Post: #1
Title: ما بين أطفال هبيلا وكمو سلسال دمٍ لا يعرف الانقطاع كتبه الصادق حمدين
Author: الصادق حمدين
Date: 12-01-2025, 10:49 PM
10:49 PM December, 01 2025 سودانيز اون لاين الصادق حمدين-UK مكتبتى رابط مختصر
وكأن قدر هذه الأرض أن تُسقى بصرخات صغارها قبل أن تُسقى بالمطر. لم أجد ما يسعفني من الكلمات أمام ما يطفح به الواقع من فواجع، فما أكتبه اليوم ليس إلا تكراراً لنفير سبق أن دوّنته عقب مجازر مضت، مجازر لم تُسدَّد ديونها بعد وما زالت تنتظر قصاصاً غائباً وعدلاً مؤجلاً.
جاءتنا صور الأشلاء القادمة من أحدى مدارس التلاميذ بمنطقة "كمو"، في جنوب كردفان تحمل إلينا الحقيقة كاملة، دامية وفاضحة كجراح مفتوحة. لم تحتج تلك الصور إلى تعليق ولا إلى بيان؛ تحدثت بصمتها الملطخ بالتراب والدم، وروت لنا مأساة الإنسان في بلد أُخذ عنوة، وقُهر بسلاح أيدٍ لا تعرف من الإنسانية إلا اسمها، قلوبٍ مسلوبة الرحمة، مستلبة الحس، لا تفهم من الوجود سوى لغة الدم والغدر والدناءة.
حكت لنا تلك العظام المتفحمة المتناثرة على الأرض عن هوانٍ بلغ حد العدم، عن إنسانية تآكل رصيدها حتى صارت ظلاً باهتاً لا يكاد يُرى. وأخبرتنا الطفلة السمراء التي آوت إلى ركنها الأخير، ووسدت صمتها الأبدي، عن ذلٍ مطبق وعن انكسار موجع لا يشبهه شيء؛ عن عجز وقسوة، عن ظلم الإنسان لأخيه الإنسان في أبشع صوره وأكثرها فجوراً.
حدثنا سكونها الجليل عن الخديعة والزيف وعن العهر السياسي الذي لا يرى في الوسائل سوى جسور للغايات، مهما تدنّت وانحطّت. ما ذنب هؤلاء الذين نلمح في وجوههم ملامح أمهاتنا وآبائنا وأجدادنا؟ ما ذنب فقرهم وقد كُتب عليهم الشقاء قهراً لا اختياراً؟ أليس ما يكابدونه من ضنك العيش يكفي كي تُرفع عنهم يد الشر؟ أم أن الدماء لدى القاتلين بلا ثمن، تُهرق اليوم في كمو وغداً لا يعلم أحد أين ستنهمر الضربة التالية؟
أنا حزين… حزين لعجز القادرين عن وقف هذا النزيف، وحزين أكثر لأنني لا أملك سوى كلمات لا تُغيث مستغيثاً، ولا تؤمّن خائفاً، ولا تشبع جائعاً أو تروي عطشاناً. يا وطن الغلابة، لك المجد وإن ضاقت بك السبل فالألم تجاوز حدود الاحتمال، وجراحاتنا لم تعد تطيق صمتاً ولا حكمة. تبّاً لحياة تُرغمنا على الوقوف عاجزين أمام موت يتجول بين أطفالنا كأنه قدر لا يُرد.
الصادق حمدين [email protected]
|
|