بَعْدَ أَنْ قَتَلَ وَشَرَّدَ الشَّعْبَ… يَتَحَدَّثُ عَنِ الشَّعْبِ كتبه الأمين مصطفى

10:38 AM December, 14 2025

سودانيز اون لاين
الأمين مصطفى-السودان
مكتبتى
رابط مختصر

بَعْدَ أَنْ قَتَلَ وَشَرَّدَ الشَّعْبَ… يَتَحَدَّثُ عَنِ الشَّعْبِ
بقَلَمٍ يَكادُ يَضْحَكُ وَهُوَ يَبْكِي
ما إنِ انْتَهَتِ المَسِيراتُ الدَّاعِمَةُ لقائد الانقلاب في بَعْضِ المُدُنِ دَاخِلَ البِلادِ وَخارِجِها، حتّى خَرَجَ عَلَيْنا برهان، بِرِسالَةٍ قَصيرَةٍ أَطْوَلَ مِنْ أَعْمارِ القَتْلى، نَشَرَها عَبْرَ مِنَصَّةِ «إِكْس»، شاكِرًا فيها الشَّعْبَ السُّودانِيَّ على خُروجِهِ لِمُسانَدَةِ الانقلاب
شُكْرًا لِمَنْ؟
لِلشَّعْبِ؟
أَيُّ شَعْبٍ يَعْني؟
شَعْبِ المَخَيَّماتِ؟ أَمْ شَعْبِ المَقابِرِ الجَماعِيَّةِ؟ أَمْ شَعْبِ الطُّوابيرِ الطَّويلَةِ أَمامَ المَخابِزِ وَالمُسْتَشْفَياتِ المُنْهارَةِ؟
يَقُولُ البُرْهانُ، بِكُلِّ اطْمِئْنانٍ عَسْكَرِيٍّ، إِنَّ الجَيْشَ «سَيَواصِلُ حِمايَةَ المُواطِنِينَ وَالحِفاظَ عَلَى الأَمْنِ وَالاسْتِقْرارِ»، وَهُوَ تَصْريحٌ يَحْتاجُ إِلى خَريطَةٍ لِيَعْرِفَ أَيْنَ ذَهَبَ المُواطِنُونَ أَصْلًا، وَأَيُّ اسْتِقْرارٍ يَسْتَقِرُّ فَوْقَ أَنْقاضِ البُيُوتِ وَجُثَثِ الأَحْلامِ.
ثُمَّ يُضِيفُ ــ وَالإِضافَةُ هُنا كَالسِّكِّينِ فِي الظَّهْرِ ــ أَنَّ «النَّصْرَ قَريبٌ بِفَضْلِ صُمودِ السُّودانِيِّينَ».
نَعَمْ، صَمَدُوا…
صَمَدُوا تَحْتَ القَصْفِ.
صَمَدُوا فِي النُّزُوحِ.
صَمَدُوا وَهُمْ يَدْفِنُونَ أَطْفالَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ.
وَكُلُّ ذَلِكَ لِيَخْرُجَ لَهُمْ قَائِدُ الحَرْبِ يَقُولُ: «شُكْرًا لَكُمْ».
العَجِيبُ لَيْسَ فِي التَّصْريحِ نَفْسِهِ، بَلْ فِي القُدْرَةِ العَجِيبَةِ لِلسُّلْطَةِ عَلَى التَّحَدُّثِ عَنِ «الشَّعْبِ» كَأَنَّهُ فِكْرَةٌ مُجَرَّدَةٌ، لا أَجْسادٌ تَنْزِفُ، وَلا أُمَّهَاتٌ يَنْتَظِرْنَ أَبْناءً لَنْ يَعُودُوا.
فِي السُّودانِ، حَسَبَ البَيانَاتِ الإِخْبارِيَّةِ وَتَقْرِيرَاتِ المَنْظَّماتِ الدَّوْلِيَّةِ، سُقِطَ عَشَراتُ الآلافِ بَيْنَ قَتِيلٍ وَجَريحٍ، وَنُزِحَ مَلايِينُ النّاسِ دَاخِلًا وَخارِجًا، وَمَعَ ذَلِكَ ما زالَ الخِطابُ الرَّسْمِيُّ يَتَعامَلُ مَعَ المَأْساةِ كَأَنَّها اسْتِعْراضٌ وَطَنِيٌّ يَحْتاجُ إِلى تَغْريدَةٍ لِشُكْرِ الجُماهيرِ.
هٰكَذا، بَعْدَ أَنْ قُتِلَ الشَّعْبُ وَشُرِّدَ الشَّعْبُ وَأُتْعِبَ الشَّعْبُ، يَخْرُجُ مَنْ فِي السُّلْطَةِ لِيُحَدِّثَنا عَنِ «وَفاءِ الجَيْشِ لِلشَّعْبِ».
وَلَعَلَّ أَكْبَرَ مُفَارَقَةٍ فِي المَشْهَدِ كُلِّهِ، أَنَّ الشَّعْبَ الَّذِي يُشْكَرُ اليَوْمَ، هُوَ نَفْسُهُ الشَّعْبُ الَّذِي لَمْ يُسْأَلْ يَوْمًا:
هَلْ تُريدُ هٰذِهِ الحَرْبَ أَصْلًا؟