Post: #1
Title: سلسلة مقالات: دولة سلطة التاسيس من الدولة إلى الشبكة: كيف اتُّخذ قرار تصفية حميدتي والدعم السريع
Author: احمد التيجاني سيد احمد
Date: 12-24-2025, 12:05 PM
12:05 PM December, 24 2025 سودانيز اون لاين احمد التيجاني سيد احمد-ايطاليا مكتبتى رابط مختصر
سلسلة مقالات: دولة سلطة التاسيس من الدولة إلى الشبكة: كيف اتُّخذ قرار تصفية حميدتي والدعم السريع القسم (١): المدخل التأسيسي حين لم تعد الدولة دولة: من المؤسسة إلى الشبكة القسم (٢): الجيش القديم – مؤسسة نشأت ضد شعبها
د. أحمد التيجاني سيد أحمد ٢٤ ديسمبر كرسمايس ٢٠٢٥
القسم (١): المدخل التأسيسي . حين لم تعد الدولة دولة: من المؤسسة إلى الشبكة
لم تنفجر حرب أبريل ٢٠٢٣ فجأة، ولم تكن نتيجة خلاف عسكري عابر أو سوء تقدير تكتيكي. ما حدث في السودان كان خاتمة لمسار طويل انتقلت فيه السلطة تدريجيًا من الدولة كمؤسسة عامة إلى شبكة مغلقة من المصالح، تُدار خارج الدستور، وتحتمي بالسلاح والمال والإعلام. في هذا المسار، لم تعد الوزارات مراكز قرار، ولا القوانين مرجعًا حاكمًا، بل صارت واجهات شكلية، بينما القرار الحقيقي يُصنع في دوائر ضيقة لا تخضع لمساءلة شعبية أو رقابة مؤسسية.
هذا التحول البنيوي – من الدولة إلى الشبكة – هو المفتاح لفهم ما جرى، وفهم لماذا استحال الإصلاح من الداخل، ولماذا أصبح العنف وسيلة إدارة سياسية، ولماذا انتهى الصراع بقرار تصفية لا بتسوية وطنية.
الدولة، في معناها الحديث، تقوم على ثلاث ركائز: السيادة على الموارد، الاحتكار المشروع للعنف، والشرعية الدستورية. لكن ما حدث في السودان هو تفكيك هذه الركائز واحدة تلو الأخرى. السيادة الاقتصادية أُفرغت من مضمونها بخروج الذهب والبترول من ولاية الخزينة العامة. الاحتكار المشروع للعنف تحوّل إلى احتكار شبكي، تُدار فيه البنادق لحماية المصالح لا لحماية المواطنين. أما الشرعية، فقد جرى تعليقها كلما تعارضت مع استمرار الشبكة.
في هذا السياق، لا يعود الصراع سياسيًا بالمعنى التقليدي، بل صراعًا على من يملك القرار الحقيقي: هل هو الشعب عبر مؤسسات الدولة، أم الشبكة عبر المال والسلاح؟ وعندما حاول أي فاعل – مدنيًا كان أو عسكريًا – كسر هذه المعادلة، جرى التعامل معه بوصفه تهديدًا وجوديًا، لا شريكًا قابلًا للتفاوض.
إن قراءة حرب أبريل خارج هذا الإطار البنيوي تقود إلى استنتاجات مضللة. فالحرب لم تكن لحظة انقسام، بل لحظة كشف. كشفت أن الدولة القديمة كانت قائمة بوصفها واجهة، وأن ما يُسمّى بالأمن القومي لم يكن سوى أمن الشبكة، وأن الخطاب الوطني كان غطاءً لاستمرار السيطرة.
من هنا، لا يسعى هذا المقال إلى توزيع الاتهامات أو تبرئة الأطراف، بل إلى تفكيك المنظومة التي جعلت من السودان ساحة صراع دائم. تفكيك يفضي بالضرورة إلى سؤال تأسيسي: إذا كانت هذه هي نهاية الدولة القديمة، فما هو البديل؟ وكيف تُبنى دولة جديدة لا تُدار من الظل، ولا تُختطف مواردها، ولا يُقتل شعبها باسم حمايته؟
هذا السؤال هو مدخلنا، وهو ما ستسعى الأقسام التالية للإجابة عنه، انطلاقًا من نقد الجيش القديم، مرورًا بالأجهزة الأمنية والاقتصاد العسكري، وصولًا إلى ضرورة دولة التأسيس ونواة جيش قومي جديد.
القسم (٢): الجيش القديم – مؤسسة نشأت ضد شعبها لماذا تأكّد استحالة إصلاح الجيش السوداني
إذا كان القسم الأول قد بيّن كيف تحوّلت الدولة إلى شبكة، فإن فهم هذه الشبكة يظل ناقصًا دون تفكيك المؤسسة العسكرية التي شكّلت عمودها الصلب. فالجيش السوداني، خلافًا للسرديات الرسمية، لم يكن يومًا مؤسسة محايدة انحرفت لاحقًا، بل نشأ منذ البداية بوظيفة محددة، واستمر في أدائها بأشكال مختلفة حتى لحظة الانكشاف الكامل في حرب أبريل ٢٠٢٣.
تكوّن الجيش السوداني في سياق استعماري واضح، بوصفه أداة ضبط داخلي لا جيش سيادة وطنية. وبعد الاستقلال، لم تحدث قطيعة مع هذه الوظيفة، بل انتقلت المؤسسة العسكرية كما هي، بعقيدتها وبنيتها، إلى الدولة الوطنية الناشئة.
عند مراجعة سجل الحروب، لا يظهر الجيش كمدافع عن الحدود، بل كفاعل مركزي في حروب داخلية متكررة. الجنوب ودارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق لم تكن ساحات مواجهة مع عدو خارجي، بل مع مجتمعات سودانية طالبت بالاعتراف والمشاركة والعدالة. و في احيان استخدم الجيش المودلج الأجهزة الامنية للقمع و الاحتكار مثل بيوت الاشباح و مجزرة كجبار و تجويع الشرق و تركه تحت نهش الأمراض المستعصية
لم يقتصر توجيه القوة على الأطراف. ففي لحظات التحوّل الكبرى داخل المدن، وُضع الجيش مرارًا في مواجهة المجتمع في ١٩٦٤ و١٩٨٥ وديسمبر ٢٠١٩.
وفشل الجيش فشلًا ذريعًا في حماية الأرض والعِرض. ظل عاجزًا عن حماية السيادة الحدودية، بينما وقعت انتهاكات جسيمة بحق المدنيين، بما في ذلك القتل والتهجير والاغتصاب، تحت بصره أو بمشاركته أو عبر مليشيات أنشأها أو حماها.
لم تكن هذه الممارسات أخطاء قيادة، بل تعبيرًا عن عقيدة تشكّلت داخل المؤسسة: إنكار التعدد، فرض هوية أحادية بالقوة، ثم أسلمة هذه العقيدة مع صعود الحركة الإسلامية.
ومع تحوّل الجيش إلى فاعل اقتصادي مباشر يمتلك شركات وموارد وذهبًا وبترولًا، أصبحت فكرة الإصلاح من الداخل وهمًا. المؤسسة التي تحمي مصالحها بالسلاح لا يمكن أن تخضع لسلطة مدنية حقيقية.
الخلاصة التي يفرضها التاريخ واضحة: هذا الجيش لم ينحرف عن دوره، بل أدّى الدور الذي صُمّم له. ولذلك، فإن البديل الوحيد هو القطيعة التأسيسية وبناء جيش جديد بعقيدة جديدة، يخضع للدستور ويحمي المواطن لا السلطة.
نواصل
[email protected]
|
|