مصر والسودان: عندما يختلف اللصّان؟! كتبه د. أحمد التيجاني سيد أحمد

مصر والسودان: عندما يختلف اللصّان؟! كتبه د. أحمد التيجاني سيد أحمد


12-05-2025, 05:00 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1764954048&rn=0


Post: #1
Title: مصر والسودان: عندما يختلف اللصّان؟! كتبه د. أحمد التيجاني سيد أحمد
Author: احمد التيجاني سيد احمد
Date: 12-05-2025, 05:00 PM

05:00 PM December, 05 2025

سودانيز اون لاين
احمد التيجاني سيد احمد-ايطاليا
مكتبتى
رابط مختصر




٥ ديسمبر ٢٠٢٥

مقدمة


تتصرف حكومة انقلاب البرهان — التي تشكّلت برؤية مصرية، وبتخطيط وتمويل من حكومة مصر — اليوم كسلطةٍ منفلتة حتى من “المصدر” نفسه. فلأول مرة، لا تعود القاهرة ممسكة بكل الخيوط كما اعتادت، ولا يعود الانقلاب يتحرك بالكامل وفق الإيقاع القديم. ما يجري اليوم ليس مجرد صراع داخلي سوداني، بل اهتزاز عميق في معادلة الوصاية الإقليمية نفسها، وتفكك في مركز التحكم القديم.

ومع ذلك، تواصل مصر — مهما بدّلت أدواتها — الرهان على المسارات ذاتها. غير أن الحقيقة باتت واضحة: مصر لن تكسب السودان عبر الهجوم الانتقائي العنصري أو القبلي. لن تكسبه بالاصطفاف مع مجموعة ضد أخرى، ولا عبر الاستثمار في الانقسامات الاجتماعية.

وقد عبّر عن ذلك صراحةً أحد أبواق الحكومة المصرية بالدعوة إلى دعم القبائل ومساندتها في محاربة القبائل الأخرى، ضاربًا مثالًا بدعم الجعليين ضد الماهرية، في محاولة سافرة لنقل الصراع من مستواه السياسي والوطني إلى مستنقع الفتنة القبلية؛ وهي لعبة خطِرة لا تُفكّك الدولة فقط، بل تُفجّر المجتمع من الداخل.

إن هذا النوع من الاستثمار في الكراهية لا يصنع نفوذًا، بل يصنع تفجيرًا اجتماعيًا شاملًا يخرج عن السيطرة، وتكون نتائجه كارثية على السودان وعلى كل من يراهن عليه من الخارج.

قرارات سيادية بلا إذن من القاهرة

لأول مرة، تُقدم سلطة سودانية — مهما كانت هشاشتها وافتقادها للشرعية — على خطوات سياسية وأمنية كبرى دون استشارة مصر. وأخطر مثال على ذلك:

اتفاق البرهان مع روسيا لبناء قاعدة عسكرية على شواطئ البحر الأحمر.

لم يكن هذا الاتفاق مجرد صفقة عسكرية، بل شكّل كسرًا مباشرًا لعقيدة الوصاية التاريخية التي ظلّت القاهرة تعتبر نفسها بموجبها “الوصي غير المعلن” على القرار السيادي السوداني.

حكومة بورتسودان: غير شرعية ومدعومة في التخريب

كل ما يجري اليوم يحدث مع حقيقة مركزية لا يجوز القفز فوقها:
أن ما يُسمّى بـ حكومة بورتسودان هو ترتيب غير شرعي سياسيًا ودستوريًا، ومع ذلك فقد تعاونت واستفادت من دعم حكومة مصر في:

-ضرب البنية التحتية السودانية،
-شلّ الاقتصاد الوطني،
-تعطيل الاستثمار في تطوير الزراعة والتجارة والنقل.

وقد بلغ هذا التخريب مداه من خلال الطيران المصري، وإمداد حكومة البرهان بالسلاح والعتاد، وتوفير الإسناد اللوجستي والاستخباري، بما يجعل التدخل يتجاوز حدود السياسة إلى التورّط المباشر في مسار الحرب.

القاهرة: ملاذ فلول الكيزان

في هذا السياق، تحوّلت القاهرة إلى ملاذ لفلول النظام الكيزاني، حيث:
-تستضيف قياداته،
-وتوفّر لهم الغطاء السياسي والإعلامي،
-وتستعملهم كأداة لضرب المدّ الثوري والتوازن العسكري الجديد.

وهذا المسار ليس حدثًا طارئًا، بل حلقة في سلسلة متصلة منذ انقلاب ٢٠٢١ حتى اليوم: حماية الانقلاب، ثم حماية الحرب، ثم حماية بقايا المشروع الإسلامي المنهار.

مصر ضد قوى التأسيس

لم تُخفِ القاهرة — عمليًا — عداءها لقوى التأسيس بكل مكوّناتها. فهي تعمل ضد:
قحت / تقدّم،
صمود،
التأسيس،
وكل أشكال المقاومة المدنية والعسكرية الرافضة لحكم البرهان وبقايا الحركة الإسلامية.

ذلك لأنها جميعًا تطرح مشروعًا يقوم على استقلال القرار السوداني، وتفكيك دولة الكيزان، وبناء دولة مدنية سيادية، وهو مشروع يتناقض جذريًا مع منطق الوصاية الإقليمية.

الاستنزاف الاقتصادي: من التهريب السرّي إلى سلخانة توشكى

لا يقتصر الدور المصري في السودان على السياسة والحرب، بل يمتد — بصورة أكثر خطورة وسرّية — إلى استنزاف منهجي للموارد الزراعية والحيوانية السودانية.

فقد تمّ استنزاف هذه الموارد عبر تهريب واسع النطاق، وذبح وتصنيع داخل مصر، في إطار منظومة اقتصادية تستفيد من انهيار الدولة وسيولة الحدود.

وفي هذا السياق، برز إنشاء أكبر سلخانة مخصّصة فعليًا لمواشي السودان في توشكى كأحد أبرز تجليات هذا المسار، حيث يُسحب الحيوان السوداني خامًا -وًمنذ الحرب مهربا- ليُعاد تصديره بعد التصنيع بعائد اقتصادي مضاعف، بينما يظلّ السودان غارقًا في العجز، وارتفاع الأسعار، وانهيار العملة.

بهذا المعنى، لا تتعامل مصر مع السودان كشريك اقتصادي متكافئ، بل كحديقة خلفية، وخزان مفتوح، ومصدر لإنتاج الخام من المنتوجات الزراعية والحيوانية.

الخلاصة

مصر لن تكسب السودان بالحرب، ولن تكسبه بالقبيلة، ولن تكسبه بالانقلابات، ولن تكسبه بمعاداة مشروع التأسيس.
بل على العكس، فإن مشروع التأسيس هو المخرج الوحيد لتثبيت المؤسسات الدستورية والتنفيذية، وإزالة مسببات التهميش، وبناء دولة منتجة ومتطورة، وهو في جوهره مكسب استراتيجي حتى للدولة المصرية نفسها، لا خسارة لها، إن هي اختارت طريق الشراكة لا طريق الوصاية.

بريد إلكتروني
[email protected]
Sent from my iPhone