تجليات يُتم الفكر في الفضاء الإسلامي (11 وــ - 11 ز)- (جزء 3- 3) استدعاء المحكمة لفتوتى الأزهر وراب

تجليات يُتم الفكر في الفضاء الإسلامي (11 وــ - 11 ز)- (جزء 3- 3) استدعاء المحكمة لفتوتى الأزهر وراب


12-12-2025, 11:05 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1765580722&rn=0


Post: #1
Title: تجليات يُتم الفكر في الفضاء الإسلامي (11 وــ - 11 ز)- (جزء 3- 3) استدعاء المحكمة لفتوتى الأزهر وراب
Author: عبدالله الفكي البشير
Date: 12-12-2025, 11:05 PM

11:05 PM December, 12 2025

سودانيز اون لاين
عبدالله الفكي البشير-كندا
مكتبتى
رابط مختصر



تجليات يُتم الفكر في الفضاء الإسلامي (11 وــ - 11 ز)- (جزء 3- 3)
استدعاء المحكمة لفتوتى الأزهر ورابطة العالم الإسلامي لتحكم بالإعدام على المفكر محمود محمد طه

بقلم الدكتور عبد الله الفكي البشير

"هذه وصيتي ووكيلي على تنفيذها زوجتي بعد الله... لا يفرش عليَّ ولا يتصدق، ولا أكفن في جديد، ولا يناح عليَّ، ولا تجعل على قبري أي علامة، ويباشر غسلي زوجتي."
محمود محمد طه، 19 مايو 1951

الحكم بالإعدام

"من ذا الذي يزعم أن الحرية تُفدى بأقل من الأنفس الغوالي؟". محمود محمد طه، 1955

توَّج التحالف الديني العريض، وهو تحالف غير مكتوب، خيبته بمؤامرة أدت عبر محاكمة هزيلة في يناير 1985 إلى تنفيذ الحكم بالإعدام على المفكر محمود محمد طه في 18 يناير 1985. لقد شهد السودان عودة مناخ المحكمة المهزلة، المحكمة الشرعية، التي لم تستطع تنفيذ حكمها بالردة عام 1968، بسبب أنها محكمة غير مختصة، عاد مناخها ليهيمن ثانية وبقوة على عقد الثمانينيات من القرن الماضي في السودان. كانت الحكومة قد أعلنت في سبتمبر 1983 تطبيق ما سمي بالشريعة الإسلامية، في بلد يعيش كِظة التعدد الثقافي. عارض المفكر محمود محمد طه تلك القوانين، ووسمها بقوانين سبتمبر، وأصدر بياناً بعنوان: "هذا... أو الطوفان!!"، (بيان)، 25 ديسمبر 1984م، نقد فيه تلك القوانين ورفضها. الأمر الذي بموجبه قُدّم المفكر محمود محمد طه وأربعة من تلاميذه للمحاكمة في 7 يناير 1985، أمام المحكمة الجنائية رقم (4) بأم درمان، برئاسة القاضي حسن إبراهيم المهلاوي. فأعلن طه رفضه التعاون مع المحكمة، بكلمة خالدة وآبدة، صدح بها في قاعة في المحكمة، حيث تحدث في وجه القضاة، قائلاً:

"أنا أعلنت رأيي مراراً في قوانين سبتمبر 83 من أنها مخالفة للشريعة، وللإسلام.. أكثر من ذلك، فإنها شوهت الشريعة، وشوهت الإسلام ونفرت عنه.. يضاف إلى ذلك، أنها وضعت واستغلت لإرهاب الشعب وسوقه إلى الاستكانة عن طريق إذلاله.. ثم إنها هددت وحدة البلاد.. هذا من حيث التنظير. وأما من حيث التطبيق، فإن القضاة الذين يتولون المحاكمة تحتها غير مؤهلين فنياً.. وضعفوا أخلاقياً عن أن يمتنعوا عن أن يضعوا أنفسهم تحت سيطرة السلطة التنفيذية، تستعملهم لإضاعة الحقوق، وإذلال الشعب، وإهانة الفكر والمفكرين، وإذلال المعارضين السياسيين.. ومن أجل ذلك، فإني غير مستعد للتعاون مع أي محكمة تنكرت لحرمة القضاء المستقل، ورضيت أن تكون أداة من أدوات إذلال الشعب، وإهانة الفكر الحر، والتنكيل بالمعارضين السياسيين".

بهذه الكلمة وضع المفكر محمود محمد طه المحكمة، والقانون الذي تحاكم به، والسلطة التي تأتمر بأمرها، في موضعها الصحيح من أنها مجرد أدوات لقمع الشعب واسكات صوت الأحرار من أبنائه. فقامت المحكمة في 8 يناير 1985 بإصدار حكمها المعد سلفاً بالإعدام على المفكر محمود محمد طه وأربعة من تلاميذه. تبع ذلك أن قامت محكمة الاستئناف برئاسة القاضي المكاشفى طه الكبّاشى، في 15 يناير 1985، بتأييد حكم محكمة المهلاوي، بعد أن قامت بتحويل الحكم من إثارة الكراهية ضد الدولة، إلى اتهام بالردة، ولم تكن مادة الردة ضمن الدستور السودان، ولكن المحكمة استندت على حكم المحكمة الشرعية، غير المختصة، بالردة 1968، كما استندت على فتوى الأزهر بكفر محمود محمد طه في العام 1972، وعلى فتوى رابطة العالم الإسلامي عام 1975 بردته عن الإسلام، لتتضح ملامح المؤامرة أكثر.

تجسيد المعارف على منصة الإعدام

"جاء الوقت لتجسيد معارفنا، وأن نضع أنفسنا في المحك ونسمو في مدارج العبودية سمو جديد".
محمود محمد طه، 4 يناير 1985
(قبل تنفيذ حكم الإعدام بأسبوعين)

"أصعب جانب من جوانب حياة المثقف أو المفكر هو تجسيد ما يقوله في عمله وتدخلاته".
إدوارد سعيد (1935- 2003)، فلسطين/ الولايات المتحدة

لم يتراجع المفكر محمود محمد طه، قيد أنملة، عما قال وكتب، ليتم تنفيذ حكم الإعدام عليه في صباح الجمعة 18 يناير 1985. وفي واقع الأمر لم يكن إعداماً وإنما كان تجسيداً للمعارف على منصة الإعدام، بينما باء الشركاء، في المؤامرة، بعار التاريخ وخيبة المواقف، فصاروا من الخاسرين.


المحكمة العليا/ الدائرة الدستورية تُعلن بطلان الحكم الصادر في حق المفكر محمود محمد طه

لم يمض عام ونيف من الشهور من إعدام المفكر محمود محمد طه، حتى أعلنت المحكمة العليا/ الدائرة الدستورية في السودان، في 18 نوفمبر 1986، وبموجب القضية نمرة م ع/ق د/2/1406هـ، التي رفعها كل من أسماء محمود محمد طه وعبد اللطيف عمر حسب الله ضد حكومة جمهورية السودان، أعلنت المحكمة بطلان الحُكم الصادر في يناير 1985 في حق محمود محمد طه وتلاميذه الأربعة الذين كانوا معه. ورأت المحكمة بأن الحكم، والذي نُفذ بموجبه إعدام محمود محمد طه، لم يكن سوى كيداً سياسياً، ووصفته بأنه قد "تجاوز كل قيم العدالة". و "لا يعدو أن يكون ستاراً لاغتيال خصم سياسي". 

مراجعة الحق خير من التمادي في الباطل
نجدد الدعوة للأزهر ولرابطة العالم الإسلامي لمراجعة فتوتيهما

"كل باطل مهما أزدهر وأينع فهو إلى زوال مثله مثل الزبد الذي يذهب جفاء".
محمود محمد طه، 1958


لمَّا كان التطور هو الأصل، وهو قانون الوجود، وأمام معطيات البيئة الإنسانية الجديدة، وحاجة الإنسان المعاصر، وتجليات نمو العقل، وليس "للعقل صورة ثابتة، وإنما هو نام مضطرد النمو وما لا يدركه اليوم يدركه غداً"، كما يقول المفكر محمود محمد طه، فقد تكشفت الوقائع والحقائق. كما بدأ إعلان التراجع عن الخطاب التكفيري، لا سيما عند الأزهر ورابطة العالم الإسلامي. ففي ختام "مؤتمر الأزهر العالمي للتجديد في الفكر الإسلامي"، الذي عقده الأزهر في القاهرة (27- 28 يناير 2020)، أعلن الأزهر عن موقفه من التكفير على لسان شيخه، في النقطة السابقة من البيان الختامي للمؤتمر، حيث ذكر فضيلة الشيخ الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، وهو يتلو البيان الختامي، قائلاً: "التكفيرُ فتنةٌ ابتليت بها المجتمعات قديمًا وحديثًا، ولا يقول به إلا متجرئ على شرع الله تعالى أو جاهل بتعاليمه، ولقد بينت نصوص الشرع أن رمي الغير بالكفر قد يرتدُّ على قائله فيبوء بإثمه، والتكفير حكم على الضمائر يختص به الله سبحانه وتعالى دون غيره...". (مرفق فيديو يتضمن نص حديث شيخ الأزهر).
وبنفس القدر ظل الأمين العام معالي الشيخ الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى، الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يعلن، وفي مناسبات مختلفة، رؤية الرابطة، قائلاً: بأنها رؤية مستنيرة لقيادة "الاعتدال" و"عصرنة" الخطاب الديني، ورفض التكفير، كما ورد في الحلقات السابقة، مع الإشارة لكتبنا، والتي تتضمن التوثيق لكل ما جاء في هذه الحلقات. والحق أن هذه الدعوات المعلنة من المؤسستين برفضهما التكفير، وفي ظل واقع إصدارهما لفتوتين، بتكفير المفكر محمود محمد طه وردته، وظلتا مستخدمتان في منابر المساجد (مرفق)، يجعل المؤسستين أمام امتحان التطبيق لدعوتيهما، ولا مجال لاجتياز الامتحان إلا بالتراجع عن الفتوتين. والتراجع عن الفتوتين رجوع للحق ومراجعة له، والرجوع للحق فضيلة. كما أن مراجعة الحق خير من التمادي في الباطل، كما قال سيدنا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)، في عهده لأبي موسى الأشعري المتضمن شروط القضاء. كتب سيدنا عمر للأشعري، قائلاً: "لا يمنعك قضاء قضيته بالأمس، راجعت فيه نفسك، وهُدِيت فيه لرشدك أن ترجع إلى الحق؛ فإن الحق قديم، وإن الحق لا يبطله شيء، ومراجعة الحق، خير من التمادي في الباطل".
نلتقي في الحلقة القادمة (11 ز- "1- 3").