Post: #1
Title: سلامٌ ينتصر فيه إنسانُ السودان كتبه علي الكنزي
Author: علي الكنزي
Date: 12-24-2025, 04:38 PM
04:38 PM December, 24 2025 سودانيز اون لاين علي الكنزي-الخرطوم - السودان مكتبتى رابط مختصر
بسم الله الرحمن الرحيم` من رسائل النور والظلام علي الكنزي [email protected] سلامٌ ينتصر فيه إنسانُ السودان
قراءة في خطاب رئيس الوزراء كامل إدريس أمام مجلس الأمن بتاريخ ٢٢ ديسمبر ٢٠٢٥ من زاوية إنقاذ الدولة وتجاوز منطق الغلبة
حين خاطب رئيس الوزراء السوداني د. كامل إدريس مجلس الأمن الدولي في نيويورك بتاريخ ٢٢ ديسمبر ٢٠٢٥ قائلاً: «هذه المبادرة ليست انتصارًا لطرف على آخر، بل انتصار لفكرة الدولة، ولحق الشعبالسوداني في السلام» فإنه لم يكن يطلق عبارة للاستهلاك الدبلوماسي، بقدر ما كان يسعى لإعادة تعريف الصراعالدائر في السودان من جذوره. فالخطاب، إذا قُرئ في ضوء هذه العبارة، نجده لا يتعامل مع الحرب بوصفها مواجهة بين قوتينمسلحتين، ولا مع السلام بوصفه تسوية بين أطراف متحاربة، بل يضع القضية في مستوىأعمق من ذلك: مستوى يغرف الدولة نفسها — وجودًا ومعنى ووظيفة. أهم ما في هذا الطرح أنه يسعى صراحة إلى نزع الشرعية عن منطق “الانتصار العسكري”،وهو منطق ثبت تاريخيًا، في السودان، أنه لا ينتج سلامًا مستدامًا، بل يؤسس لدورات جديدة منالعنف. حين ينفي الخطاب أن تكون انتصارًا لطرف، فإنه يعمل على طمأنة المجتمع الدولي من جهة،وطمأنة السودانيين من جهة أخرى، بأن الهدف ليس تكريس غلبة قوة بعينها على الأخرى، بلوقف النزيف وإعادة بناء الإطار الجامع للدولة السودانية. هذا التوجه، مهما اختلف الناس حوله، يعكس وعيًا متقدما بأن الحرب السودانية تجاوزت بل قل عجزت عن مرحلة الحسم العسكري، وأن الإصرار على منطق الغلبة لا يعني سوى مزيد منالتفكك التشرذم والدمار. فالجزء الأكثر دلالة في العبارة هو الحديث عن «الانتصار لفكرة الدولة». فهنا ينقل الخطاب من مستوى السياسة اليومية إلى مستوى المفهوم: الدولة بوصفها نقيضالفوضى، ونقيض المليشيا، ونقيض منطق السلاح المتفلت. ونقيض لحرب الخاسر فيها هو انسان السودان. بهذا المعنى وبهذا الفهم، يحاول رئيس الوزراءالسوداني أن يخاطب مجلس الأمن بلغة يفهمها جيدًا: لغة الدولة مقابل اللا دولة، والاستقرارمقابل الانهيار، والمؤسسات مقابل منطق القوة. وهي رسالة موجهة ليس فقط إلى القوى الدولية،بل أيضًا إلى دول الاقليم الذي يتوسطه السودان والذي يخشى أن يتحول فيه السودان إلىنموذج دائم للدولة الفاشلة تلحق به دول أخرى. أما الجزء المتعلق بـ «حق الشعب السوداني في السلام»، فينقل مركز الثقل الأخلاقي منالأطراف المتحاربة إلى الشعب نفسه. فالخطاب هنا لا يتحدث باسم حكومة فقط، ولا باسم مؤسسة، بل باسم مجتمع أنهكته الحرب،ودفع أثمانها من دمه ومعيشته ومستقبله ومستقبل اجياله. في هذا المعنى، يحاول رئيس الوزراء أن يستعيد البعد الأخلاقي للقضية السودانية، وأن يذكرالعالم بأن السلام ليس مكافأة للأطراف، بل حق أصيل للضحايا ولإنسان السودان. فالتحدي الحقيقي ل لا يكمن في جمال الفكرة، بل في ترجمتها إلى آليات واضحة فصلها الخطاب وقد لا تجد قبولاً من كل الجهات. غير أن عدم القبول لا ينقص من قيمة الخطاب، بل يؤكد أهميته. فالخطاب لا يدّعي أنه يملك كلالإجابات، لكنه يحدد الاتجاه الصحيح: للسلام بوصفه مشروع دولة، لا صفقة بين المتحاربين. مقارنة ضرورية: من نيفاشا إلى الرباعية إذا قارنا خطاب رئيس الوزراء السوداني امام مجلس الأمن بخطابات ومقاربات سابقة في تاريخالصراع السوداني، تتضح أهميته أكثر. ففي نيفاشا، على سبيل المثال، جرى التعامل مع الأزمةبوصفها صراعًا بين طرفين سياسيين–عسكريين، وانتهت التسوية إلى اقتسام سلطة لم تُعالجسؤال الدولة بقدر ما أدارت توازن القوى، وهو ما مهّد لاحقًا لانفصال الجنوب ولأزمات بنيويةمستمرة أثمر هذه الحرب الطاحنة. أما مبادرات الرباعية الدولية وما تلاها من مسارات إقليمية ودولية، فقد انطلقت في معظمها منفرضية أن الحل يمكن استيراده عبر ضغوط خارجية أو ترتيبات جاهزة، غالبًا دون امتلاكرؤية متماسكة لإعادة بناء الدولة أو معالجة اختلال احتكار العنف. والنتيجة كانت مبادراتكثيرة، لكنها قصيرة العمر، ومجتمع سياسي أضعف مما كان. في هذا السياق، يتميّز خطاب رئيس الوزراء الحالي بمحاولته الواضحة كسر هذا الإرث؛ فهو لايعرض سلامًا قائمًا على موازنة أطراف، ولا يقدّم مبادرة بوصفها استجابة لشروط خارجية، بليسعى إلى إعادة مركز النقاش إلى سؤال الدولة نفسها: كيف تُستعاد؟، ولصالح من؟، وبأيشرعية؟ ومن هنا، فإن العبارة المحورية في الخطاب لا تمثل مجرد موقف أخلاقي، بل إعلان لتأسيس الدولة السودانية على نهج مدني يشارك فيه إنسان السودان من خلال إعادة الحوار إلى محور الازمة السودانية وهي: الدولة، وانسان السودان، والسلام. فالانتصار الحقيقي هو إنفاذ فكرةالدولة نفسها وانقاذها من اتون الحرب وإعادة انسان السودان للسلام الذي يتطلع إليه.
|
|