Post: #1
Title: هجمة الشتائم على شهداء قادة النصر.. لماذا؟ كتبه أسعد عبد الله عبد علي
Author: اسعد عبد الله عبد علي
Date: 12-22-2025, 11:24 AM
11:24 AM December, 22 2025 سودانيز اون لاين اسعد عبد الله عبد علي-العراق-بغداد مكتبتى رابط مختصر
منذ أيام، ونحن نرقب بأسفٍ تلك الهجمة الشرسة التي تشنها منصاتٌ مشبوهة عبر فضاءات التواصل الاجتماعي؛ هجمةٌ غارقة في مستنقع الشتائم، والسباب، واللعن، والتنمر، والاستهزاء بحق "قادة النصر" الشهداء. وهي حملةٌ لا تقتصر على تلك الصفحات فحسب، بل يردد أصداءها فئةٌ من الناس جُبلت نفوسهم على مخلفات فكر البعث ونزعات طائفية مقيتة؛ فما إن ينبري حرٌّ لنشر صورة شهيد أو استذكار ملاحمهم الجهادية، حتى تنطلق تلك الأفواه كـ "كلاب مسعورة" تنبح بأفظع الكلمات وأكثرها انحطاطاً، وكأنما يُفزعهم أن يكون لهذا البلد تاريخٌ من النصر، أو قادةٌ ضحوا بدمائهم، أو شهداء يُفتخر بهم. إن هذه الظاهرة الموغلة في القبح لم تكن لتمر دون تأمل، فقد دفعتني لتعمقٍ فاحص في سيكولوجية هؤلاء البشر، ومحاولة سبر أغوار هذا الانحطاط الخلقي العلني؛ وبعد رصدٍ للآراء النفسية وتحليل دوافع السلوك الإنساني، وجدت أن جوهر هذه الحالة يتلخص في كونها "آلية دفاعية" بائسة، يلجأ إليها العقل لحماية "الأنا" المتآكلة من الشعور المزمن بالدونية أو التهديد أمام عظمة التضحية. ويمكن تفكيك هذا السلوك المشين وفق مستويات نفسية وفكرية متعددة، تمنحنا فهماً جلياً لدوافع هذه الفئات المهزومة داخلياً، وهي كالتالي: · الشعور بالتهديد والدفاع عن "الأنا": هنا يجب أن نتحدث عن سيكولوجية الحقد الاجتماعي وتحليل آلية الإسقاط النفسي، حيث يتحول نجاح الآخرين في عين البعض من مصدر إلهام إلى تهديد وجودي صريح. فبدلاً من أن يكون التفوق دافعاً للتطور، يُفسره العقل الباطن للعاجزين كأنه شهادة إدانة تكشف قلة حيلتهم وتعري فشلهم الشخصي أمام أنفسهم. ولأن مواجهة هذا القصور الذاتي مؤلمة للغاية، يلجأ العقل لآلية دفاعية تهدف إلى حماية "الأنا" عبر الإسقاط وتشويه صورة الناجح لفظياً، في محاولة بائسة لنزع المشروعية عن تميزه وإنزاله من مكانته العالية، مما يمنح الشخص الحاقد شعوراً زائفاً بالراحة، وكأن الفجوة بينه وبين القمة قد تقلصت، ليس عبر الصعود والعمل، بل عبر محاولة سحب الآخرين إلى القاع. · الإزاحة والإسقاط النفسي: يتخذ الكثيرون من "السباب والشتيمة" متنفساً لما يرزحون تحته من أزمات نفسية، وإحباطات متراكمة، أو إخفاقات حياتية مريرة. ولما كان هؤلاء يعجزون عن توجيه سخطهم نحو مسبباته الحقيقية —كضغوط العمل أو قسوة الظروف— فإنهم يفتشون عن "ضحية بديلة" يصبون عليها جام غضبهم؛ وهنا يبرز المتميزون أو المغايرون في الفكر كأهدافٍ نموذجية، إذ يمنحهم الهجوم على هؤلاء إحساساً وهمياً بالسيادة والتفوق، ونشوة عابرة بالقدرة على التأثير والسيطرة التي يفتقدونها في واقعهم. فهم لا يستطيعون تفريغ هذا الغضب في مصدره الأصلي، لذا يبحثون عن "كبش فداء"، والناجح أو المخالف في الرأي هو هدف مثالي؛ لأن الهجوم عليه يمنح الشاتم شعوراً زائفاً بـ "القوة والسيطرة" للحظات بسيطة. · الانحياز التأكيدي والتعصب الفكري: يعتبر اللجوء إلى الشتم والإساءة عند مواجهة رأي مغاير تجلياً واضحاً لظاهرة نفسية وفكرية تُعرف بـ "الجمود المعرفي"، حيث تتحول عملية الحوار من محاولة للفهم وتبادل الأفكار إلى معركة وجودية. في هذه الحالة، لا يرى الشخص الاختلاف كفرصة للإثراء، بل يدركه كـ "هجوم شخصي" مباشر يستهدف كيانه ومنظومة قيمه التي يستمد منها أمانه النفسي. هنا، يتحول السب والقذف إلى "حائط صد" دفاعي ووظيفة نفسية تهدف إلى إغلاق منافذ العقل أمام أي معلومات جديدة قد تزعزع الاستقرار الداخلي؛ فقبول فكرة المخالف لا يعني مجرد الاقتناع برأي آخر، بل يعني ضمنياً الاعتراف بنقص التفكير الذاتي أو الخطأ، وهو اعتراف يمثل تهديداً وجودياً لا تستطيع الشخصية النرجسية أو الهشة تحمله. لذا، يظل الشتم هو الوسيلة الأسهل لترميم تلك الهشاشة وحماية "الأنا" من الانهيار أمام الحقيقة. · تأثير عدم الكشف عن الهوية: في الفضاء الرقمي، تبرز ظاهرة نفسية خطيرة تُعرف بـ "تلاشي الكوابح الاجتماعية"، وهي الحالة التي تنهار فيها الحواجز الأخلاقية والسلوكية التي يلتزم بها الفرد عادةً في حياته الواقعية. فخلف الشاشات، يتولد لدى الشخص شعور زائف بالأمان والحصانة من العقاب المادي أو المواجهة الاجتماعية المباشرة، مما يخلق نوعاً من "الاستقواء الرقمي". هذا الانفصال عن الهوية الحقيقية والتواري خلف أسماء مستعارة يحرر أسوأ ما في الطبيعة البشرية من نزعات عدوانية؛ حيث يفقد الحوار قيمته الجوهرية ويتحول النقد إلى أداة للقذف والتشهير. إن غياب "المواجهة بالعين" يضعف الوازع الأخلاقي ويُغيّب التعاطف الإنساني؛ فالمعتدي لا يرى أثر كلماته الجارحة على ملامح الطرف الآخر، مما يجعل الشتم وسيلة سهلة للتفريغ عن العقد النفسية دون أدنى شعور بالذنب. · الحسد الخبيث والحسد الحميد: يمثل الحسد شعوراً إنسانياً مركباً ينقسم إلى مسارين متناقضين؛ فبينما يبرز "الحسد الحميد" كقوة دافعة ومحفز إيجابي يدفع الشخص للاقتداء بالناجحين، يظهر "الحسد الخبيث" كطاقة هدامة تتمنى زوال النعمة وتتجاوز ذلك إلى محاولة تدميرها معنوياً. وعندما يعجز الحاسد عن محو نجاح الطرف الآخر، يلجأ إلى "التشويه اللفظي" كآلية تعويضية يغطي بها شعوره المزمن بالنقص. إن هذا السلوك هو محاولة بائسة لـ "تسويد" بياض الآخرين وإطفاء بريق إنجازاتهم، في سعيٍ واهم لخفض سقف المقارنة، حتى لا يبدو سواد الشاتم وفشله واضحاً، فيتحول الشتم إلى محاولة يائسة لإعادة التوازن لنفسية مهزوزة ترى في ضياء غيرها كشفاً لعتمتها الخاصة. · الافتقار للذكاء العاطفي ومهارات الحوار: يُمثل السب والشتم في جوهره ما يمكن وصفه بـ "سلاح الأعزل"؛ فعندما يقف المرء عاجزاً أمام قوة المنطق وسطوع الحجة، وتخونه حصيلته اللغوية والثقافية، يجد في الكلام البذيء الملاذ الأخير للتعويض عن هذا الإفلاس المعرفي. إن اللجوء إلى الإساءة اللفظية هو إعلان صريح عن الهزيمة النفسية والعقلية؛ إذ يعمل الشتم كأداة هجومية بدائية تهدف إلى إنهاء النقاش قسراً بعد العجز عن دحض الفكرة. إنها محاولة لنقل المعركة من ساحة "العقل والبرهان" إلى ساحة "الاندفاع الغريزي" التي لا تتطلب سوى القبح، ليصبح البذاء لسان حال من ضاقت به سبل البيان. · أخيراً: يعدّ الشتم والسب الموجه نحو الناجحين أو المخالفين بمثابة "صرخة ضعف" مكتومة تُغطى بقشرة زائفة من العدوانية؛ فهي اعتراف ضمني بتفوق الطرف الآخر. فعندما يطلق الشخص بذاءاته، فهو يقرّ في أعماقه بأن هذا "الآخر" يمتلك ميزةً ما —سواء كانت نجاحاً ملموساً أو توازناً نفسياً— يعجز هو عن الوصول إليه. إن هذه السلوكيات هي في الحقيقة "ترمومتر" يقيس مدى الفجوة بين طموح الشاتم وواقعة العاجز، حيث يعمل السب كآلية دفاعية تهدف إلى تحطيم صورة النجاح التي تذكره بفشله، وتحويل الشعور بالدونية إلى شعور وهمي بالانتصار.
|
|