Post: #1
Title: قبضة المجتمع الدولي وضيق مساحة المناورة، كتبه د. أحمد عثمان عمر
Author: د.أحمد عثمان عمر
Date: 12-05-2025, 10:57 AM
10:57 AM December, 05 2025 سودانيز اون لاين د.أحمد عثمان عمر-الدوحة-قطر مكتبتى رابط مختصر
لا شك في إن الحرب اللعينة في السودان أسبابها داخلية، والقوى التي أشعلتها لحماية مكاسبها بعد إنقلاب موحد لطرفيها هي شريحة الرأسمالية الطفيلية، وأن تدويل الحرب تم بإرادة الفئتين المتحاربتين لحماية مصالحهما أولاً، ولم تبدأ الحرب كحرب بالوكالة. ولكن هذه الحرب بعد تدويلها عززت من دور العامل الخارجي في إستمرارها وفقا لقواعد إستقطاب حكمتها مصالح دول إقليمية طامعة في ثروات السودان وراغبة في بسط نفوذها على السلطة التي تحكم البلاد. وفوق صراع هذه الدول الإقليمية الداعمة لأحد طرفي الحرب بحكم مصالحها، تدخلت دول رأت في استقرار البلاد والحفاظ على وحدتها ما يحقق مصالحها ومصالح شعب السودان، ووجدت دعما دوليا كبيرا خصوصا من الولايات المتحدة الأميريكية والاتحاد الأوربي والأفريقي. وبالرغم من أن وقف الحرب وبناء معادلة سياسية جديدة تقصي الطرفين المتحاربين واجب سوداني محض يقع على عاتق القوى المدنية السودانية وجبهتها العريضة الموحدة، إلا أن العامل الخارجي يبقى مؤثراً وفاعلاً في إيقاف الحرب وكبح جماح أطرافها وحماية المدنيين وإيصال الإغاثة لهم. وفي هذا السياق يجب ان يتم تقييم ورؤية التطورات المتسارعة بعد لقاء سمو ولي العهد السعودي والرئيس الأمريكي، والتي تعكس جدية ما ذكره الأخير عن تغير رؤيته لطبيعة الصراع بعدما قدمه له الأول من معلومات. والمملكة العربية السعودية لها ثقل معلوم في المنطقة وسياساتها، ونشاط مؤثر كإحدى دول الرباعية التي رفضت حكومة الأمر الواقع غير الشرعية في بورتسودان مشروعها المؤسس لهدنة إنسانية، وقررت مواجهتها وتحديها وتحدي المجتمع الدولي بأكمله مع أنها في أقصى حلات ضعفها. فهي تفقد المدينة تلو الأخرى، حيث أعقب هزيمتها في الفاشر هزيمتها في بابنوسة، وواكب ذلك فشل تعبئتها العامة كما توقعنا سابقاً. والمراقب لا بد أن يحسب تأييد الاتحاد الأوربي المطلق للرباعية ومشروعها، وكذلك تأييد قمة دول مجلس التعاون الخليجي لها وتشديده على ضرورة وقف الحرب في بيانه الختامي. كذلك لا بد من أن يأخذ في الحسبان الأمر التنفيذي الذي أصدره الرئيس الأمريكي بإعتبار بعض أفرع جماعة الأخوان المسلمين منظمات إرهابية وإن كان لم يشمل الجماعة الحاكمة في السودان. ولكن الأهم من ذلك هو التطور الأخير في الكونغرس الأمريكي وفي مجلس النواب تحديداً، حيث أجازت لجنة العلاقات الخارجية مشروع قانون يوسع نطاق إعتبار الإخوان المسلمين منظمة إرهابية أجنبية، وفقا لتعريف واسع يشمل أي كيان يعد فرعا أو جمعية أو منظمة مملوكة أو خاضعة بشكل مباشر أو غير مباشر لسيطرة جماعة الإخوان المسلمين أو مرتبطة بها. وبالرغم من أن هناك جدل في اللجنة نفسها حول تصنيف الجماعة بشكل مركزي كمنظمة إرهابية وتوصية بإحالة المشروع إلى الجمعية العامة لمجلس النواب، وأن المشروع لم يصبح قانونا بعد، إلا أن الأمر جدير بالمناقشة لما يلي من أسباب: ١- أرجحية صدور القانون بعد إجازته من اللجنة التي تعكس إرادة مجموعات مؤثرة في الكونغرس. ٢- مواكبة المشروع لمشروع مماثل في مجلس الشيوخ يقوده سيناتور مؤثر أيضاً. ٣- مواكبة المشروع للأمر التنفيذي للرئيس الأمريكي برغم توسعه أكثر من ذلك الأمر. ٤- ورود القانون في اطار تحدي سلطة الأمر الواقع غير الشرعية لإرادة المجتمع الدولي الداعمة للرباعية وإختيارها المواجهة الشاملة بدلا من التعاون ومحاولتها فرض ارداتها عليه، علما بأن المجتمع الدولي يتعامل معها كآخر معاقل جماعة الإخوان المسلمين في المنطقة. ورجحان صدور القانون لا تعني حتمية صدوره حيث تبقى إمكانية عدم الصدور واردة ، كما تبقى إمكانية صدوره بشكل معدل عند مناقشة المجلس له وقراءته قبل إصداره، كما أن تاريخ صدوره أمر يتعلق بجدول أعمال الكونغرس وأولوياته. لكن ذلك لا يقلل من شأنه ولا يضعف آثاره السياسية التي يمكن تلخيصها فيما يلي: أ. تشكيل ضغط سياسي كبير على الجماعة وحشرها في الزاوية، ووضعها في مواجهة المشرع الأمريكي بعد أن كانت في مواجهة الجهاز التنفيذي ممثلا في الرئاسة فقط. ب. إلزام الجهاز التنفيذي في حال صدور القانون على التعامل معها كمنظمة إرهابية وتداعيات ذلك مهولة جداً. ج. إحجام الدول المؤيدة والداعمة لها عن دعمها والإبتعاد عنها كما يتم الإبتعاد عن البعير الأجرب حفاظا على مصالحها وإبتعاداً عن المواجهة مع الإدارة الأمريكية. د. إمكانية إتخاذ الإدارة الأمريكية أي خطوات في مواجهتها بما في ذلك العمل العسكري في إطار الحرب ضد الإرهاب التي مازالت مستمرة. د. العزلة الشاملة التي ستتعرض لها الجماعة وضيق مساحة المناورة بالنسبة لها وحتمية بناء تحالفاتها مع الدول المصنفة مارقة فقط. فحتى الدول المنافسة للولايات المتحدة الأمريكية كالصين، ستحرص على الإبتعاد عنها وعدم التعامل معها في العلن. وبالحتم هذا الموقف الحرج والمواجهة الشاملة التي سوف تصبح عملية شبه إنتحارية من الجماعة قصيرة النظر، سيصورها داعمي الجيش المختطف من المثقفين، على أنها موقف أصيل معاد للإمبريالية، ويطلبون من القوى الثورية دعمها وتجاهل جميع التناقضات معها بإعتبار أنها تقف في مواجهة الإستعمار الحديث. وهذا الموقف خاطئ لما يلي من أسباب: ١- الجماعة ليس لديها عداء أصلي مع الإمبريالية، وهي مستعدة لخدمتها كما خدمتها أيام الحرب الباردة، بشرط أن توافق الأمبريالية على إستيعابها. فالرفض يأتي من الإمبريالية لا منها هي، ويحشرها في الزاوية للدفاع عن نفسها. ٢. الجماعة في السودان تمثل الرأسمال الطفيلي الذي دمر البنية الإنتاجية ونهب مقدرات البلاد وفتحها على مصراعيها للنهب الأجنبي، وتركها مصدرا للمواد الخام للدول الإستعمارية، وهي تطلب فقط إدماجها في إقتصاد التبعية من مواقع التمكين لا غير والإمبريالية هي من يرفض. ٣. الجماعة ليس لديها عداء آيديولوجي أو فكري مع مشروع الإمبريالية الاقتصادية، والتباينات السياسية بينهما قابلة للحل، بدلالة إنخراطها في مشروع الهبوط الناعم منذ أيام المخلوع. ٤. ليس كل من يعاد الإمبريالية جيد ويجب الوقوف معه ومساندته، لأن هناك من يعاديها للمحافظة على سلطته وتمكينه وإستبداده ونهبه لشعبه. والتناقض الرئيس في هذه الحالة بين المستبد وشعبه لا بين الإثنين معا والإمبريالية. فصراع كل منهما مع الإمبريالية أساسه مختلف وأدواته مختلفة، لأن التناقض بين الشعوب والمستعمر رئيس، وبين اعدائها المستبدين والإمبريالية ثانوي وقابل للحل دائماً. فالتناقض بين رأس المال الطفيلي المدمر للبلاد والرأسمالية ثانوي وليس رئيسي. والمطلوب هو ترك سلطة الأمر الواقع غير الشرعية تحارب الإمبريالية وحطها، في حرب جديدة أشعلتها فوق الحرب المفتعلة التي أشعلتها في بلادنا، خصوصا وإن موقف الإمبريالية هو وقف تلك الحرب وحماية المدنيين وتوفير الإغاثة لهم، وهذا لا يعارضه سوى من لا يهتم لأمر الشعب الذي يعاني، ومن يبحث عن مصالحه المتعارضة مع مصالح الشعب. والتناقض بين الشعب والإمبريالية، يكمن في مشروعها السياسي لما بعد وقف الحرب، وفي مشروعها الإقتصادي المهيمن، لا في مشروعها الحالي الرامي لتحقيق أهداف إنسانية ترفضها سلطة الأمر الواقع غير الشرعية حفاظا على تمكينها.
وقوموا إلى ثورتكم يرحمكم الله!! 5/12/2025
|
|