Post: #1
Title: السودان الذي لم نسمعه… والسودان الذي نحاول أن نصنعه كتبه د. أحمد التيجاني سيد أحمد
Author: احمد التيجاني سيد احمد
Date: 12-04-2025, 01:48 AM
01:48 AM December, 03 2025 سودانيز اون لاين احمد التيجاني سيد احمد-ايطاليا مكتبتى رابط مختصر
– ٣ ديسمبر ٢٠٢٥
كانت الحرب تطرق الأبواب من الأطراف،لكن البلد لم تكن تريد الاعتراف بما يجري حقًا.
ولم يبدأ صراخ دارفور في ٢٠٠٣ كما يتخيّل كثيرون؛ فقبل ذلك كانت المظالم تتراكم بصمت منذ أواخر التسعينيات: مجاعات صغيرة تتكرر، ونزاعات حول الأرض والمسارات، وتهميش متعمّد للإدارة الأهلية، وعسكرة للحياة اليومية تحت ظل دولة عقائدية لا ترى الهامش إلا مساحة للسيطرة.
ومع الزمن صار الاحتقان يقترب من الانفجار، إلى أن جاء فبراير ٢٠٠٣ فخرج الصوت إلى العلن مع إعلان حركة تحرير السودان تمردها من قمم جبل مرة، ثم لحقتها حركة العدل والمساواة في منتصف العام.
لكن اللحظة التي سُمِع فيها الصراخ بوضوح كانت في أبريل ٢٠٠٣، حين وقع الهجوم على مطار الفاشر؛ عندها أدرك العالم أن دارفور دخلت حربًا مفتوحة، بينما ظلّت الخرطوم تكرر عبارتها القديمة:
“دي مشاكل قبائل… ما عندها علاقة بينا.”
وفي تلك الفترة القصيرة بين ٢٠٠٣ و٢٠٠٤ بدأ النزوح الجماعي، وبدأت القرى تختفي واحدة تلو الأخرى، وبدأت تقارير الأمم المتحدة تتحدث عن كارثة إنسانية، فيما ظلّ السودان — رسميًا وشعبيًا — يتجنب الاعتراف بما يجري عند أطرافه.
والحقيقة؟
الذي حدث كان امتدادًا لمشروع دولة عقائدية شمولية، هدفها تنفيذ تغيير ديمغرافي كامل الدسم: تُهجِّر فيه قبائل من أرضها، وتُوطّن غيرهم، وتعيد رسم الخريطة السكانية بما يخدم بقاءها، بينما تُترك بقية البلاد تواجه العار والهوان وحدها.
وما يلفت النظر أن مهندسي هذا التحوّل الديمغرافي كانوا يتدثّرون برداء دولة ٥٦، يتحدثون باسمها ويرفعون رموزها، لكنهم — في العمق — كانوا يعملون على إذابة ملامحها وإحلال الدولة التمكينية الإسلامية مكانها؛ دولة لا تؤمن بالتنوع ولا ترى في السودان إلا مادة لإعادة التشكيل على صورتها.
ومنذ اليوم الأول لانقلاب الإنقاذ ظهر وجه الدولة الحقيقي: في مجزرة ٢٨ ضابطاً الذين أُعدموا بعد محاكمات صورية ودفنوا في مقابر مجهولة — كإعلان مبكر بأن الدولة ستُدار بالعقيدة والولاء والسلاح، لا بالقانون أو العدالة.
ومن هناك بدأ الانهيار الأخلاقي.
ومن هناك بدأت سياسة “العدو الداخلي” التي طبّقها النظام لاحقًا في جبال النوبة، والشرق، ثم دارفور.
والمأساة لم تبقَ في دارفور.
حتى جامعات الشمال دخلها الرصاص. كم من طالب دارفوري قُتل على يد قناصة الأمن الطلابي؟
كانوا يُقتلون لأنهم دارفوريون…ولأن الدولة كانت تريد أن ترسل رسالة واضحة:
“الدم درجات… وهذه درجتكم.”
والمدينة كانت تسكت.
تغضب حين يُقتل ابنها،
وتسكت حين يكون الضحية من دارفور.
كأن الدم له جغرافيا.
وكأن الظلم يعرف الخرائط.
لكن حين اشتعلت الحرب ووصلت الأطراف كلها،
اكتشف الناس — متأخرين — أن ما حدث في دارفور كان بروفة، وأن الذي قُتل هناك ليس “أهل الغرب”، بل مستقبل السودان نفسه.
ومن المهم هنا القول إن نظام الإنقاذ تحوّل إلى دولة عقائدية إسلامية عنصرية؛ دولة تأسست على مشروع أيديولوجي يرى نفسه تفوّقًا دينيًا وعرقيًا، ويُعيد تعريف الوطن على أساس الاصطفاء لا المواطنة.
استخدم النظام كل أدوات الدولة — الأمن والقانون والتعليم والإعلام —لفرض رؤيته الإقصائية،
وتطبيق هندسة اجتماعية تهدف إلى إعادة تشكيل المجتمع وفقًا لمعاييره الضيقة. وهكذا أصبحت الدولة نفسها إطارًا للتمييز الديني والعرقي، لا مظلة لحماية جميع السودانيين.
ومن وسط هذا الخراب، بدأ الأمل يتحرك من مكان غير متوقع: من التأسيس. مشروع خرج من الهامش في الغرب، ثم بدأ ينتشر شمالًا وشرقًا،وكأنه يقول:
“السودان الجاي محتاج دولة واحدة، قانون واحد، بندقية واحدة.”
ومن المهم التأكيد أن الدعم السريع جزء أصيل من تحالف التأسيس، وأن تحرير دارفور وكردفان ليس مشروعًا للانفصال أو إعادة رسم الخرائط، بل خطوة في تحرير كل السودان من دولة ٥٦ ومن المشروع الكيزاني التمكيني الذي زرع الفتنة وفرض التمييز.وأن حرب التأسيس الدائرة الآن هي معركة دفاع عن البقاء، وعن حق الناس في أرضهم وهويتهم. ولذلك فإن تحرير الأقاليم لا يعني تقسيم السودان، بل على العكس تمامًا: هو استعادة الأرض والوطنمن جيش البرهان والمليشيات الكيزانية التي استخدمت السلاح والغازات السامة في عدوانها على المدنيين.
إن تقدّم قوات التأسيس — بجناحيها المدني والعسكري — في دارفور وكردفان ليس تقدماً باسم الإقليم، بل باسم السودان كله. فالهامش اليوم لا يتقدم لوحده؛ الهامش يتقدم نيابةً عن مركز انهار أخلاقيًا وسياسيًا وعسكريًا، وباسم دولة الوحدة والسلام التي تنشأ من تحت الأنقاض.
الأمل موجود.
والتأسيس ميراث نادر لو أحسنا استخدامه.
لكن شرطه الأول:
أن نقول بلا خوف إن أي عنصرية داخل دولة التأسيس ليست جزءًا منها… بل عدوّ مباشر لروحها.
وحين نفهم هذا:
يمكن أن يبدأ السودان - لأول مرة منذ زمن طويل-
في كتابة صفحة جديدة تشبه ناسه،لا تشبه جلاديه.
المراجع
- Willis, J. (2003). Sudan’s Islamic Experiment.
- Flint, J. and De Waal, A. (2005). Darfur: A Short History of a Long War.
- UN Commission of Inquiry on Darfur (2005).
- Abdel Ghaffar M. Ahmed, OSSREA Papers.
- Human Rights Watch (2014): End Deadly Repression in Universities.
- International Crisis Group Reports on Sudan (2004–2013).
- Amnesty International Reports on Sudan (2004–2010).
- Reeves, Eric (2003–2012), Sudan Analysis Archive.
. نجوي بابو ناشطة في مجال العمل المدني العنوان الاكتروني [email protected]
|
|