فقلت له متهكما : الكلام على الأستاذ يا شيف الهيلتون.
لم يفهم مغزى تهكمي و واصل إبتلاع الكتل العجينية و نحن نتسلى بالسلطة المليئة بالشطة الحبشية.
عند خروجنا ، قالت ريتا : الأكل عجبكم ؟
قلت لها و أنا أفكر في أقرب مطعم : و دي عاوزة كلام ؟ تسلم الأيادي يا مدام ريتا.
لكزني صديقي : تسلم الأيادي و تبوظ المصارين ، مش كدة ؟
معذور حمد ، فقد كان يرى فيها كل شيء حلو.
ثم إختفى عنا حمد ، و لفترة طويلة ضاعت أخباره عنا وسط زحام الحياة و حزمنا الإغترابية تأكل لحظاتنا ، ثانية بعد ثانية

Post: #5
Title: Re: الغربة ( حزم ضوئية )
Author: صديق مهدى على
Date: 03-16-2020, 07:08 PM
Parent: #1

سلام ابوجهينة يا اخوى حزمك دى ربنا يكفينا شرها ههههها
ملحوظة
ياخ نحنا قولنا هذه الثورة خارجتنا تانى عايز ترجعنا للمربع الاول يعنى ندفن خارج الوطن
تحياتى
يا غالى

Post: #6
Title: Re: الغربة ( حزم ضوئية )
Author: ابو جهينة
Date: 03-16-2020, 07:10 PM
Parent: #5

إخواننا المصريين ، أطلقوا علينا إسم البرابرة ، إنطلاقا من مفهوم معين. فقد قام الملك فاروق بتعيين السودانيين في مصر و خاصة النوبة في سلاح الهجانة ، يركبون على الجمال و هم يجرون بالأرض سيطان عنج ، كانوا يحرسون حدود الدولة ، و إن حدث أي هرج أو مرج في القاهرة يطلبهم الملك فاروق فينزلون وسط الدارة و يلهبون ظهور أولاد بمبة بهذه السياط و التي لا يتحملونها. فأطلقوا علينا هذا الإسم تشبيها لنا بالقبائل الهمجية البربرية.
المهم إنو واحد من البرابرة ، عاش في تلك الحقبة تاجرا ميسور الحال في أم الدنيا ، و كان بعين واحدة ( المتشاءم يقول له أعور ، أما المتفاءل فيقول أنه بعين واحدة )،
ففكر أن ( يلَغْوِس ) شوية في حياته ، و يعمل تحلية و يتزوج مصرية ( تجعل حياته في الغربة طرية و لينة ). فتزوج واحدة من باب اللوق ، و عاش مبسوطا مفتول الشاربين منفرج الشفتين ، يدخل عليها كل يوم و هو يحمل أكياس الفاكهة و اللحمة البتلو ، و البسبوسة ، و دامت حاله هنية و رضية ، إلا أن دوام الحال من المحال ، فأفلس ، و صار يدخل يوميا على زوجته خالي الوفاض ، فتسأله زوجته و هي تزم شفتيها ( ها ... ما لقيتش شغلة ولا مشغلة ؟ ).
فيقول و هو كسير العين ( لا ). و إستمر الوضع لبضعة أسابيع ،
و في يوم فتحت له الباب بحيث ظهر وجهها و صدرها فقط و قالت له : ها ، مافيش جديد ؟
فقال : لا
فقالت و هي تخبط على صدرها : يا لهوي ... و كمان أعور ؟؟؟؟؟؟
و تطايرت ملابسه و حاجياته من البلكونة ، قطعة قطعة ، يلتقطها و عينه الوحيدة تذرف دمعا غزيرا

Post: #7
Title: Re: الغربة ( حزم ضوئية )
Author: ابو جهينة
Date: 03-16-2020, 07:12 PM
Parent: #6


اللهم إختزل حزم إغترابنا .. و أرجعنا إلى أهلنا في وطن يسوده السلام والطمأنينة والرخاء .

Post: #8
Title: Re: الغربة ( حزم ضوئية )
Author: ابو جهينة
Date: 03-16-2020, 07:15 PM
Parent: #7

سلام كبير أخي صديق

هناك بعض المغتربين لا تزال حزمهم محزومة بحزم حازم لا فكاك منه ، ولن يعودوا حتى يتيقنوا من أكتمال خططهم المحتزمة

دمتم

Post: #9
Title: Re: الغربة ( حزم ضوئية )
Author: خضر الطيب
Date: 03-16-2020, 07:17 PM
Parent: #8

رائع يا ابو جهينة
ربنا يحفظ الناس

Post: #10
Title: Re: الغربة ( حزم ضوئية )
Author: ابو جهينة
Date: 03-16-2020, 07:26 PM
Parent: #9

تحياتي أخي خضر

كم عدد حزمك الأغترابية ؟؟؟؟؟؟

Post: #11
Title: Re: الغربة ( حزم ضوئية )
Author: ابو جهينة
Date: 03-18-2020, 07:59 PM
Parent: #10

حزمة اخرى

***


عبد الكريم المغترب جاء في إجازة و دخل بيته في الخرطوم الذي تسكن فيه أصغر زوجاته الثلاثة ..
الزوجتان الأولى و الثانية يقطنان بأقصى الشمال ، و ينوي الذهاب إليهما بعد أن يروي غليله من أصغر الزوجات هذي ..
دخل و هو متورد الخدين بفعل كريم ( جليسوليد ) الذي يحبه ، و إبتسامة عريضة تسبقه، و عِمة جديدة لنج (تقول لعمة ترباس أبعدي غادي) ، و عطر نفاذ يفوح منه ، و فتح الباب و هو فارد ذراعية لإحتضان أصغر الزوجات، فإذا بزوجتيه قد سبقتاه من البلد و قاعدات ليهو ( وش ) و إبتسامة تحاكي إبتسامة الموناليزا مرسومة على الشفاة و لكنها صفراء لها بريق متحفز ينذر بالسوء. لم يستطع المسكين أن يبدأ بالسلام فوقف كالمُتَسمّر على الأرض و هو ينقل بصره بين الثلاث و كأن مؤامرة ما قد حيكت ضده.
فبادرته أم العيال الكبيرة :
تجي الخرطوم بعد سنة في إجازتك من دون ما تقول لينا ؟ إنت قايل الأخبار بتندس ؟ نحن متابعنك من يوم ما خشيت سوق باب شريف في جدة تلقط في حاجات الإجازة يا راجل الهنا.
و نظرت إليه نظرة ، ذكرته بقصة ريا و سكينة ( فبسمل و حوقل و قرأ المعوذتين ) و لم يكمل قراءة آية الكرسي قبل أن تقول الثانية من تحت أسنانها :
داير تبرطع هنا و بعدين تجينا في البلد مهلهل و منتّف و تقعد ليك أسبوع و تقول عندي عفش مشحون و تفرتق للخرطوم و تقعد مع حبيبة القلب. مش ؟
و لكزته في صفحته لكزة ( إنفدس لها ) دون أن ينبس بكلمة.
المسكين كان يُمني نفسه بعناق طويل مع حبيبة قلبه الصغيرة ، و لكن ها هما تقفان كالجستابو أما ناظريه. فإبتلع ريقه الجاف و خلع عمته الكبيرة و تشهد.
قالت الكبيرة : أفتح الشنط.
فقال و هو يتلعثم : في الحقيقة ....
و لم تعطيانه الفرصة ، فقد هجمت الزوجتان على الشنط ، و في ثوان معدودة ، كانت محتويات الحقائب قد تكومت في ثلاث أكوام متساوية.
فقال : بس المقاسات ...
قالت الثانية : نحن عارفين جايب الحاجات أغلبها مقاس الست الصغيرة. بس برضو نحن بندورن ضيقات، ما دام منك بنقبل أي شي ، إن شاء الله ما يدخلن من الرقبة.
و حدرت ليهو حدرة ، إنخلع لها قلبو الماهو رهيف.

البيت كان مكونا من حجرتين. و مكث عبد الكريم خمسة و أربعين يوما ( يباصنّو التلاتة بيناتن زى خرطوش الشيشة ) لم يجد فرصة حتى يشيل الفاتحات التي تنتظره أو تسجيل قطعة الأرض التي إشتراها ، كالمعسكر المقفول ، كل ما فعله هو زيارة والديه و إخوته برفقة الزوجة الكبيرة لزوم المراقبة اللصيقة. و عندما إنتهت الإجازة ، كان عبد الكريم في حالة ( تحنن العدو )
قالت الكبرى في وداعه بالمطار و هو يستند على عكازة :
أها الإجازة الجاية بتكلمنا ولا نجي برانا في مواعيدك زى السنة دي؟
فقال عبد الكريم : علي الطلاق بالثلاثة منكن التلاتة ما أجي ، إلا كان تجي جنازتي.