نداء فوق فوهات المدافع- المذكرة السودانية واستعادة الشرعية المدنية

نداء فوق فوهات المدافع- المذكرة السودانية واستعادة الشرعية المدنية


12-01-2025, 08:51 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1764622261&rn=0


Post: #1
Title: نداء فوق فوهات المدافع- المذكرة السودانية واستعادة الشرعية المدنية
Author: زهير ابو الزهراء
Date: 12-01-2025, 08:51 PM

08:51 PM December, 01 2025

سودانيز اون لاين
زهير ابو الزهراء-السودان
مكتبتى
رابط مختصر





تتشابك الخيوط في المشهد السوداني المعقّد، بين هدير الحرب المستمرة منذ أبريل 2023 والركام السياسي الذي خلّفه انقلاب أكتوبر 2021، ليبرز صوت جديد، أو بالأحرى، ليُعيد صوت الثورة المُجهضة تأكيد حضوره.
إن "مذكرة السودانيين المطالبين بالحكم المدني" هي أكثر من مجرد وثيقة، هي محاولة يائسة وضرورية في آن واحد لإعادة تعريف "الشرعية" في بلد بات محكوماً بالبندقية. هذه المبادرة المدنية الواسعة تمثل انتفاضة أخلاقية وسياسية للأغلبية الصامتة
التي رفضت أن تظل رهينة لصراع الجنرالات على السلطة والثروة
تشخيص الأزمة: من إجهاض الثورة إلى تفجير الحرب
تتسم المذكرة بجرأة في تحليل جذور الكارثة، إذ ترفض التعاطي مع الحرب الحالية كـ"حدث طارئ"، بل تضعها في سياقها التاريخي كـتراكم لسياسات العسكرة وإلغاء الصوت المدني
التشخيص يبدأ من محاولات القوى العسكرية المتكررة لـإجهاض ثورة ديسمبر 2018، مروراً بلحظة الكسر الحاسمة التي مثّلها الانقلاب العسكري في 2021
الوثيقة تُحمّل النخب العسكرية المسؤولية المباشرة عن احتكار السلطة والثروة، وتفكيك البنية السياسية للدولة، وهو ما خلق فراغاً مؤسسياً سمح بـعسكرة المجتمع وانهيار الاقتصاد بشكل ممنهج
هذا التشخيص يضع خطاً فاصلاً بين "إرادة الشعب" و"طموحات الجنرالات"، مؤكداً أن الصراع الحالي هو نتاج طبيعي لإصرار القوى المسلحة على احتكار المشهد السياسي.
مطالب مفصلية لإنهاء نموذج الدولة العسكرية
تنتقل المذكرة من التشخيص إلى العلاج، حيث تقدم عشرة مطالب مفصلية لا تقتصر على وقف إطلاق النار، بل تهدف إلى تفكيك نموذج الدولة العسكرية وإعادة بنائها على أسس مدنية ديمقراطية. هذه المطالب تشكّل خريطة طريق متكاملة
الركيزة الأولى هي نزع الشرعية عن الأطراف المتحاربة ورفض أي سلطة تُفرض بالقوة، مما يمهد لـإخضاع المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية للسلطة المدنية بشكل كامل، وإنهاء تدخلهما السافر في السياسة والاقتصاد
وتشدد المذكرة على ضرورة حماية وحدة السودان مع رفض قاطع لأي تسويات مؤقتة أو محاصصات تُعيد إنتاج الصراع.
أما الركيزة الثانية فتتعلق بالبناء المؤسسي المستقبلي؛ المطالبة بـالعدالة الانتقالية والتحقيقات الدولية تضع العدالة كشرط أساسي للسلام، وليس نتيجة له. كما تركز على ضرورة بناء جيش وطني مهني موحد ينهي ظاهرة الميليشيات المتعددة
وإصلاح الاقتصاد الوطني عبر تفكيك الاحتكارات العسكرية والالتزام بالشفافية، بما في ذلك المطالبة بنظام فدرالي فعّال يضمن التمثيل العادل بدلاً من تقاسم النفوذ.
المجتمع الدولي بين المسؤولية الأخلاقية وشرعنة الأمر الواقع
وجه المذكرة نداءً قوياً إلى الضمير العالمي، وهو نداء يضع المجتمع الدولي أمام اختبار أخلاقي حقيقي
الوثيقة تحذر صراحة من مغبة إعادة إنتاج تسوية سياسية تُبنى على موازين القوة العسكرية الراهنة، مؤكدة أن أي اتفاق لا يستند إلى إرادة الشعب سيكون مجرد هدنة تؤدي إلى حرب أهلية أشد وأطول أمداً
النداء ليس لطلب مساعدات، بل لـحماية الإنسان السوداني وإعادة الاعتبار لحقه في الحياة والحرية
هذا يعني وضع المجتمع الدولي أمام مسؤولية مزدوجة تفعيل آليات حماية المدنيين (بما في ذلك عبر القانون الدولي) وعدم شرعنة الواقع العسكري المفروض بقوة السلاح
المذكرة تسعى لتحويل الدعم الدولي من دعم لـ"عملية سلام بين جنرالين" إلى دعم لـ"عملية بناء دولة مدنية"
خلق منصة بديلة - إعادة توجيه بوصلة الصراع
إن الهدف الأعمق للمذكرة ليس مجرد طرح مطالب، بل خلق منصة وطنية مدنية بديلة في مشهد سياسي مُجتزأ بين طرفين مسلحين. هي محاولة لـاستعادة شرعية الشارع المفقودة.
تستهدف الوثيقة كلاً من قوى الداخل (لجان المقاومة، النقابات، الأحزاب) والقوى الإقليمية والدولية (الأمم المتحدة، الإيغاد)، ولكن الأهم هو أنها تستهدف الشعب السوداني نفسه، لدعوته إلى التوحد في جبهة مدنية عريضة
هذه الجبهة، بحسب التحليلات، يمكن أن تشكّل: أساساً صلباً لأي مفاوضات سلام مستقبلية، ومرجعاً وطنياً لا يمكن تجاوزه، وأداة ضغط شعبية توازن قوة البندقية
صمود المدنيين كأمل وحيد
في خضم المأساة، حيث تغيب الدولة المدنية وتحضر البنادق، تمثل "مذكرة السودانيين المطالبين بالحكم المدني" إعلاناً بـصمود الإرادة الشعبية. إنها ليست نهاية المطاف، ولا تضمن النصر، لكنها تُعتبر نقطة انطلاق ضرورية لاستعادة بوصلة التاريخ
المدنيون يرفضون أن يكونوا مجرد ضحايا أو وقوداً لحرب لا تخصهم، بل يصرون على أنهم أصحاب الكلمة الفصل في بناء السودان، مهما بدا المشهد قاتماً أو صعباً
إنها لحظة لتوحيد الصفوف المدنية وإعادة توجيه الطاقة الثورية نحو هدف واحد: الحكم المدني الديمقراطي الكامل.