Post: #1
Title: حرب في الداخل وإهانة في الخارج… هكذا يحكي واقعنا كشعب سوداني كتبه الطيب محمد جادة
Author: الطيب محمد جاده
Date: 12-07-2025, 03:17 AM
03:17 AM December, 06 2025 سودانيز اون لاين الطيب محمد جاده-السودان مكتبتى رابط مختصر
صحفي مستقل
في كل صباح يفتح السودانيون أعينهم على مشهدٍ يزداد تعقيداً، كأن البلاد ترافقها غيمةٌ ثقيلة لا تريد أن تنقشع. حرب في الداخل تقضم ما تبقى من الأمان، وإهانة في الخارج تطارد المواطن أينما حلّ، فتجعل من مجرد السفر أو البحث عن حياة كريمة معركة جديدة تُضاف إلى سجلّ معاركه اليومية. وبين هذا وذاك، تتكسر آمال الناس وتظل تترنح بين فقدان الوطن وفقدان الكرامة. السودان اليوم يعيش واقعاً لا يشبه طيب أهله ولا عمق تاريخهم. واقعٌ لا يروي سوى حكايات الدمعة المخنوقة والغضب الصامت، وغربة تتسع حتى داخل الأرض نفسها. فمنذ أن انفجرت دوامة الحرب الأخيرة، وجد المواطن السوداني نفسه محاصراً بين رصاص الداخل وجفاء الخارج، وبين إعلامٍ يشوه الحقيقة وواقعٍ يفرض عليه معايشة الألم دون أن يسأله أحد عن رأيه. الحرب التي تشتعل في المدن والقرى ليست مجرد نزاع بين قوتين، بل هي في جوهرها تفتيتٌ للروح الوطنية ومحاولة لطمس ما بناه الأجداد من تنوع ووحدة اجتماعية. البيوت التي كانت تضج بالحياة تحولت إلى أطلال، والمدارس باتت ساحات صامتة بلا ضحكات الأطفال. المستشفيات التي كانت تُعالج المرضى أصبحت هي نفسها بحاجة إلى من يعالجها. وداخل هذا الخراب، يركض الناس بحثاً عن فرصة نجاة، لا يعلمون إن كانوا سيصلون أم ستسبقهم قذيفة لا تعرف اسماً ولا ملامحاً. لكن مأساة السوداني لا تتوقف عند حدود الوطن. فحين يقرر الهروب من حرب لا ناقة له فيها ولا جمل، يجد نفسه أمام حدود أخرى من الإهانة. يُعامل وكأنه متهم قبل أن يثبت أنه إنسان. تُغلق الأبواب في وجهه بلا سبب، وتُفرض عليه إجراءات وأوراق وقيود وكأن السوداني أصبح مرادفاً للمشكلة. لم يعد يُنظر إلى السوداني باعتباره صاحب حضارة وتاريخ وثقافة، بل يُنظر إليه – للأسف – بعين الريبة والتحفظ، وكأنه يحمل معه ثِقلاً لا يطاق. هذا التحول في النظرة الخارجية ليس وليد اليوم، لكنه تضاعف مع استمرار الأزمات الداخلية. لقد فقدت الدولة قدرتها على حماية أبنائها في الداخل، فكيف تستطيع حماية صورتهم في الخارج؟ وهنا يكمن شق آخر من الجرح: حين يشعر المواطن بأن دولته تركته في العراء، بلا سند، وبلا من يدافع عن كرامته أو يرفع عنه الظلم. ومع ذلك، يظل الشعب السوداني مثالاً للصبر رغم قسوته، وللنبل رغم الجراح. في كل مخيم نزوح أو صف انتظار أو رحلة عبور، تجد السوداني يساعد أخاه، ويقاسم غيره ما تبقى لديه من قوتٍ قليل. تجد الأمهات يصنعن من الخوف طمأنينة، ومن الدموع صلابة. وتجد الشباب يحاولون إعادة الحياة من تحت الأنقاض، يعالجون الجرحى، يوزعون الماء، يبحثون عن وسيلة ليقولوا: “نحن ما زلنا هنا، وما زال في القلب مساحة للوطن.” لقد أثبتت الأزمة أن السودانيين هم رأس مال السودان الحقيقي. فهم الذين صمدوا حين انهارت المؤسسات، وبقوا حين تركهم القادة وحدهم في ساحة النار. وهم الذين يحاولون اليوم – رغم كل شيء – أن يصنعوا مستقبلاً جديداً، لا تُكتب صفحاته بالحرب بل بالعقل والحوار. لكن هذا لن يحدث ما لم تتغير طريقة التفكير في جذورها. فالحرب لا يمكن أن تُبنى عليها دولة. والكرامة لا تُشترى بالاتفاقيات الفارغة أو البيانات السياسية. المطلوب هو مشروع وطني يُعيد تعريف السودان على أساس المواطنة لا السلاح، وعلى أساس القيم لا المصالح الضيقة، وعلى أساس الإنسان قبل السلطة. أما الخارج، فالمعادلة لا تقل تعقيداً. على العالم أن يفهم أن السوداني ليس مسؤولاً عن حربٍ فرضت عليه. وأنه ليس رقماً في قوائم النزوح، ولا عبئاً على حدود الدول، بل هو إنسان يبحث عن حياة آمنة مثل باقي البشر. وعلى السودانيين أنفسهم أن يوحّدوا صورتهم ويظهروا للعالم أن ما يعانون منه هو نتاج سياسات لا علاقة لهم بها، وأنهم يستحقون الاحترام قبل أي شيء. في النهاية، تبقى الحقيقة الأكثر إيلاماً والأكثر وضوحاً: أن شعباً يحارب في الداخل ويُهان في الخارج لا يمكن أن يستمر هكذا إلى ما لا نهاية. ولكي ينهض السودان من جديد، يجب أن تتوقف الحرب، ويجب أن تستعاد كرامة المواطن، ويجب أن يسمع العالم صوت السوداني الحقيقي… صوت الإنسان الذي يريد فقط أن يعيش بسلام.
|
|