Post: #1
Title: ثورة ديسمبر! ضمير شعب محب للسلام كتبه بثينة تروس
Author: بثينة تروس
Date: 12-19-2025, 01:43 AM
01:43 AM December, 18 2025 سودانيز اون لاين بثينة تروس -كالقرى-كندا مكتبتى رابط مختصر
كتب الأستاذ المعلم الصادق سمل في ذكرى استشهاد ابنه عبد الرحمن: الى قتلة إبني عبد الرحمن (أنتم في حوجة إلى التطهر من دم إبني بدرجة أكبر من حوجتي للقصاص أو رغبتي في قتلكم. وإن لم تدركوا معاني ومدلولات حديثي الآن فستدركونه في مستقبل حياتكم. تعالوا الي وتطهروا.. فقط أخبروني عن كيف فعلتم ما فعلتم، حدثوني عن ساعاته الأخيرة، مع وعد منكم ألا تقتلوا مرة أخرى، ولكم مني عفو جميل وأكواب من القهوة) 28//ديسمبر/2018 وموقف الصادق سمل نموذجا استثنائيا للبحث عن عدالة قانونية رفيعة تتجاوز منطق القصاص الثأري، دون أن تفرط في حق الدم الاساسي. وهو موقف ليس منبتا عن ثقافة الشعب السوداني، بل متجذر في ارثنا الصوفي السمح، وفي فهمٍ عميق للتدين السمح بوصفه قيمة أخلاقية قبل أن يكون اَلة قمع وأدوات سلطة للحكام. أن هذا النموذج الإنساني يعبر عن جوهرٍ أصيل في الضمير الجمعي السوداني، ويتقاطع بوضوح مع المعاني الكبرى التي حملتها ثورة ديسمبر، بوصفها ثورة سلام ووعي قبل أن تكون ثورة تخريبية! كما أفلح الكيزان في تصويرها وتشويهها! لقد كانت ثورة ديسمبر رمزا ً للعزيمة والإرادة التي لا تلين، ونموذجاً للتغيير السلمي الذي كسر القاعدة التقليدية القائلة إن التغيير لا يتم إلا بالعنف والسلاح. فقد واجه شبابها الرصاص بصدور عارية، دون انكسار، رغم عدم التكافؤ الفادح بينهم وبين الطرف الآخر المتمثل في الجيش وقوات الدعم السريع وكتائب الظل. إن الاحتفاء بثورة 19 ديسمبر 2018 هذا العام، يأتي بينما تكتمل فصول كارثة حرب 15 أبريل اللعينة، التي ستدخل عامها الثالث بعد أشهر معدودة. وهو احتفاء لا ينبغي أن يكون عاطفيا، بل واجبأً أخلاقياً على كل مواطن حر، لم يرهن قراره ورائه لأي طرف من أطراف الحرب، ولم يبرر القتل تحت أي مسمى أو قضية مهما كانت تتخذ من السلاح وأرواح السودانيين معبرا لتحقيق أهدافه في السلطة. لقد كانت ثورة ديسمبر بوتقة انصهرت فيها مطالب شعب عريض، خرج فيها جيل شهد الثورة المعلوماتية، ولد وتربى في ظل سلطة الحركة الإسلامية، وتحت خطاب (حرمة الخروج علي الحاكم) جيل جرب عليه مشروع، (أعادة صياغة الإنسان السوداني) عبر تجارب الحاكمية، والجهاد، والتكفير، وقوانين النظام العام، فخرج باحثاَ عن حلم الدولة المدنية (مدنياااو) بعد عقودٍ من العزلة والمقاطعة العالمية، التي بررت بنظريات المؤامرة علي الدولة الإسلامية كوسيلة لإخضاع الشعب وتكميم الراي العام. وخرجت في الثورة جموع النساء، الكنداكات، وهن وارثات شراكة القرار السياسي والديني والاقتصادي منذ الحضارة الكوشية، شراكة سلبتها حكومة الإخوان المسلمين بعقلية مشروع انتهازي، فشل في فض التعارض البائن بين قوانين الشريعة الإسلامية وقوانين الأحوال الشخصية المستمدة منها، وواقع المرأة المعاصر. فكان نصيب النساء التمييز، والقوانين المذلّة، واستخدام البطش وتشويه السمعة لقهر المجتمع عبر قهر نسائه! كما خرج آخرون يحلمون بالعودة من اللجوء إلى أقاليمهم، بعد أن أشعلت سياسات الكيزان العدائية الحروب القبلية والصدامات بين تلك المجتمعات المحلية والسلطة، وشارك في الثورة من بحّ صوته وهو يطالب برفع التهميش والفقر، وآخرون لا يحلمون إلا برغيف خبز، وكهرباء، وماء بلا انقطاع. وخرج خريجو الجامعات اطباء ومهندسون كان يعول عليهم في بناء البنية التحتية لوطنهم، فإذا بهم يعملون سائقي ركشات، وعمال ترحيل، ومهن خارج نطاق دراساتهم، هربا من ضيق الاقتصاد والعوز، وقلة الحيلة بعد ان ساد الفساد في الدولة. ومن بين الثوار أيضا أبناء بعض قادة الحركة الإسلامية أنفسهم، أولئك الذين شهدوا عن قرب فشل حكم آبائهم لثلاثة عقود، ورأوا كيف طغوا وفسدوا، وأكلوا الاموال أكلاً عجيباً! لكن، للأسف، ظلت ثورة ديسمبر حلما بدولة مدنية وعدالة برلمانية، تحطمت على صخور القصور السياسي، المحاصصات، والتآمر وتجذر الدولة الإخوانية العميقة بدعم انقلاب الجيش، إلى جانب إخفاقات النخب القديمة، رغم هذا، نجحت الثورة في كسر غطرسة الحركة الإسلامية (مافي أرجل من الحركة الإسلامية)! وان الشعب الأعزل المحب للسلمية هو الارجل، والأحرص علي وحدة هذا الوطن. حقاَ، أصبحت الحاجة اليوم ماسّة لاستنهاض قيم الثورة، لوقف نزيف الحرب، ورفع صوت الرحمة والإنسانية، لشعب صنف انه يواجه أكبر أزمة إنسانية عالمياَ، إن استمرار الحرب ودخولها عامها الثالث يعمق أزمات 14 مليون نازح، منهم 9.5 ملايين داخل السودان، وحال 21 مليون جائع ومريض وحرمان 10 ملايين طفل من التعليم، بحسب اخر إحصائية للأمم المتحدة. واستمرار القتال ينهش جسد الدولة السودانية ويهدد بتمزقها، أكثر من أي وقت مضى، فقد حان الوقت لكل سوداني حر ومسؤول أن يرفع صوت السلام، (لا للحرب) ويضع حداً للدماء، ويعيد الوطن إلى مساره الطبيعي. وقف الحرب هو الواجب الأسمى، والمسؤولية جماعية لإنقاذ حياة الناس واستعادة حلم السلام والدولة المدنية قبل أن يضيع نهائيًا.
|
|