Post: #1
Title: أخوان زلوط ! كتبه زهير السراج
Author: زهير السراج
Date: 12-24-2025, 00:19 AM
٨مناظير الاربعاء ٢٤ ديسمبر، ٢٠٢٥ زهير السراج [email protected]
أخوان زلوط !
للديوك في الثقافة السودانية مكانة رمزية خاصة، فهي ليست مجرد مخلوقات تتبع لفصيلة الطيور، بل نماذج اجتماعية وسياسية مكتملة الأركان. ومن أشهر هذه النماذج: ديك العدّة، ديك المسلميّة، وديك العزّابة. ولكن أكثرها إثارة للشفقة والسخرية هو الديك الذي يُعرف شعبيًا باسم "زلوط".
المعروف في عالم الديوك أنها تتنافس على السيطرة وامتلاك الدجاج، وتفوز القوية منها بأكبر نصيب من الفراريج، فتُنشئ مملكتها الخاصة، وتفرض سطوتها على الحظيرة بلا منازع، ويحكى ان أحد الديوك الدخيلة حاول الدخول في المنافسة، فاجتمعت عليه بقية الديوك واخذت تنقره، وتطارده، وتسلخ ريشه من المناطق الخلفية والأوراك، فخرج من المعركة مهزومًا، عاريا ومفضوحًا، فاقد الهيبة. ذلك الديك عرف في الثقافة الشعبية السودانية باسم "زلوط".
بعد ان هزم "زلوط" وقهر، انسحب إلى ركن قصيّ، وحيدًا، يراقب ممالك الآخرين من بعيد، ويقضي لياليه في الطنطنة بصوت عالٍ، ويحلم بفراريج سمينة ومملكة خاصة لا تتحقق أبدًا. تُسمّى تلك الاحلام في الوجدان الشعبي بأحلام زلوط !
هذا بالضبط هو حال الكيزان وآل بلبوس هذه الأيام بعد البيان الذي صدر اثر زيارة الانقلابي الأراجوز عبد الفتاح البرهان للقاهرة، فلقد كان البيان كافيًا ليوقظ أحلام زلوط الدفينة في نفوسهم.
توهم الكيزان واتباعهم المخدوعين بان ما جاء في البيان عن "اتفاقية الدفاع المشتركة بين السودان ومصر، والتحذيرات المصرية بعدم المساس بخطوطها الحمراء في السودان" بان الدبابات المصرية قادمة في الطريق لتحملهم الى القصر الجمهوري مرة اخرى، فامتلأت الأسافير بالتهليل، وارتفعت نبرة الشماتة، وتكاثرت التحليلات المضحكة عن “التدخل المصري الحاسم”، وهو حلم دافئ وجميل، لكنه "زلوطي" بامتياز.
مصر، لمن يفهم الا قليلا جدا في السياسة، لا يمكن ان تغامر بالتدخل العسكري في السودان، والغوص في رماله الكثيفة المتحركة، خاصة ان تجربتها اليمنية المؤلمة في ستينيات القرن الماضي ما زالت حاضرة في الذاكرة المصرية، كما ان التجربة الليبية القريبة التي خاضتها لم تحقق النتائج التي كانت ترغب فيها!
ثم هناك الحقيقة التي يكره الكيزان سماعها: وهى ان مصر لا يمكن ان تخطو خطوة خارجية كبيرة مثل التدخل العسكري في السودان بدون التشاور والاتفاق مع حلفائها الاقليميين الاقوياء خاصة دولة الامارات الداعمة السياسية والاقتصادية الاولى لها، ومراعاة رد الفعل الاقليمي والعالمي خاصة مع الازمات الكبيرة المتلاحقة في منطقة الشرق الاوسط وعلى رأسها الازمة الفلسطينية والصراع الاسرائيلي الايراني، وانعدام الامن في سوريا ولبنان، والجماعات الارهابية التي تنتشر على نطاق واسع في المنطقة واتساع دائرة نفوذها وعملياتها في غرب افريقيا المتاخمة للحدود السودانية، فضلا عن المشاكل المستعصية مع بعض دول حوض النيل خاصة اثيوبيا، والاوضاع الملتهبة في القرن الافريقي. كما ان اقتصادها الذي يعاني من تعقيدات كبيرة لا يتحمل تعقيدات اخرى بالدخول في مواجهات عسكرية في السودان لا يعلم احد مداها وكم تدوم، وما هى عواقبها، والاهم من كل ذلك ان غالبية الشعب السوداني لن تقبل بالتدخل المصري العسكري في السودان، ومصر اول من تعرف ذلك.
صحيح ان السودان - حسب الفهم المصري- هو من اهم قضايا الامن القومي بالنسبة لها في كثير من الجوانب، ولكنها لا يمكن ان تغامر بتدخل عسكري في السودان قد يتسبب لها في الكثير من المشاكل وتعريض تحالفاتها القوية وامنها واستقرارها السياسي للخطر !
* البيان المصري ليس اكثر من تحذير شفهي، ولكن ليس كما يحلم الكيزان بان هنالك دبابات مصرية قادمة ستحملهم الى القصر مرة اخرى، وما هى الا احلام مثل احلام طيب الذكر الديك "زلوط".
|
|