Post: #1
Title: حين يطلب عبد الله علي إبراهيم ثورة بلا مخالب! كتبه خالد كودي
Author: خالد كودي
Date: 12-21-2025, 11:25 PM
11:25 PM December, 21 2025 سودانيز اون لاين خالد كودي-USA مكتبتى رابط مختصر
21/12/2025 ، نيروبي
ثورة السودان الجديد: لماذا تبدو خطِرة لعبد الله علي إبراهيم؟
أولا: في نوفمبر 2020 نشر الدكتور عبد الله علي إبراهيم مقالًا بعنوان ؛ماذا حدث لثورتنا؟ الحركة الشعبية لتحرير السودان (عبد العزيز الحلو): ركل الثورة وهي صريعة على الأرض - وأعاد نشره بالامس على موقع سودانيز أونلاين بتاريخ 20 أكتوبر 2025 .
يمكن اختزال الأطروحة المركزية للمقال في النقاط التالية: ١/ يتهم الحركة الشعبية/شمال (عبد العزيز الحلو) بأنها "ركلت الثورة وهي صريعة الأرض" عبر نقدها لتكوين مجلس شركاء المرحلة الانتقالية. ٢/ يرى أن توقيت نقد الحركة كان غير أخلاقي سياسيًا، لأن الثورة كانت ضعيفة ومحاصرة، وكان يُفترض دعمها لا "جلدها". ٣/ يعتبر أن طرح العلمانية وحق تقرير المصير مثّل صدمة للثوار، وساهم – من وجهة نظره – في إحباطهم وخدمة الثورة المضادة. ٤/ يفترض أن الثورة كانت بحاجة إلى خطاب وحدوي مهدئ، لا إلى قضايا تأسيسية "جزافية" (وفق توصيفه) ٥/ يستعيد سردية تاريخية ترى أن الحركة الشعبية خذلت الثورات السودانية سابقًا (1985)، وتكرر الخذلان في 2018 ٦/ ينتهي إلى أن الحركة تأخرت في "ركوب قطار السلطة"، وأن مجيئها المتأخر لا معنى له إلا البكاء على الأطلال.
هذا هو هيكل المقال: أخلاق لوم، لا تحليل بنية؛ ونوستالجيا وحدة، لا نقد دولة؛ وتعريف للثورة من موقع النخبة، لا من موقع ضحاياها، وللنناقش الدكتور في هذا:
ثانيًا: ما هي الثورة من اصلو؟ تعريف الثورة خارج أخلاق النخبة وداخل التاريخ (تعريفٌ ضدّ التمييع): الثورة، في معناها الجذري والتاريخي، ليست لحظة إسقاط حاكم، ولا احتفالًا بانهيار رأس النظام، ولا انتقالًا ناعمًا للسلطة داخل البنية ذاتها؛ بل هي لحظة كسر بنية، وقطيعة واعية مع الشروط التي جعلت الاستبداد ممكنًا أصلًا. إنها ليست إعادة توزيع مواقع داخل الدولة القديمة، بل تفكيك منظومتها المادية والرمزية معًا. لهذا قال فرانز فانون بوضوح لا يحتمل التأويل إن الثورة "ليست تغيير الحكّام، بل تدمير البنية التي جعلت الحاكم ممكنًا"، وهي، كما يضيف في موضع آخر، "ليست حفلة شاي، بل إعادة ترتيب عنيفة للعالم". فالعنف هنا ليس مزاجًا، بل ضرورة تاريخية لتفكيك علاقات الهيمنة المتجذرة. ويؤكد توماس سانكارا هذا المعنى حين يربط الثورة بالأخلاق الجذرية، لا بأدب التسويات، قائلًا: "من لا يستطيع أن يسمي الظلم باسمه، لا يملك الحق في الحديث عن الثورة". أما أنجيلا ديفيس فتضع حدًا نهائيًا لأوهام "الإنجاز السريع" حين تقول: "الثورة عملية، لا حدثًا؛ ومن يتعجل نهايتها يخون معناها" بناءً على ذلك، فإن أي مسار يُسمّى ثورة بينما يُبقي على: ١/ نفس جهاز الدولة الموروث من الاستبداد، ٢/ ونفس الجيش العقائدي، ٣/ ونفس مركزية السلطة، ٤/ ونفس الامتيازات الاجتماعية والرمزية للنخب التاريخية، ليس ثورة، بل إدارة انتقال، أو في أحسن الأحوال إدارة أزمة. فالثورة لا تُقاس بعدد الوزراء المدنيين، ولا بلغة "التوافق"، ولا براحة النخب واطمئنانها، بل تُقاس بمدى تفكيكها لعلاقات الهيمنة التاريخية، وبقدرتها على إعادة تعريف الدولة، والسلطة، والمواطنة، والعدالة من جذورها. بهذا المعنى، تصبح الثورة فعلًا تأسيسيًا طويل النفس، لا لحظة عاطفية عابرة، ومشروعًا لإعادة بناء العالم، لا تسوية على أنقاضه.
ثالثا: من ثورة "الإطاحة" إلى ثورة "التأسيس": سؤال الحركة الشعبية في مواجهة ارتباك النخبة: تنطلق رؤية الحركة الشعبية لتحرير السودان للثورة من سؤال تأسيسي يتجنب النبرة الأخلاقية السائدة ويصيب جوهر الأزمة: لماذا فشلت كل الثورات السودانية السابقة في إنتاج دولة جديدة؟
الإجابة، خلافًا لما يوحي به خطاب النخبة الفاشلة، لا تكمن في "سوء الحظ"، ولا في خيانات عابرة، ولا حتى في مؤامرات العسكر وحدهم، بل في حقيقة أبسط وأقسى: الدولة القديمة ظلت قائمة دون مساس، تُدار بأدوات جديدة، وتُبرَّر بلغة ثورية مخففة ان لم تكن محتالة. من هنا، لا تفهم الحركة الشعبية الثورة بوصفها لحظة إسقاط، بل باعتبارها فعل تأسيس. فالإطاحة دون تفكيك تعني إعادة إنتاج الأزمة، والتغيير الذي لا يمس بنية الدولة ليس تغييرًا بل تدويرًا للنخب. وبهذا المعنى، يصبح ما يصفه البعض بـ"الشروط القصوى" مجرد حدٍّ أدنى تاريخي للخروج من دائرة الفشل. ووفق هذا الفهم، تعني الثورة في مشروع السودان الجديد: ١/ دولة علمانية، لا باعتبار العلمانية شعارًا أيديولوجيًا أو استفزازًا ثقافيًا، بل بوصفها الشرط الدستوري الوحيد لضمان المواطنة، و المساواة الكاملة في بلد متعدّد الأديان والهويات، ومنع احتكار الدولة باسم المقدس. ٢/ دولة ديمقراطية لا مركزية، لأن المركزية لم تكن يومًا أداة وحدة، بل كانت تاريخيًا آلية نهب وإقصاء، وأن وحدة الوطن لا تُفرض بالقوة بل تُبنى بالعدالة. ٣/ عدالة تاريخية، لا عدالة انتقالية شكلية تُسوّي بين الجلاد والضحية، بل عدالة تعترف بجذور العنف وتُسميه وتُحاسب عليه. ٤/ تقرير المصير، لا كتهديد للوحدة، بل كاختبار أخلاقي وسياسي لها؛ فالوحدة التي لا تُختار طوعًا ليست وحدة بل إكراهًا. ٥/ جيش قومي جديد، لا يُرمَّم ولا يُعاد "إصلاحه"، بل يُعاد تأسيسه بالكامل كمؤسسة مهنية وطنية، خارج العقيدة والجهوية التي اوصلتنا الي ما نحن فيه. بهذا المعنى، لا تمثل هذه الرؤية قفزًا على الواقع أو مزايدة سياسية، بل استجابة واعية لتجربة تاريخية طويلة من الثورات المجهضة. أما الارتباك الذي يبديه خطاب د. عبد الله علي إبراهيم والنخبة أمام هذه المطالب، فمصدره ليس راديكاليتها، بل لأنها تكشف حدود خيالٍ سياسيٍّ اعتاد التغيير من دون مساس، والثورة من دون قطيعة!
رابعًا: من الذي ركل الثورة فعلًا؟ السؤال الجوهري ليس: لماذا انتقدت الحركة الشعبية مجلس شركاء الفترة الانتقالية، ولا لماذا لم تسعَ للدخول فيه، بل السؤال الذي جرى تفاديه عمدًا هو: من صاغ هذا المجلس؟ ولماذا طُلب من الثورة أن تدخل قبرها باسم "الشراكة"؟
فمجلس الشركاء لم يكن آلية ديمقراطية، ولا ضرورة انتقالية فرضتها تعقيدات المرحلة، بل كان صيغة فوق–دستورية أُنشئت لإعادة توزيع السلطة داخل المنظومة القديمة، لا لتفكيكها. لقد مثّل هذا المجلس، عمليًا، لحظة استعادة العسكر لمركز القرار، وتجريد الشارع من سلطته، وتحويل الثورة من مشروع تغيير جذري إلى إدارة أزمة طويلة النفس. المفارقة اللافتة – والدالة على ارتباك الخطاب النقدي نفسه – أن د. عبد الله علي إبراهيم يصف مجلس الشركاء، عن حق، بوصفه ذروة الثورة المضادة، ثم يعود ليلوم الحركة الشعبية لأنها رفضت الانخراط فيه. وكأن المطلوب من القوى التي تملك رؤية تأسيسية هو أن تُضفي الشرعية على ما تعرف سلفًا أنه أداة لإجهاض الثورة، لا أن تكشفه وتفضحه. لقد صاغ هذا المجلس ذات النخب التي: ١/ أدارت الدولة العميقة بواجهات مدنية، ٢/ أعادت إنتاج الشراكة مع العسكر تحت مسميات جديدة، ٣/ فرّغت الشارع من سلطته السياسية، ٤/ واستبدلت الثورة بمنطق "الاستقرار" و"التوافق" و"الواقعية السياسية" وهذه النخب لم تكن، في أي لحظة، بديلًا للنظام القديم، بل نسخته المخففة، الأكثر تهذيبًا في الخطاب، والأشد محافظة في الجوهر. ولهذا قال مالكوم إكس إن "الليبرالي أخطر على الثورة من المحافظ، لأنه يبيعك الوهم باسم التقدم"، فيما حذّر أميلكار كابرال من أن "أكبر خطر على الثورة هو البرجوازية الوطنية حين ترث دولة المستعمر".
بهذا المعنى، فإن من "ركل الثورة" لم يكن من رفض مجلس الشركاء، بل من حوّل الشراكة إلى بديل عن التغيير، والقبول بالأمر الواقع إلى فضيلة سياسية....
خامسًا: العلمانية ليست سبب الإحباط… بل كشفه: وحق تقرير المصير ليس تهديدًا للوحدة بل امتحانها الأخلاقي: الزعم بأن طرح العلمانية أو حق تقرير المصير هو ما "أحبط الثوار" ليس سوى قلب فاضح للوقائع، وتحويل متعمّد للانتباه عن أسباب الإحباط الحقيقية. "فالثوار" لم يُصابوا باليأس لأن الحركة الشعبية سمّت الأشياء بأسمائها، بل لأنهم واجهوا واقعًا أبسط وأقسى: استمرار العسكر في مركز السلطة، الإفلات المنهجي من العقاب، وتحويل الثورة من مشروع تحرر إلى صفقة سياسية.
العلمانية لم تُحبط الثورة، بل كشفت حدود خيال النخبة الفاشلة التي أرادت تغييرًا بلا مساس، وثورة بلا قطيعة، وعدالة بلا مساءلة. كما قال جيمس بالدوين: "ليس كل ما نواجهه يمكن تغييره، لكن لا شيء يمكن تغييره قبل أن نواجه". والحركة الشعبية، بخلاف خطاب التهدئة السائد، واجهت السؤال المؤجل بجرأة سياسية ثورية؛ أما النخب، فقد خافت منه، لا لأنه خطير، بل لأنه يهدد امتيازاتها الرمزية والتاريخية—ولا تزال، يا دكتور عبد الله علي إبراهيم، تفرّ من مواجهة هذه الحقيقة. في السياق السوداني، ليست العلمانية نقاشًا ثقافيًا ولا "قذفًا للناس في الكآبة"، بل شرطًا بنيويًا للعدالة والسلام: شرطًا لإنهاء الحروب، وتفكيك الامتياز الديني–العرقي، وضمان المواطنة المتساوية داخل دولة لا تحتكر الأخلاق ولا تُدار باسم المقدس. وكما قال أميلكار كابرال: "لا تحرر بلا وعي، ولا وعي بلا تسمية دقيقة للعدو". والعدو هنا ليس المصطلح، بل الدولة الدينية التي حوّلت التنوع إلى صراع، والاختلاف إلى جريمة. ولهذا تخاف النخب من العلمانية: لأنها تنهي احتكار "الأخلاق العامة"، وتسحب الامتياز الرمزي من المركز، وتُسقِط وهم الدولة "المحايدة" التي كانت—ولا تزال—منحازة تاريخيًا.
وبالمنطق ذاته، فإن حق تقرير المصير كما طرحته الحركة الشعبية ليس تهديدًا للوحدة، بل آليتها الديمقراطية الأخيرة: اختبارًا لوحدة طوعية تقوم على الرضا لا الإكراه. فالوحدة التي تخاف من الاستفتاء ليست وحدة، بل سيطرة. وكما قالت أنجيلا ديفيس: "الوحدة القسرية ليست وحدة، بل شكل آخر من أشكال القمع" بهذا المعنى، لم تكن العلمانية ولا تقرير المصير سبب الأزمة، بل كانا المرآة التي عكست عمقها؛ ومن يلوم المرآة، إنما يهرب من مواجهة وجه الدولة القديمة... فالدكتور يتطاول ثورة فيما لا طاقة لها بماهيتها!
سادسًا: الثورة ليست على مقاس أحد – في نقد الصلف النخبوي: تتمثل الإشكالية المركزية في خطاب د. عبد الله علي إبراهيم، ومن يشاركه المنظور نفسه من نخب المركز، في افتراضٍ غير مُعلن لكنه حاكم لتحليله: طالما أن مسار التغيير لبّى سقف طموحاتنا نحن، فلا مسوّغ لمطالب إضافية. هذا الافتراض لا يعكس تقييمًا موضوعيًا لمسار الثورة، بقدر ما يكشف عن صلف نخبوي يُعرِّف الثورة انطلاقًا من مصالحه ومخاوفه، ومحدودية خيالة لا من شروط تحققها التاريخية. في هذا المنظور، تصبح الثورة مشروعًا محدود السقف، يُقاس بمدى طمأنة المركز، لا بمدى تفكيك علاقات الهيمنة التي أنتجت الدولة القديمة. غير أن هذا التصور يتجاهل حقيقة أن الثورة ليست امتيازًا تمنحه النخب، ولا عقدًا أخلاقيًا يُدار وفق حساسياتها. وكما عبّر تشي غيفارا بدقة: "الثوري الحقيقي تقوده مشاعر عميقة بالظلم الواقع على الآخرين، لا بما يصيبه هو". فمعيار الثورة ليس ما تحقّق للنخبة، بل ما تغيّر في حياة الذين صُمّم النظام أصلًا لإقصائهم، فمتي يفهم الدكتور؟
من صنع الثورة؟ إعادة الاعتبار للفاعلين الحقيقيين: إن الحقيقة التاريخية التي جرى تهميشها في خطاب "الثورة المكتملة" هي أن وقود ثورة ديسمبر الحقيقي لم يكن صالونات المركز ولا نخب الانتقال، بل ثوار الهامش، وضحايا الحروب الطويلة، والمهمشون عرقيًا وثقافيًا واقتصاديًا. هؤلاء لم ينخرطوا في الثورة طلبًا لتمثيل رمزي، ولا لإرضاء ضمير الدولة المركزية، بل بهدف إنهاء بنية دولة قامت تاريخيًا على إقصائهم. ولولا مساهمتهم الحاسمة، لما أمكن لثورة ديسمبر أن تنتصر أصلًا. وهنا تكتسب مقولة جيمس بالدوين معناها السياسي العميق: "الحرية لا تُمنح، بل تُنتزع من الذين اعتادوا امتلاكها". فالثورة، في جوهرها، ليست استجابة لإرادة الإصلاح من فوق، بل فعل انتزاع للحق في الوجود المتساوي.
سابعًا: الثورة ليست مجاملة للنخب ولا تمرينًا في التهذيب السياسي: لا تُطالب الثورة، بحكم تعريفها، بأن تُلطّف لغتها، أو تُؤجّل مطالبها، أو تُراعي مشاعر من استفادوا تاريخيًا من الدولة القديمة. فالتغيير الجذري لا يُدار بمنطق المجاملة، ولا يُقاس بقدرة الخطاب على طمأنة أصحاب الامتيازات. إن مطالبة الثورة بالتهذيب اللفظي أو بالتدرّج المفتوح ليست إلا محاولة لإفراغها من مضمونها السياسي. ولهذا قال تشي غيفارا قولًا بالغ الدلالة: "إذا ارتجف الحاكم من كلمة حق، فالمشكلة ليست في الكلمة". فارتباك النخب أمام الخطاب الثوري الجذري "الجد" ليس دليل تطرفه، بل دليل اقترابه من جوهر الأزمة. وبذلك، لا تكون الثورة مطالبة بأن تُصاغ على مقاس أحد، بل على مقاس العدالة التاريخية التي لم تُنجز بعد!
خاتمة: الثورة التي لا تُنجز قطيعتها تُعاد هزيمتها: التاريخ لا يرحم الثورات التي تتوقف في منتصف الطريق. فالثورة التي لا تُكمل قطيعتها مع الدولة القديمة، ومع منطقها وأدواتها وخيالها السياسي، محكوم عليها بأن تُعاد هزيمتها بأشكال أكثر تهذيبًا وأقل صخبًا. إن خطاب "لماذا الآن؟" لا يطلب في جوهره توقيتًا أفضل، بل يسعى إلى ثورة بلا ذاكرة، بلا أفق تأسيسي، وبلا ضحايا مرئيين؛ ثورة تُختزل في لحظة عاطفية، لا في مشروع تاريخي. أما الثورة الحقيقية يادكتور عبد الله علي ابراهيم، ليست مطمئنة بطبيعتها، ولا مهذبة في لغتها، ولا قابلة للاحتواء داخل ترتيبات فوقية. إنها فعل قلق دائم، يزعج البنى القائمة، ويُربك الامتيازات المستقرة، ويكشف ما يراد له أن يظل غير مسمّى. ولهذا قال توماس سانكارا: "الثورة التي لا تجرؤ على قول الحقيقة، تستحق أن تُهزم". فالهزيمة لا تأتي من جرأة الطرح، بل من الخوف منه... ولا شنو ياصاح؟ في هذا السياق، لم "تركُل" الحركة الشعبية الثورة، كما يُدّعى، بل رفضت أن تُوارى تحت ركام التسويات، أو أن تُستعمل كشاهد زور على انتقال مُفرغ من معناه. الذي ركل الثورة، فعليًا، هو من أرادها بلا علمانية، وبلا عدالة تاريخية، وبلا تفكيك جاد لبنية الدولة القديمة، وبلا مساءلة حقيقية للمؤسسة العسكرية. هؤلاء لم يطلبوا إنقاذ الثورة، بل تدجينها أما الحركة الشعبية، فقد تصرفت كما تفعل كل حركة ثورية حقيقية: أصرّت على أن الثورة مشروع تأسيس، لا لحظة رومانسية، ومسار تحرر طويل لا يُختزل في التوافقات السريعة. ومن يخاف من التأسيس سيظل يكتب عن "ثورة صريعة"، لا لأن الثورة ماتت، بل لأنه لم يحتمل يومًا ثقل أن تكون الثورة حيّة، ومفتوحة، وخطِرة!
النضال مستمر والنصر اكيد.
(أدوات البحث والتحرير التقليدية والإليكترونية الحديثة استخدمت في هذه السلسلة من المقالات)
|
|