" مسرحية نزوح الأشباح" و "سباق الماراثون الليلي المستحيل" ..!!؟؟ كتبه عثمان الوجيه

" مسرحية نزوح الأشباح" و "سباق الماراثون الليلي المستحيل" ..!!؟؟ كتبه عثمان الوجيه


12-04-2025, 11:31 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1764891092&rn=0


Post: #1
Title: " مسرحية نزوح الأشباح" و "سباق الماراثون الليلي المستحيل" ..!!؟؟ كتبه عثمان الوجيه
Author: عثمان الوجيه
Date: 12-04-2025, 11:31 PM

11:31 PM December, 04 2025

سودانيز اون لاين
عثمان الوجيه-القاهرة-مصر
مكتبتى
رابط مختصر



- د. عثمان الوجيه
​كانت ليلةً قمراء، أو ربما كانت كذلك في خيال فريق الإعداد بقناة الجزيرة الذي أفاق متأخرًا ليكتشف أن عمود الصدق، ذاك الشيء القديم الذي يُفترض أن يكون العمود الفقري للإعلام، قد انزلق من قاموسهم ليحل محله عمود من "الجليد الكاذب"، وفي غمرة "نشوة التغطية"، خرجت علينا شاشة تلك القناة الموقرة بتقرير لا هو بالخبر ولا هو بالقصة، بل هو بالأحرى "ملحمة فانتازية" من زمن الحرب!، ​تصوّروا المشهد: مدينة بابنوسة، التي تحوّلت بفضل جهود القتال المستمرة إلى "مدينة أشباح" تُؤجّر فيها المنازل بـ "الصمت"، لا يقطنها سوى بعض الجنود الذين اكتشفوا مؤخرًا أنهم خسروا جولة "لعبة الكراسي الموسيقية"، هذه المدينة، التي غادرها مدنيوها منذ أشهر طوال، بل منذ أن أصبحت رائحة البارود هي العطر الرسمي لشوارعها، الجميع يعلم أنها خاوية؛ السودانيون، المنظمات الإنسانية، حتى البومة التي اعتادت أن تنعق على أطلالها تعلم ذلك! ​لكن القناة، ولأسباب لا يعلمها إلا "مدير أرشيف الأكاذيب"، قرّرت أن تنشئ واقعًا موازيًا، أو كما يسميه الفلاسفة "الكون المقلوب"، حيث يُعلن عن نزوح عظيم من مدينة خالية! وكأنهم يقولون للمشاهد: "انتظروا، الأشباح أيضاً تنزح.. وهي تسير الآن على الأقدام!"، قال:- ماراثون بابنوسة - الأبيض الليلي (فئة النسوة الحوامل بالأمتعة) ​تزداد الحبكة جنونًا، ويتحول السخف إلى مادة دسمة لـ "ستاند أب كوميدي حزين"، حيث زعم التقرير، بكل براءة تماثل براءة الأطفال من الذكاء، أن نسوةً وأطفالاً نزحوا سيراً على الأقدام من بابنوسة إلى مدينة الأبيض، ​ولنقف هنا لبرهة: المسافة بين المدينتين تفوق الـ 330 كيلومترًا، ​هذه المسافة، أيها السادة، يحتاج إليها عدّاء أولمبي محترف ومزوّد بأحدث المشروبات المنشّطة لأكثر من أسبوع كامل، بشرط ألا يحمل على رأسه قدر طعام، ولا على كتفه طفلاً رضيعًا! ​لكن تقريرنا الخارق للعادة والمنطق، زعم أن هؤلاء النسوة، اللواتي يحملن أطفالهن وأمتعتهنّ على طريقة "حمالي الأثقال في الأسواق القديمة"، قطعن هذه المسافة بين عشيّة وضحاها! ​يا للإعجاز! إنها ليست هجرة، بل هي سباق فورمولا-1 بشري على طريقة الفانتازيا! لو كان الأمر حقيقياً، لكان أولى بهذه القناة أن تفتح مدرسة لتدريب العدّائين الخارقين بدلاً من نشر الأخبار! ​لقد كان تقرير أمس الأول، بمثابة دليل إرشادي مفصّل لـ "كيف تقتل مصداقيتك بطلقة غبية واحدة"، إنه لا يكشف فقط عن "هشاشة التحقق المهني"، بل عن "صلابة الإصرار على البلاهة"، فالقناة، التي يُفترض بها نقل الواقع، قرّرت أن تستغل آلام الناس لا لتوثيقها، بل لصناعة كذبة غير مبدعة، كذبة بدائية، لا تحتاج إلى محلل سياسي لكشفها، بل إلى مسطرة جغرافية وآلة حاسبة بسيطة، ​كان يمكنهم - إن كان الشغف بـ "من هو الصديق ومن هو العدو" هو محرّكهم - أن يفعلوا ذلك بـ ذكاء يليق بذكاء المشاهد، كما اعتادوا في مناسبات أخرى، أما أن يطلبوا من المشاهد تصديق قصة النزوح الخارق للسرعة والمنطق من مدينة الأشباح، فذاك تزييف لا يرتقي حتى إلى مستوى "الكوميديا السوداء"! إنه مجرد خطأ غير خلّاق أثبت أن المصداقية، في قاموسهم، أصبحت فعلاً ترفًا لا ضرورة له! هنا تحضرني طرفة فليسمح لي القارئ الحصيف بأن أوجزها في هذه المساحة وبهذه العجالة وهي:- يا له من زمن عجيب عشته، أو بالأحرى، يا له من مشهد سوريالي تكرر أمامي على مسرح الأحداث المصرية في صيف يونيو 2013 (أنا أُسميها "أحداث"، ولا يهمني رأي الخلق، فليُسمّها من شاء "ثورة" ومن شاء "انقلابًا"، فالعبرة بالخلاصة لا بالعنوان) ​لقد كانت تلك الفترة، أيها السادة، بمثابة حمام بخار إعلامي ساخن، حيث تحولت قناة الجزيرة إلى السيف الأحدّ على النظام المصري الجديد، تفوقت في ذلك على قنوات المعارضة المصرية نفسها، تلك التي كانت تبث همسها وصراخها من تركيا دفاعًا مستميتًا عن جماعة الإخوان المسلمين، ​لكن، يا للحسرة ويا للعار المهني لقناة الجزيرة، فمَن ولدت بأسنانها، والتي جعلت الرئيس الأمريكي الأبله نوعًا ما، بوش الابن، يصفها منذ عامها الأول بـ"علبة الكبريت"، بدأت تسقط في بئر الهواة! وأنا هنا أتحدث بلسان مَن أمضى ربع قرن من العمر في ربوع مصر – كنت اقضي فيها اجازتي السنوية قبل أن أتخذها منفى اختياريًا لي – أي أنني لست غريبًا عن طبائعها وشذاذها، ​أذكر سقطة مهنية واحدة، تجعلك تضرب كفًا بكف وتتساءل: هل هذا هو السبق الصحفي؟ أم سبق في الكذب والتلفيق؟ ​قدمت الجزيرة زمنذاك تقريرًا عن سوء معاملة الجيش المصري لسكان سيناء، وفي محاولة "درامية" لتعزيز الرواية، أتوا لنا بممثل – أُقسم لك أنه ليس مصريًا – ليؤدي دور ضابط مصري قاسٍ يعامل أحد البدو بجفاء، ​يا سيدي، كانت الكارثة في التفاصيل: كان الممثل ملتحيًا! وأنا، الذي أعرف النظام كراحة يدي، أشهد أن القوات النظامية في مصر (أمن، شرطة، وجيش) كان يُمنع عليهم منعًا باتًا إطلاق شعر الشارب واللحية نهائيًا (صحيح، تغير النظام الآن لبعض الوحدات كتمويه أمني، لكن قبل 2013، لا وألف لا!) وتوّج هذا الضابط تمثيله الفاشل بعبارة: "من وين؟" يسأل البدوي عن موطنه! هنا، أيها السادة، انفجر ربع قرن من علاقتي بمصر وبشعوب العرب في وجهي ضحكًا، لا يوجد مصري واحد يقول: "من وين؟" كلهم يقولون: "مننين؟" أو "من فين؟"، ​أنا، الذي عركت جميع الشعوب العربية في تسفاري وطبيعة عملي ودوراتي المهنية، أجزم لك يقينًا أن مفردة "من وين" هذه سودانية خالصة! حتى ولو رددها عربي غير سوداني، فاعلم أنه مرّ بالخرطوم أو عاشر أهلها، وقد أكد لي الكثير من أصدقائي وزملائي العرب – سواء من لجؤوا إلى السودان من العراق بعد صدام أو من جاءوا إلى الخرطوم بعد موجات الربيع العربي – أننا نحن السودانيون لدينا بعض المفردات التي هي ملك خالص لنا لا يشاركنا فيها أحد سوانا، ​فيا للجزيرة، يا لـ"علبة الكبريت" التي كانت، ماذا الذي جعلها تنزلق لهذا المستوى الساذج؟ وأي سبق صحفي يكون بـالكذب المفضوح والتلفيق المكشوف؟ ​وهذا ما يجعلني أقولها دائمًا، نصيحة خالصة لزملائي أو حتى لصغار منشئي المحتوى الناشئين على منصات التواصل الاجتماعي: "إذا ظننت أنك أذكى ممن تقدم له المحتوى، فأنت غبي!" وها هي قناة بحجم الجزيرة تسقط في هذا الفخ الغبي، ظنّت أن الجمهور لا يفرّق بين ضابط مصري يلتزم بالحلاقة وضابط عربي "ممثل" يستفهم بـ"من وين"؟ If you think you're smarter than the person you're providing the content to, you're stupid وعلى قول جدتي:- "دقي يا مزيكا".
خروج:- "وداعٌ مُرتقَبٌ لأجيال الشاشات: حكاية المنع الأسترالي ..!!؟؟" ف​في رُكنٍ قصيٍّ من العالم، حيثُ تتلألأ شمسُ أستراليا على شواطئها، انبلجَ قرارٌ لم يشهدهُ تاريخُ العصر الرقمي الحديث، مُرسِلاً رجفاتٍ من القلق والأمل إلى آفاقِ الفضاء الإلكتروني، ​كانت "ميتا"، عملاقةُ التكنولوجيا الأمريكية، تقفُ على أعتابِ منعٍ غير مسبوق، ففي يومِ خميسٍ، أعلنتْ عن سيفٍ مسلَّطٍ سيُشهرُ في وجهِ صغارِ مستخدميها الأستراليين دون السادسة عشرة، هي منصّاتُ "إنستغرام"، و"ثريدز"، و"فيسبوك" التي ستشرعُ في نفضِ غبارِ الحساباتِ الشابّة، إيذاناً بمنعٍ كليٍّ سيبدأُ في العاشر من ديسمبر، ​لم يكن الأمرُ مجردَ إشاعةٍ عابرة، فقد نقلتْ وكالةُ الأنباء عن ناطقٍ باسمِ المجموعةِ قوله: "نعملُ على حذفِ كلِّ حساباتِ المستخدمين الذين نعتقدُ أنهم دون السادسةَ عشرةَ بحلول العاشر من ديسمبر، لكن الامتثالَ للقانونِ سيكونُ عمليةً مستمرّةً على مراحل"، وبنبرةٍ تحملُ بعضَ الطمأنة، أضافَ الناطقُ أنَّ من سيتلقّونَ صدمةَ الحذفِ هذا، سيتمكّنون من استعادةِ عوالمهم الرقميةِ ومحتواها متى بلغوا عتبةَ السادسة عشرة، ​كانت الرياحُ تحملُ أنباءً تُنذرُ بأنَّ هذه الخطوةَ لن تقتصرَ على عرشِ "ميتا" وحدها، بل إنَّ المنعَ ذاته، بموجبِ القانونِ الأسترالي، سيشملُ مئاتِ الآلافِ من القاصرين في فضاءاتٍ أخرى كـ"تيك توك"، و"سنابتشات"، و"تويتش"، وفي أرقامٍ تكشفُ حجمَ التأثير، تشيرُ التقديراتُ إلى أنَّ "إنستغرام" وحدها تضمُّ نحو 350 ألفَ مستخدمٍ أسترالي تتراوحُ أعمارهم بين الثالثةَ عشرةَ والخامسةَ عشرةَ، بينما استُثنيتْ من هذا الحظرِ منصّاتٌ مثل "واتساب"، و"بينترست"، و"روبلوكس"، ​وفيما كانت "ميتا" تُعدُّ العدّة، دخلتْ "يوتيوب"، عملاقةُ بثِّ الفيديو، على الخطِّ مُبديةً "استعجالاً" في توقيتِ المنعِ الوشيكِ للمراهقين، لكنها أكّدتْ هي الأخرى أنَّ جميعَ المستخدمينَ في الفئةِ العمريةِ المستهدفةِ سيُحذَفونَ تلقائياً في الموعدِ المضروب، معتمدةً في ذلك على الأعمارِ المُسجّلةِ في حساباتِ "غوغل"، ​من وراءِ هذا القرارِ الحاسمِ، يقفُ صوتُ الدولةِ المُنذِرُ، فقد وصفَ رئيسُ الوزراءِ الأسترالي، أنتوني ألبانيزي، منصّاتِ التواصلِ الاجتماعيِّ بأنها ليستْ سوى "منصّاتٍ للضغطِ الاجتماعيِّ، وناقلاتٍ للقلقِ، وأداةٍ للمُحتالين، والأسوأ من ذلك كلِّه، للمتحرّشين عبر الإنترنت"، ​وهكذا، تتحوّلُ أستراليا إلى أولِ أرضٍ تشهدُ هذه التضحيةَ الرقميةَ الكبرى، في محاولةٍ جريئةٍ لسحبِ بساطِ العالمِ الافتراضيِّ من تحتِ أقدامِ جيلٍ لم يرَ النورَ إلا والشاشةُ في متناولِ يده، في فصلٍ جديدٍ من فصولِ الصراعِ بين سطوةِ التكنولوجيا وسلامةِ النشء.
#أوقفوا_الحرب ولن أزيد،، والسلام ختام.
[email protected] - @Drosmanelwajeeh