السودان بين حروب الموارد وأقنعة الهوية -قراءة لكتاب

السودان بين حروب الموارد وأقنعة الهوية -قراءة لكتاب


12-13-2025, 09:44 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1765662257&rn=0


Post: #1
Title: السودان بين حروب الموارد وأقنعة الهوية -قراءة لكتاب
Author: زهير ابو الزهراء
Date: 12-13-2025, 09:44 PM

09:44 PM December, 13 2025

سودانيز اون لاين
زهير ابو الزهراء-السودان
مكتبتى
رابط مختصر





قراءة في كتاب د. محمد سليمان محمد على ضوء الحرب الجارية

في خضمّ الحرب المدمّرة التي يشهدها السودان منذ أبريل 2023، يتجدّد السؤال القديم الجديد: لماذا تتكرر الحروب في هذا البلد، ولماذا تفشل كل محاولات الخروج من دائرتها؟ الإجابة السهلة التي تُروَّج عادةً تُحيل الأمر إلى “صراع قبلي” أو “تخلف بنيوي”
لكن كتاب «السودان: حروب الموارد والهوية» للباحث د. محمد سليمان محمد يقدّم إطارًا تحليليًا أكثر عمقًا وجرأة، يكشف أن ما يجري ليس قدرًا تاريخيًا ولا انفجارًا اجتماعيًا عشوائيًا، بل نتيجة مباشرة لبنية سياسية مختلّة فشلت في إدارة التنوع وتوزيع الموارد
بعدالة
ينطلق الكتاب من فرضية مركزية مفادها أن العنف في السودان سياسي وبنيوي قبل أن يكون اجتماعيًا. فالحروب لا تنبع من تعدد الهويات أو ندرة الموارد في حد ذاتها، وإنما من الطريقة التي أدارت بها الدولة – أو فشلت في إدارتها – هذه العناصر، وحوّلتها
إلى أدوات صراع وتعبئة
الموارد من نعمة إلى ساحة قتال
يركّز المؤلف على أن الأرض والماء والنفط لم تكن يومًا مجرد عناصر اقتصادية، بل تحولت إلى ساحات صراع بفعل غياب الدولة العادلة. النزاعات بين الرعاة والمزارعين، والحرب حول الحواكير في دارفور، والصراع على مناطق النفط في جنوب السودان
وكردفان، كلها أمثلة على موارد تُدار عبر شبكات السلطة والمليشيات بدلًا من القانون والمؤسسات. السؤال الجوهري هنا ليس “هل الموارد نادرة؟” بل: من يملك سلطة التحكم فيها، ومن يستفيد من عائداتها؟
الهوية: من تعريف ثقافي إلى أداة تعبئة
في واحدة من أهم أطروحات الكتاب، يؤكد د. محمد سليمان أن الهوية لم تكن السبب الأصلي للحروب، لكنها استُخدمت بمهارة كأداة سياسية. حين تفشل الدولة في بناء هوية وطنية جامعة قائمة على المواطنة المتساوية، تتحول الهويات الفرعية إلى خنادق قتال
تُستدعى القبيلة والعرق والجهة لتبرير العنف، لا لأن الناس يرفضون التعايش، بل لأن النخب المتصارعة تحتاج إلى وقود تعبئة سريع وفعّال
المركز والهامش تهميش مُنتَج لا عَرَضي
يضع الكتاب العلاقة بين المركز والهامش في قلب الأزمة السودانية. فالتهميش لم يكن خطأً إداريًا ولا نتيجة ضعف إمكانيات، بل سياسة متراكمة هدفت إلى تركيز السلطة والثروة في المركز، وترك الأقاليم في حالة هشاشة دائمة
هذه البنية خلقت إحساسًا عميقًا بالظلم، وفّرت البيئة المثالية لنشوء التمرد، ثم برّرت قمعه
المليشيات عندما تُفكَّك الدولة
يحذّر المؤلف من تسليح المجتمعات واستخدام المليشيات كبديل للدولة. فهذه السياسة لا تحسم الصراعات، بل تعسكر المجتمع وتحوّل العنف إلى وسيلة للترقي الاجتماعي والاقتصادي. ومع الوقت، يصبح السلاح مصدر سلطة، وتغدو الحرب
نمط حياة، يستمر حتى بعد سقوط الأنظمة التي أوجدته
لماذا تفشل التسويات؟
يفسّر الكتاب فشل اتفاقيات السلام المتكررة بأنها عالجت الأعراض لا الجذور. تقاسم السلطة بين نخب المركز، دون إعادة بناء الدولة أو معالجة قضايا الأرض والموارد والهوية، لا ينتج سلامًا، بل هدنة قصيرة تسبق حربًا جديدة
لا سلام دون عدالة موارد، ولا انتقال ديمقراطي دون معالجة سؤال الهوية والانتماء
الحرب الحالية- قراءة من داخل الكتاب
الحرب الدائرة اليوم بين الجيش وقوات الدعم السريع تمثّل تجسيدًا حيًا لأطروحات الكتاب فالصراع، وإن بدأ كمواجهة بين جنرالين، سرعان ما انكشف كحرب على الموارد (الذهب، طرق التجارة، شبكات الاقتصاد غير الرسمي)
وكصراع تُستدعى فيه الهويات لتبرير الاصطفاف والحشد. تفكك الدولة، وظهور سلطات موازية، يهددان بتحويل خطوط النار إلى حدود سياسية دائمة
بين دي وال ودينق وعبد الله علي إبراهيم
يتقاطع تحليل د. محمد سليمان مع أليكس دي وال في التركيز على الاقتصاد السياسي للحرب، ومع فرانسيس دينق في مركزية سؤال الهوية، ومع عبد الله علي إبراهيم في نقد الخطابات التبسيطية
لكنه يتميز بربط هذه العناصر في إطار واحد، يرى أن الهوية والموارد ليستا أسبابًا مستقلة، بل أدوات داخل نظام سياسي مختلّ

*يذكّرنا هذا الكتاب بحقيقة مزعجة: لا يمكن إنهاء حروب السودان دون إعادة بناء الدولة نفسها. دولة عادلة في توزيع السلطة والثروة، تعترف بالتنوع ولا تستغله، وتحتكر العنف المشروع بدل تفويضه للمليشيات
في زمن الحرب، تبدو هذه الرؤية بعيدة، لكنها تظل الطريق الوحيد للخروج من الدوامة. بدونها، ستتغير أسماء الحروب، لكن جوهر المأساة سيبقى واحدًا.