بابكر بدري: و كتاب حياتي‏

بابكر بدري: و كتاب حياتي‏


02-20-2020, 05:36 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=510&msg=1582173363&rn=0


Post: #1
Title: بابكر بدري: و كتاب حياتي‏
Author: محمد عبد الله الحسين
Date: 02-20-2020, 05:36 AM

04:36 AM February, 19 2020

سودانيز اون لاين
محمد عبد الله الحسين-
مكتبتى
رابط مختصر



بابكر بدري: و كتاب حياتي‏
منذ يومين أمسكت كتاب حياتي لبابكر بدري الجزء الأول لأكتب عنه..و هو ‏الكتاب الذي معي بأجزائه الثلاثة ..

و الذي قمت بقراءته منذ أكثر من عام..و قد نويت أكثر ‏من مرة أن أكتب عنه...و لكن التشتت الذهني و و عدم التركيز

و عدم النظام جعل ‏كتابتي عنه تتأخر حتى الآن.‏

و منذ أول أمس بدأت بإعادة قراءة الكتاب...و كنت أنوي ابتداء من اليوم البدء في وضع المخطوطة المبدئية لنقدي للكتاب..و لكن


Post: #2
Title: Re: بابكر بدري: و كتاب حياتي‏
Author: Biraima M Adam
Date: 02-20-2020, 05:46 AM
Parent: #1


ول أبا دكتور محمد عبد الله،
سلامات ..
Quote: و لكن

منظرين يا دكوك ما تلكنها ..


بريمة

Post: #3
Title: Re: بابكر بدري: و كتاب حياتي‏
Author: محمد عبد الله الحسين
Date: 02-20-2020, 05:54 AM
Parent: #2

....و لكن اليوم قبل أن أبدأ أخط أول أسطري حول الكتاب بادئاً بالجزء الأول، رأيت ‏أن أقرأ بعض ما كُتِب عن الكتاب...

و قد وجدت بوست عن الموضوع عام ‏‏2012..و كان البوست قد حل بجدل كبير ليس حول قيمة الكتاب و لكن حول ‏محتوى الكتاب..‏

و لكن القراءة المجيدة و العميقة للكتاب و بالتالي نقده و التعليق عنه وجدته في ‏سودانايل..بقلم: حسين عبدالجليل..‏

فأمتعني المقال مما جعلني أقرر فتح بوست عن الكتاب الآن حتى و لو كان لتنزيل ‏هذا المقال الماتع..‏

و سأعود مرة أخرى لكتابة تعليقي على الكتاب..‏
***************************************************************************
ول ابا بريمة صباح الخير بتوقيت الخليج

شكرا على المتابعة يا حبيب

ما حأتأخر كتير ...

Post: #4
Title: Re: بابكر بدري: و كتاب حياتي‏
Author: محمد عبد الله الحسين
Date: 02-20-2020, 06:15 AM
Parent: #3


قراءة إنتقائية لكتاب "تاريخ حياتي" لمؤلفه الشيخ بابكر بدري .. بقلم: ‏حسين عبدالجليل ‏
التفاصيل ‏
نشر بتاريخ: 05 تشرين2/نوفمبر 2018 ‏
‎ ‎
نبهتني احدي مقالات دكتور عبدالله علي ابراهيم لاهمية كتاب "تاريخ حياتي" للشيخ بابكر بدري , ‏فسعيت للحصول عليه. وقد سعدت عندما وجدته سفرا ضخما مكونا من أجزاء ثلاثة تزيد مجموع ‏صفحاته عن الف صفحة . يتناول الجزء الاول لمحات من تاريخ المهدية و حياة المؤلف في الفترة ‏من 1861 و حتي سقوط الدولة المهدية في 1899 . يتناول الجزء الثاني حياة المؤلف بعد قيام ‏الحكم الثنائي في 1899 و حتي أحالته للمعاش في 1929- و يغطي الجزء الثالث الفترة من ‏‏1929 الي 1954 و شملت تلك الفترة تاسيسه لمدارس الاحفاد‎.‎
تختلف رؤية بابكر بدري عن رؤية كثير من المؤرخين الوطنيين لبعض الوقائع التي حدثت في ‏عهدي المهدية و الاستعمار فمعظم المؤرخين السودانيين كانت رؤيتهم للاُحداث تغطيها غشاوة ‏أنحيازهم التام لكل ماهو و طني سوداني و استهجانهم لمعظم مايصدر من ألاجنبي المستعمر- الا ‏ان رؤية الشيخ لم تكن كذلك , فهو كمعاصر و مشارك في بعض الوقائع التي كتب عنها أؤلائك ‏المؤرخون‎ - ‎يقول مايراه حقا بغض النظر عن تاثير قوله علي "كرامتنا الوطنية" . فالرجل كان ‏صادقا لدرجة الوقاحة احيانا . و لِمَ لايكون كذلك فهو لم يكن محتاجا لصكوك غفران تثبت وطنيته - ‏فقد شارك كجندي مع جيوش المهدي التي فتحت الخرطوم ومشي بقدميه مئات الاميال مع الجنرال ‏ود النجومي في متاهته لفتح مصر حيث ذاق ذل الاسر بمصر المحروسة –ثم عاد للسودان و ‏شارك في كرري‎.‎
من قراءتي للكتاب ( ومما دلني عليه مقال د. عبدالله علي ابراهيم - سالف الذكر ) يتنبين أن هنالك ‏شخصيتين لعبتا دورا محوريا في تشكيل شخصية الفتي بابكر بدري و هما و الدته و شيخه الفقيه ‏أحمد حامد الكراس‎ .‎
اما والدته فقد كان قريبا منها جدا – لايخفي عنها اي شي فعله فهو مثلا يذكر القصة التالية في ‏صفحة 93 من الجزء الاول وكان عمره آنذاك واحد و عشرون عاما ( .... فمررت ببيت جارتنا ‏زهرة فطلبتني للدخول عليها وهي راقدة وقالت لي بطني توجعني فاعزم لي يافكي بابكر و عندما ‏قبضتها باصبعي أنقلبت فوق وركي و غنجت فدفعتها و مضيت لسبيلي . و عند وصولي لمنزلي ‏صليت العشاء أماما . ولكني عند أضجاعي للنوم غالبتني نفسي بالمسير لزهراء . و غلب علي ‏الهوي فوصلتها ووجدتها منفردة. سرت جدا بدخولي عليها و مكنتني من نفسها ‏‎.......‎أخبرت ‏والدتي حينما أصبحت بكل ماحصل مني ومن زهراء......فاخذت والدتي تكرر قولها (افي .. افي) ‏‏... وكانت أمي تتفل اي تبصق علي الارض أثناء قولها ذلك......) . أخذته والدته بعد ذلك معها ‏وسافرا سويا لمبايعة المهدي و كانت كما يصفها أبنها "صماء العقيدة" في أيمانها بالمهدية و في ‏الغالب تكون هي التي دفعته ليكون جنديا مجاهدا في صفوف المهدية . و قد رافقته والدته مع والده ‏وزوجته و اخواته في حملة ودالنجومي لفتح مصر‎ .‎
و عند وصولهم برفقة جيش ودالنجومي لمنطقة المحس أحس والده بأن جيشهم سيهزم فطلب ‏منهم ترك نساء و اطفال عائلة البدري معه بمنطقة المحس وان يواصل الرجال مسيرتهم مع ‏الجيش وهنا يذكر المؤلف التالي: ".... وكانت والدتي الصماء العقيدة معنا في المجلس فهجمت ‏علي والدي وقبضت علي خده و قالت له ‏‎(‎هوي يا دا الراجل الكافر صد براك – من الله نحن ما ‏صادين شيئ ) .......كان والدي يقول ذلك وهو علي يقين أن جيشنا سيهزم ومن أقواله (أن ولد ‏النجومي بليد يسافر بلا مؤون) فقالت له والدتي (لا تتكلم في ولد النجومي رابع الخلفاء) و ‏استمرت مؤمنة الي أن توفيت بامدرمان وهي تقول (أحي يارقيدة في ضل القبة) ...."- القبة التي ‏تمنت والدته أن تدفن بقربها هي قبة المهدي‎ .‎
اما شيخه الفقيه أحمد حامد الكراس الذي تتلمذ المؤلف علي يديه في الفترة من 1871 الي ‏‏1878 فقد كان شخصية غير عادية . كان الشيخ الكراس آنذاك فوق السبعين من عمره هو يُدِّرِس ‏بمفرده مايقارب الاربعمائة تلميذ في خلوته من الساعة الرابعة صباحا وحتي الحادية عشر مساء . ‏كان يستغل وقته استغلالا فذا . فالمؤلف يذكر أن شيخه كان يستحم يوميا في مخزن الخلوة و خلال ‏فترة استحمامه اليومية كان التلاميذ يقفون خارج المخزن يُسمِعُون له ماحفظوه وهو يصحح لهم( ‏بصوته) قراتهم اثناء استحمامه . يقول المؤلف عن استاذه هذا أنه رغم أن حيران الخلوة كانوا ‏يفيضون علي الاربعمائة طالب لم يكن له منهم مساعد و لا من غيرهم . كان , رحمه الله لايبالي ‏باهل المال و لا أهل الجاه , و لا يقبل هدية من أحد وكان لايسمح لتلاميذه أن يعملوا في مزرعة ‏أحد و لايستغلهم للعمل في منزله. في موقع آخر يقول المؤلف( كان عادة فقهاء الخلوات أن ‏يفزعوا حيرانهم للغابات يومين من كل أسبوع ليكثر الخشب لديهم ليبيعوا منه لحيران الخلوة و ‏يستعملون منه في منازلهم , أما شيخنا فكان يجمع حطبه سنويا من البحر زمن الفيضان) , أي أن ‏ذلك الشيخ الجليل كان يمارس مانسميه اليوم حماية البيئة فهو لا يحبذ قطع أشجار الغابات بل ياخذ ‏فقط الاخشاب التي يحملها النهر . و يمضي المؤلف فيقول (كان – رحمه الله‎ – ‎يمنعنا من عادات ‏الخلوات المؤدية للدناءة كالشحتة بالشرافة في السوق أو في المنازل أو السعي لمآتم الاموات لنأكل ‏لحم الصدقات‎ ).‎

وقد سعي المؤلف بعد أكثر من اربعين عاما – عند فتحه لاول مدرسة لتعليم البنات بالسودان ‏‏(تعليما مدنيا) بمدينة رفاعة – لان يحذو حذو أستاذه الكراس في تنظيم وقته و أخذ نفسه بالشدة و ‏اتباع منهج أخلاقي صارم يطبقه علي نفسه أولا قبل أن يطلب من الآخرين اتباعه‎ .‎

وصف المؤلف حركة ودحبوبة بالحركة "المشؤومة" رغم أن ودحبوبة كان رفيق سلاح بابكر ‏بدري حيث شاركا في حملة ودالنجومي لفتح مصر – بعد ذلك لم يلتقيا الا في الكاملين في ابريل ‏‏1905 . هنالك أخبر ودحبوبة رفيقه بابكر بدري بانه قد حضر للكاملين لدفع ضرائب مستحقة ‏عليه للمديرية بدلا من دفعها لمأمور المسلمية الذي كان ودحبوبة ساخطا عليه . (... وقال لي أن ‏سبب عدم رضاه عن المأمور هو أن الاخير كان قد نصر عليه أخيه من أبيه حسان ودحبوبة‎ , ‎بأن ‏حكم في سنة 1903 لحسان بأخذ بلاد (ارض زراعية) عبدالقادر الموجودة بالحلاوين بعدما ‏زرعها عبد القادر وكاد أن يحصدها‎ ...)‎

نصح المؤلف ودحبوبة بان يشكو المامور لرئيسه المفتش الانجليزي الا أن ودحبوبة لم بقتنع ‏بنصيحة ود بدري – ثم يمضي المؤلف فيقول " ... كذلك لمت عبدالقادر علي مابلغني عنه بأنه ‏صار يروي المديح ويحمله عنه المادحون والزمال (المنشدون) ونصحته بأن أؤلائك سيبددون ‏ثروته ويتفرقون عنه. أظهر لي وقتها أنه قبل نصحي, وافترقنا‎...".
هنا يشير المحقق الي أن ماعناه بابكر بدري " بالمديح " هي مدائح نبوبة ذات مضمون سياسي ‏‏(ربما كانت تستخدم كنوع من أنواع المقاومة ضد المستعمر) . لذا فالواضح أن عبدالقادر ودحبوبة ‏كان له نشاط سياسي معادي للحكم الاستعماري سمع به بابكر بدري ونصحه بالاقلاع عنه‎ .‎
يمضي المؤلف فيقول بان أمام ودحبوبة – أخ عبدالقادر ودحبوبة و أحمد مساعد (الذي هو عم ‏عبالقادر) وناظر الحلاوين ومعهم نفر آخرون من أعيان قبيلة الحلاوين هم الذين حذروا الحكومة ‏بأن عبد القادر ينوي القيام "بحركة عدائية ضد الحكومة" – نتيجة لتلك المعلومات (من أهل ‏عبدالقادر) قام المأمور محمد شريف بمراقبة تحركاته و "...تأكد من حصول جمعيات غير أعتيادية ‏عند عبدالقادر... " . يذكر المؤلف أن عبالقادر ود حبوبة كان له أتباع متحمسون لقتال الحكومة‎ .‎
تجاهل المفتش الانجليزي تحذير ناظر الحلاوين له و اصر علي الذهاب لعبد القادر في منزله برفقة ‏المامور المصري . "...كان عبدالقادر قد خبأ جماعته قبل وصولهما (قبل وصول المفتش و ‏المأمور) ..... واوصاهم أن سمعوه يصفق بيديه أن ينقضوا علي رجال الحكومة مهما كان نوعهم ‏وعددهم ويقتلوهم ‏‎.......‎بدأ المفتش في الاستفسار عن سبب الجموع والحركة العدائية ضد ‏الحكومة, ولكن عبدالقادر أصر أن يقص للمفتش ظلامته هنالك بدرت من المأمور حركة استياء اذ ‏قال لعبدالقادر (أنا الآن اوريك الاضطهاد و كيف يكون‎) ‎فاستشاط عبدالقادر غضبا وقال لمحمد ‏شريف ( أتقول ذلك بحضرة المفتش) و صفق يديه معها هجم الجماعة عليهم وبدءوا بقتل المأمور ‏الذي كان يستنجد قائلا ‏‎(‎أنا شريف من ذرية فاطمة) ......ولما رأي المفتش أن المأمور قد قتل – ‏رفع قبعته وأشار بيده الي عنقه وقال لهم (أضريوا هنا) ففعلوا كما أمروا..ليتهم لم يفعلوا في هذا ‏الرجل الطيب‎ ... ".‎
مما سبق يتضح لنا أن بابكر بدري كان متاثرا لقتل المفتش الانجليزي أكثر من تأثره لمقتل المأمور ‏المصري ربما يكون ذلك لشجاعة المفتش الانجليزي عند لحظة القتل كما وان المؤلف قد تحدث قبل ‏ذلك عن صغر سن المفتش و عدله‎ – ‎ايضا ربما يكون تعاطف المؤلف نابعا من كون ودحبوبة قد ‏خرق عرفا اخلاقيا سودانيا بقتله لممثلي الحكومة – غير المسلحين - أثناء زيارتهم له بمنزله‎ .‎
يبدي بابكر بدري رأيه في الحكم الاستعماري كاوضح مايكون عندما سأله المسؤول البريطاني ‏السير كري في عام 1909 أن كان "الناس مبسوطون في الجزيرة بعد وصول السكة الحديد ‏لسنار؟" فاوضح له بابكر بدري حيرته بقوله‎: "‎فالطبيعة تأمرني بمحبتك ولكن الشريعة تنهاني ‏عن حبك! لذا فانا تعبان بين الطبيعة و الشريعة" و اضاف ود بدري " سعادتك سألتني وقد قلت لك ‏مااعتقده و وأي رجل في سني تسأله هذا السؤال و لايجيبك بمثل ماقلته لك يكون قد غشك‎ , ‎وانا لا ‏أري سببا لان أنافق عليك" – غضب المسؤول الانجليزي وقال للمؤلف‎ " ‎لا تقل هذا الكلام لكل و ‏احد واحفظه في عقلك فقط‎ " .‎
يتكرر رأي بابكر بدري المعقد في الحكم الاستعماري مرة أخري في حوالي عام 1916 عندما زار ‏مدرستهم مسؤول حكومي أنجليزي وسمع بابكر بدري يقول لتلاميذه "ان الحكومة عاقلة لانها ‏‏...." فسأله المسؤول الاستعماري " لماذا تقول للتلاميذ الحكومة عاقلة و لاتقول لهم الحكومة ‏عادلة؟" فرد عليه المؤلف ‏‎" ‎لانها ليست عادلة" وواصل قوله " نحن عقلها خير لنا من عدلها‎ ".‎

لفت نظري حادثة أخري تدل علي أن الحس الوطني عند الانصاري بابكر بدري كانت جذوته ‏مازالت متقدة فهو عند زيارته لحلفا في مامورية رسمية في عام 1922 طلب ان يأذن له المأمور ‏بزيارة عثمان دقنة الذي كان مسجونا آنذاك بحلفا – فسمح له المأمور بالزيارة ولكنه أوصاه " ‏عندما تصل الخرطوم لاتقل لأحد انك رأيت عثمان دقنة لأن الزيارة له ممنوعة" . لم تمنعه وطنيته ‏السودانية من الشعور بالامتنان للانجليز لتصرفهم السريع الذي جنب البلاد من الوقوع في براثين ‏مجاعة طاحنة في عام 1914 فهو يقول "أهتمت بعد ذلك الحكومة بصورة ملحة بتموين السودان ‏فجلبت غلالا من الهند ولولا ذلك لمات من السودان مالايقل عن عشرين في المائة من سكانه ‏جوعا‎" .‎

طريقة الشيخ التي اتسمت بالصدق المتناهي في حكي الوقائع التاريخية دون حرج , أدت لواحدة ‏من اكبر المجازر الثقافية في تاريخ السودن وحرمتنا من كتاب آخر هام كان بابكر بدري قد قطع ‏فيه شوطا بعيدا فهو في ص 103 من الجزء الثاني من مذكراته يقول (....... بدأت في كتابة كتاب ‏التاريخ للسودان و انجزت منه في أوائل سنة 1910 ست كراسات من ذات الاربع و ستين ورقة ‏وفي سبتمبر من نفس السنة وصلني خطاب من المرحوم الشيخ محمد البدوي يطلب مني أن أحضر ‏له ماكتبته, فأخذت كراريسي و ذهبت اليه . استلم الشيخ محمد مني الكراريس وقال لي: أتركها و ‏أحضر لي غدا في نفس هذا الزمن . في نحو الساعة الرابعة من اليوم التالي رجعت له ووجدته قد ‏أحضر نارا في موقد, و بمجرد دخولي عليه بدأ يقطع الكراريس كراسة كراسة ويلقيها في النار ‏حتي أتي عليها كلها, ثم التفت الي و قال غاضبا " أنت جاهل بأخلاق السودانيين بكتاباتك الحقائق ‏عنهم, فالناس لم يستعدوا في بلدنا بعد لقرعهم بالحقائق. وحينما يظهر هذا الكتاب سيدسون لك من ‏يقتلك" لاتسل عما لحقني من الغضب, ولكن الرجل مهيب و لايمكن أن أصارحه برأيي او اختلف ‏معه ولكن ظهر لي صدق ماتنبا به‎.......)‎
و في أعتقادي أن الكتاب المحروق كان يحتوي الجزء الاكبر منه علي تاريخ المهدية وربما بعضا ‏من تاريخ السودان في عهد التركية السابقة فالمؤلف في مذكراته قد كتب عن تقاطع حياته فقط مع ‏بعض أحداث المهدية ولكنه بالتأكيد كان يعرف الكثير عن المهدية و عن التركية السابقة . و بفعلته ‏تلك حرم الشيخ محمد البدوي الاجيال اللاحقة من كتاب تاريخ "صادق" حسب رأيه هو - و تلك ‏لعمري كارثة كبري‎ .‎

حياة حافلة بحوداث صنعت تاريخ بلادنا تجعل المرء يشعر بخجل شديد عندما يقارن بين ماهو ‏متوفر لنا في العصر الحديث و ماانجزناه , و بين الفتات الذي كان متوفرا لذلك الشيخ الجليل و منه ‏صاغ مشروعا وطنيا تنويريا مازال يشع رغم مرور نصف قرن علي وفاة مؤسسه . أيضا مما لفت ‏أنتباهي هو مقدرة الشيخ الفذة في أعادة النظر في أولوياته , في مختلف مراحل عمره, و تأهيل ‏حياته أكثر من مرة وفق المعطيات المتاحة له (مقاتل , أسير, تاجر‎ , ‎موظف بالخدمة المدنية , ‏صاحب مشروع تعليمي تنويري ) وتلك الصفة يسميها الغربيون‎ Reinventing yourself .‎