Post: #1
Title: مواكب تُرعب أكثر من السلاح كتبه كمال الهِدَي
Author: كمال الهدي
Date: 12-21-2025, 11:30 AM
11:30 AM December, 21 2025 سودانيز اون لاين كمال الهدي-عمان مكتبتى رابط مختصر
تأمُلات
ما إن خرج بعض شبابنا الجسورين في مواكبهم السلمية المعتادة، للتذكير بأن ثورة ديسمبر العظيمة باقية فيهم، حتى جُنّ جنون الكيزان، وفقدوا أعصابهم و" جابوا آخرهم" كما نقول بلغتنا الدارجة.
ولأنهم أغبياء - كما أقول دائماً عن قناعة راسخة - لم يُعبروا عن دهشتهم وغضبهم بذكاء، بل أفرطوا في الهجوم على هؤلاء الشباب، ناسين أن ذلك كفيل بإزالة المُخدر الذي أسسوا من أجله صحيفة، وجندوا المئات من أصحاب الأقلام الرخيصة والضمائر الميتة لإقناع البسطاء بأن الحرب شُنت من أجل كرامة إنسان السودان.
صحيحٌ أن الصدمة كانت كبيرة، إذ لم يتوقعوا أن يتذكر هؤلاء الشباب ثورتهم بعد كل ما عانوه من قتلٍ وتشريدٍ وتجويعٍ وأهوالٍ لا تُحصى، لكن لو كان لدى الكيزان ذاكرة جيدة، لما نسوا أن هؤلاء الشباب أنفسهم خرجوا إلى الشوارع بالملايين في الثلاثين من يونيو، أي بعد مجزرة فض الاعتصام البشعة، التي ظنوا أنها سوف تقضي علي الثورة تماماً. ولما نسوا أيضاً أن هؤلاء الشباب كانوا يرون رفاقهم يسقطون أمامهم شهداء في المواكب، فيحملون أجسادهم الطاهرة إلى المشارح تمهيداً لدفنهم، ثم يعودون إلى مواكبهم من جديد، وفاءً لمن رحلوا.
إلا أن الكيزان، ذوي الذواكر السمكية نسوا كل ذلك، فكانت صدمتهم كبيرة وأفقدتهم صوابهم، إن كان لديهم صواب أصلاً. لذلك سمعنا بعضهم يصف الثوار الشرفاء ب " أولاد الكلب" ، وقرأنا مطالباتٍ لبعضهم للشرطة باستخدام الرصاص الحي، وكأن هؤلاء الشباب لم يواجهوا رصاصهم بصدور عارية طوال سنوات الثورة.
أما أكثرهم هدوءاً وضبطاً للنفس فقد وقع في تناقضاتهم المعتادة، محاولاً تقمص دور الواعظ، مُنبهاً إلى أن البلاد لا تزال في حالة حرب، وأن هناك خلايا نائمة للعدو المفترض تشكل خطراً على حياة المتظاهرين. ودعا الشيخ الضلالي أرباب الأسر إلى نصح أبنائهم والحفاظ على حياتهم بمنعهم من الخروج إلى الشوارع. لكنه ختم حديثه، بلا خجل، بأن الحرب تنادي هؤلاء الشباب، وأن عليهم حمل السلاح والتوجه إلى مناطق كردفان. ولكم أن تتأملوا كم التناقض، فعندما يتعلق الأمر بدفاع هؤلاء الشباب عن قضيتهم، يصبح الخطر ذريعة جاهزة، لكن لا مانع من أن يموتوا موت الضأن عندما يتعلق الأمر بحرب لئيمة يسعى الكيزان من خلالها إلى الحفاظ على السلطة، وضمان استمرار النهب وإفساد حياة السودانيين.
نخلص من ذلك إلى أن مواكب أمس الأول لم تُخِف الكيزان فحسب، بل كشفت زيف الخطاب الذي حاول طويلاً تسويق الحرب باعتبارها قدراً لا فكاك منه. لقد أثبت هؤلاء الشباب، مرة أخرى، أن الدفاع الحقيقي عن الوطن لا يكون بحمل السلاح، بل بحماية حياة الناس وحقهم في السلام.
ولا تنسوا أن الكيزان يقولون أيضاً: " بعد أن ضحينا وحررنا لكم البلاد تريدون أن تتظاهروا". وجميعكم يعلم أنهم وجيشهم لم يحرروا البلاد ولم يحموا المواطنين؛ فقد فر الملايين من بيوتهم لأن الجيش كان ينسحب من الأحياء والمدن تاركاً المواطنين في مواجهة أفراد المليشيا لتفتك بهم بلا رادع.
|
|