لماذا لا تنطبق اللحظة الحاسمة على حرب السودان؟ تفكيك المقارنات الزائفة وسردية الدولة المنهارة

لماذا لا تنطبق اللحظة الحاسمة على حرب السودان؟ تفكيك المقارنات الزائفة وسردية الدولة المنهارة


12-18-2025, 01:02 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1766019776&rn=0


Post: #1
Title: لماذا لا تنطبق اللحظة الحاسمة على حرب السودان؟ تفكيك المقارنات الزائفة وسردية الدولة المنهارة
Author: احمد التيجاني سيد احمد
Date: 12-18-2025, 01:02 AM

01:02 AM December, 17 2025

سودانيز اون لاين
احمد التيجاني سيد احمد-ايطاليا
مكتبتى
رابط مختصر





لماذا لا تنطبق “اللحظة الحاسمة” على حرب السودان؟
تفكيك المقارنات الزائفة وسردية الدولة المنهارة

د. أحمد التيجاني سيد أحمد ١٧ ديسمبر ٢٠٢٥


ما أورده التيجاني عبد القادر عن “اللحظة الحاسمة” بالاستناد إلى تجربة بريطانيا وفرنسا في الحرب العالمية الثانية ليس مجرد مقارنة غير موفقة، بل قياس فاسد من أساسه. ففي تلك اللحظة التاريخية، ارتكبت بريطانيا وفرنسا أخطاء استراتيجية جسيمة كادت تودي بهما، ولم تكن ألمانيا قد حققت نصرًا حاسمًا، بل كانت تتأرجح بين النصر والهزيمة. وما أنقذ لندن لم يكن حكمة بريطانية متأخرة، بل فزعة أمريكية مباشرة قلبت موازين الحرب.

السؤال البديهي هنا: ما علاقة هذا كله بحرب السودان؟ الإجابة ببساطة:

لا علاقة.

تشبيه “تأسيس” أو قوات الدعم السريع بألمانيا النازية تشبيه مضلل وخطير. فألمانيا كانت دولة صناعية مكتملة، بجيش عقائدي واقتصاد حرب وتحالفات دولية واضحة. أما الدعم السريع فليس قوة غزو خارجي ولا مشروع احتلال، بل نتاج مباشر لانهيار الدولة السودانية نفسها بعد عقود من حكم الحركة الإسلامية.

الحديث عن “حاضنة شعبية” للجيش المؤدلج أو للحركة الإسلامية هو تزوير للتاريخ الاجتماعي. هذه الشعوب عاشت أكثر من ثلاثين عامًا تحت حكم الحركة الإسلامية، شهدت خلالها خصخصة مبرمجة لتمكين ممنهج، وتفكيكًا متعمدًا لمؤسسات الدولة وتجفيفًا للخدمة المدنية، إلى جانب تأجير غير مخطط لأراضي الدولة لمستثمري الخليج، وبيع أراضي السودان خصوصًا لمصر في صفقات غير شفافة مقابل رشاوى انتهت في جيوب الإسلاميين، بالتوازي مع عجز بنيوي عن محاربة تهريب المحاصيل الزراعية والثروة الحيوانية والسلع الاستراتيجية وعلى رأسها الذهب.

توجد بلا شك حواضن اجتماعية لقوات الدعم السريع، لكنها حواضن منقسمة وليست كتلة صلبة. الدعم السريع ليس بقوة ألمانيا التاريخية، ولا يمتلك مقومات دولة صناعية أو تحالفات عظمى، لكنه يحظى بدعم وحواضن شعبية فعالة في بعض المناطق. غير أن تحويل هذه الحواضن إلى رصيد سياسي مستدام بقدرة علي التمدد لكل اقاليم السودان يظل مرهونًا بوجود قيادة مجتمعية رشيدة ومعلنة، تكمل ما لدى القوة من قيادة عسكرية قوية ومتمكنة.



إن امتلاك قيادة عسكرية قوية ومتمكنة لا يعوّض غياب القيادة الإعلامية والمجتمعية الرشيدة، فالحرب لا تُدار في الميدان وحده، بل في الوعي العام أيضًا. وتقع على عاتق القيادة الإعلامية مسؤولية بناء خطاب مهني وشفاف، يعترف بالانتهاكات ويضع حماية المدنيين في صدارة الأولويات. وفي المقابل، تتحمل القيادة المجتمعية مهمة تنظيم وتوسيع قواعد الحواضن الشعبية، وضبط علاقتها بالقوة المسلحة، ومنع انزلاقها إلى منطق الاستباحة. ومن دون هذا التكامل، تتحول الحواضن إلى عبء، أو تُعاد مصادرتها سياسيًا لتقع رهينةً للاستعمار الكيزاني كما كانت لعقود، فتُفرَّغ المكاسب العسكرية من أي مضمون سياسي أو أخلاقي.



هذه الحرب لا مثيل تاريخي مباشر لها، ولا تنطبق عليها مقارنات الحرب العالمية الثانية ولا خطاب “اللحظة الحاسمة” الكلاسيكي. الشعب في أغلبه ليس طرفًا فيها، ولا ينتظر فزعة خارجية لن تأتي. الأمل الوحيد الواقعي هو مشروع تأسيسي جديد لا يكرر جرائم الدولة القديمة، ولا يساوم على حماية المدنيين، ولا يستبدل استبدادًا باستبداد.


[email protected]