Post: #1
Title: ما بعد تدوير الوهم: لماذا تجاوز السودان زمن التحالفات المستهلكة؟ كتبه د. أحمد التيجاني سيد أحمد
Author: احمد التيجاني سيد احمد
Date: 12-21-2025, 11:35 AM
11:35 AM December, 21 2025 سودانيز اون لاين احمد التيجاني سيد احمد-ايطاليا مكتبتى رابط مختصر
تمامًا كما كُتب: ليس هذا وقت تحالفات، بل لحظة انتصارٍ حاسم. فكل مراجعات التاريخ الإنساني تؤكد أن التقدم لا يأتي كانسياب الماء، ولا يتحقق بالتراكم الهادئ في لحظات الانهيار. من أيام الإسكندر الأكبر، وهو في ثلاثيناته من عمره القصير، إلى كيغامي في رواندا وبوروندي، مرورًا بالحرب الأهلية الأمريكية، ثم زحف ماو تسي تونغ على الأقدام، لم تكن التحولات الكبرى نتاج انتظار أو مواءمات، بل ثمرة قرارات حاسمة فرضها ميزان الواقع.
وما يُستدعى اليوم بوصفه «نموذج التقدم» في عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية، ليس تقدمًا مجزأً تحقق دولةً دولة، لا في سنغافورة ولا حتى في ماليزيا، بل هو امتداد مباشر لهيمنة غربية تشكّلت عقب الحرب، ورسّختها صدمة هيروشيما، ثم التحولات الدموية في الفلبين وأمريكا اللاتينية. أما الثراء المترهل في بعض بلدان الخليج، فلا يمثل تحولًا اجتماعيًا حقيقيًا، لأنه جزء لصيق بمشروع ما بعد الحرب العالمية الثانية، لا نتاج عقد اجتماعي داخلي أو مسار تحرر وطني.
في هذا السياق، يأتي مقال الاستاذ نجم الدين دريسة ليضع السؤال في مكانه الصحيح: لماذا الإصرار على تحالفات استُهلكت زمنيًا وسياسيًا؟ فهذه التحالفات أدّت دورها في لحظة الاحتجاج، لكنها عجزت عن الانتقال إلى لحظة الدولة والحرب. لم يكن الفشل أخلاقيًا أو تنظيميًا فحسب، بل تاريخيًا، لأن الخطاب السياسي ظلّ أسير وهم التوافق، بينما كان الواقع يعيد تشكيل نفسه بالقوة.
ام تعد أزمة السودان أزمة تحالفات ناقصة أو صيغ تنسيق سياسي، بل أزمة قراءة تاريخية لمرحلة انتهت فعليًا بينما لا يزال بعض الفاعلين يتعاملون معها كأنها قائمة. في هذا السياق، يقدّم مقال الاستاذ نجم الدين دريسة قراءة جريئة تتجاوز السائد، حين يطرح سؤالًا مباشرًا: هل ما زال من المجدي الرهان على تحالفات استُهلكت زمنيًا وسياسيًا؟
وفي السودان، تتضاعف المفارقة. فبلد غني بموارده، مترامي الأطراف، متعدّد الأعراق والثقافات، عاش طويلًا بلا دستور جامع أو عقد اجتماعي مؤسس. وقد ظنّ كثيرون أن التمسك بالدين يُغني عن الالتزامات السياسية والاجتماعية، فإذا بالتجربة — حين يُنزَع الدين من سياقه الروحي — تنقلب من منظومة قيم أخلاقية إلى أداة سلطة.
وللأسف، فإن رفع راية الدين في الحكم لم يأتِ نهجًا دينيًا اجتماعيًا يُنصف الإنسان أو ينظم العيش المشترك، بل تحوّل إلى أيديولوجيا سلطوية استخدمت الدين أفيونًا لتغييب الألم اليومي للمسحوقين، وتسويغ الاستبداد باسم الخلاص، وتبرير الإقصاء والعنف باسم العقيدة. وهكذا جرى إحلال التأويل الأيديولوجي محلّ التوافق الوطني، وتأجّل الحسم باسم الانتظار.
وعليه، فإن أزمة السودان ليست أزمة تحالفات أو نقص مبادرات، بل غياب الحسم في لحظة تاريخية لا تحتمل التدوير أو الإرجاء. وفي مثل هذه اللحظات، لا تُبنى الدول بإطالة الانتقال، بل باستعادة السياسة بوصفها فعل تأسيس مسؤول، يضع نهاية للحرب، ويفتح أفق الدولة على أساس دستوري جامع، لا على وهم التقدّم المفروض بميزان قوة مختل.
البريد الإلكتروني:
[email protected]
Sent from my iPhone
|
|