حرب الموانئ: السودان بين الطموحات الإقليمية والنار الداخلية كتبه محمد سنهوري الفكي الامين

حرب الموانئ: السودان بين الطموحات الإقليمية والنار الداخلية كتبه محمد سنهوري الفكي الامين


12-06-2025, 02:17 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1765030652&rn=0


Post: #1
Title: حرب الموانئ: السودان بين الطموحات الإقليمية والنار الداخلية كتبه محمد سنهوري الفكي الامين
Author: محمد سنهوري الفكي الامين
Date: 12-06-2025, 02:17 PM

02:17 PM December, 06 2025

سودانيز اون لاين
محمد سنهوري الفكي الامين-UAE
مكتبتى
رابط مختصر





• في عالم تتشابك فيه المصالح وتتقاطع فيه طرق التجارة، لم تعد الموانئ مجرد بوابات لعبور البضائع، بل تحولت إلى أدوات قوة تعيد رسم خرائط النفوذ، ومع احتدام الصراع الإقليمي والدولي على الممرات البحرية، يجد السودان نفسه في قلب هذه المعادلة المعقدة، إذ تتداخل طموحات القوى الخارجية مع نيران الحرب الداخلية، وتصبح موانئه جزءاً من صراع أكبر يتجاوز حدوده الجغرافية إلى فضاءات أوسع تشهد تحولات عميقة.

البحر الأحمر الذي يحتل موقعاً استراتيجياً محورياً في حركة الملاحة العالمية، أصبح مجالاً مفتوحاً لتنافس إقليمي مشتعل، من الخليج إلى القرن الأفريقي، ومن شرق المتوسط إلى المحيط الهندي. وفي هذا الإقليم شديد الحساسية، يبرز السودان بسواحله الطويلة وموانئه المهمة بوصفه نقطة ارتكاز في شبكة التجارة البحرية، ما يمنح أراضيه أهمية تتجاوز الاقتصاد إلى تأثيرات سياسية وأمنية تنعكس بوضوح على مجريات الحرب التي تعصف به اليوم.

ميناء بورتسودان يمثل المثال الأبرز على ذلك، فهذا الميناء الذي لطالما شكّل شريان السودان التجاري الأول، تحوّل منذ اندلاع الحرب إلى مركز الإدارة الحكومية ومقر عبور الإمدادات والحركة الاقتصادية، هذا الموقع المضاعف جعله هدفاً في حسابات القوى الإقليمية، التي ترى في السيطرة عليه، أو ضمان النفوذ داخله، مدخلاً لترسيخ حضورها في البحر الأحمر، خاصة مع التزاحم الدولي المتزايد على خطوط الملاحة البديلة.

ومع تعطل الموانئ في بعض دول الجوار، وتراجع دور مرافئ محورية مثل اللاذقية وبيروت، ازدادت أهميته بوصفه محطة لا غنى عنها في شبكات النقل البحري.

ويمثل ميناء أبو عمامة بدوره نموذجاً آخر لهذا التداخل بين الاستثمار والمنافسة، فالمشروع الذي طرح كفرصة اقتصادية، تحول إلى محور نقاش واسع حول امتدادات النفوذ الخارجي، خصوصاً في ظل الحضور الإماراتي المتنامي في موانئ القرن الأفريقي، ارتباط المشروع بخطط تسعى إلى إنشاء شبكة موانئ تمتد من إريتريا إلى الصومال أعاد تسليط الضوء على موقع السودان في خريطة الصراع البحري، وتحوّل الجدل حول المشروع إلى مؤشر على كيفية قراءة الموانئ السودانية ضمن سياق إقليمي أكبر، تتداخل فيه الحاجة إلى الاستثمار مع حساسية السيادة الوطنية.

ولا يمكن فصل ما يجري في السودان عن التحولات العالمية في الممرات البحرية. فالمشاريع العملاقة مثل الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني، وميناء جوادار، ومبادرة الحزام والطريق، كلها تسهم في تغيير خريطة التجارة الدولية، ما يجعل البحر الأحمر محوراً أساسياً لهذه المنافسة. وعلى الجانب الآخر، تسعى أطراف إقليمية إلى تسويق بدائل مثل خط حيفا – الخليج، الذي يهدف إلى تغيير مسارات التجارة نحو شرق المتوسط. هذا الصراع الهادئ في ظاهره، يلقي بظلاله على السودان، الذي بات موقعه جزءاً من حسابات قوى كبرى تبحث عن موطئ قدم على بوابات البحر.

وتزداد خطورة هذا التنافس حين يمتزج بواقع الحرب السودانية. فالموانئ تتحول إلى أوراق قوة في ميزان الصراع الداخلي، ومن يسيطر عليها يمتلك القدرة على الحركة والتفاوض وتعزيز موقعه سياسياً وعسكرياً.

وفي المقابل، ترى القوى الإقليمية والدولية في هشاشة الوضع السوداني فرصة للتأثير في مسار الأحداث عبر بوابة الموانئ، بما يضمن مصالحها الاستراتيجية في المدى البعيد.

وهكذا يجد السودان نفسه أمام معركة تتجاوز حدوده، حيث يصبح مستقبل الدولة مرتبطاً بقدرتها على حماية موانئها، وضمان استقلال قرارها البحري. فحين تتقاطع طموحات الخارج مع نار الداخل، تتحول الموانئ إلى مفاتيح تحدد مسار الأزمة وفرص الخروج منها، في زمن تتغير فيه خرائط البحر كما تتغير خرائط البر.