وادي المخازن وخلل الموازين / الجزء 18 كتبه مصطفى منيغ

وادي المخازن وخلل الموازين / الجزء 18 كتبه مصطفى منيغ


12-01-2025, 02:51 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1764557506&rn=0


Post: #1
Title: وادي المخازن وخلل الموازين / الجزء 18 كتبه مصطفى منيغ
Author: مصطفى منيغ
Date: 12-01-2025, 02:51 AM

02:51 AM November, 30 2025

سودانيز اون لاين
مصطفى منيغ-فاس-المغرب
مكتبتى
رابط مختصر




القصر الكبير :

الحنين لِما وقَعَ ليس تأكيد لتجربةٍ وينتهي الانشغال ، بل ترسيخ ظل وسيظل محفوراً فوق البال ، حيث استوطن الأخير العقلَ الباطن أو سابحاً مع ميزة الفطنة الفطريَّة كحالةٍ من أي حال ، إذ ما تَمَّ خيراً أو سوءا مُنتهي تسجيله بكيفية وسرعة لن يدركهما العلم البشري مهما حاول ، مِن المستحيلات فكّ التصاقهما بالخيال ، أكانوا أصحابه من الواعين أو الجُهَّال .

الحنين ميل لمن حسبه نَبْعَ راحةِ الارتياح ، من وخز ضمير حليف صرصار في فنِّ الإزعاجِ مدَّاح ، إن بدأ في ترديد لحنه المُنكر عن صُداعه المُضرِّ بالسمع لا ينزاح ، رغم دقة صغره يفوق ضجيجا عن كلب يعبِّر عن سغبه بالنَّبح .

... البرتغاليون كلما سمعوا بالقصر الكبير ، تَحْمَرُّ وجوههم أو تَصْفًر ، وتنسابهم قشعريرة اكتسبوها بالوراثة الثقافية أباً عن جد ، وهم يستحضرون نهاية دولتهم ، التي قادها الملك سان سبستيان للهاوية والتفتت وفقدان قواعد الإمبراطورية ، الجاعلة منها (ذاك الوقت) القوة العُظمى التي يُضرَب لها ألف حساب ، جاعلين من مدينة القصر الكبير ، رمز ذكرى أحزن من الحزن وأمر من العلقم ، الغير

المستساغ طعمها ولو في سياق أي حديث ، لم أسمع بهذا بل عشته شخصياً في أواسط السبعينيات من القرن الماضي ، حينما قمتُ بزيارةٍ لمدينة "الفارو" البرتغالية عاصمة "الغربي" ، بدعوة من السيدة "تيريزا" التي سبق أن تعرفتُ عليها في مدينة بروكسيل البلجيكية ، أثناء اقامتى المطولة بها ، وكانت مهاجرة باحثة عن مستقبلها في تلك الديار الكفيلة باستقبال الآجانب وأغلبهم من المغرب واسبانيا والبرتغال ، بل واعطاؤهم الفرصة لتكوين أنفسهم في جو من الاطمئنان الاقتصادي ، وحرية إبداء الرأي ، والتمتع بكل مميزات حقوق الإنسان المشروعة دون تفضيل بين لون بشرة أو جنس أو عقيدة ، حضرت لقلب أوربا ، وحيدة لا تملك إلا ارادة قوية وإصرار على ضمان ما يؤهلها لتكون كما ارادت أن تكون ، أنثى مستقلة في اتخاذ قراراتها المصيرية دون رقيب أو حسيب ، كنتُ جالساً في ركن من مقهى محطة "ميدي" للسكك الحديدية ، مفكراً في الانتقال لقضاء يومي السبت والاحد في مدينة "أوطريخت" الهولندية ، وبدون مقدمات رأيتها تمد يدها لمصافحتي ، ولتجلس بجواري ، وتحدثني بإسبانية ركيكة نوعاً ما ، واطلع على ما توجهت صوبي ناشدة مساعدتي ، مدعية في محاولتها إقناعي ، أنها تمعنت في ملامح وجهي ليتأكد لها أنني من المغرب ، وأهل المغرب لهم في وجدانها مكانة خاصة لسبب وعدتني أن تبلغني بتفصيله في وقت لاحق لطول موضوعه ، رحبتُ بها وعرضتُ عليها المساعدة قدر الإمكان ، وفي مقدمة ذلك استضافتها في بيتي ريتما تعثر على مكان تستقر فيه . مرت الايام و معاً على أتمِّ وِفاق ، إلى أن حلَّت ساعة الفراق ، بانتقالي للعيش في المملكة الهولندية ، لتبقى العلاقة الطيبة قائمة بيننا ألى أن عادت لمدينتها الأصلية "فارو" لتدير مشروعاً أقامته هناك يخصها ، وتوجه لي دعوة لزيارتها فلبيتُ الدعوة ، وفي تلك المدينة البرتغالية الجميلة ، وبينما نحن نتجول في شارع(Gomes Rua Dom Francisco) أوقفنا أحد أقاربها ولم يكتف بسماع اسمي ، بل طالب معرفة المدينة التي انتسب اليها ، وما أن نطقَت بالقصر الكبير ، حتى اصفرَّ وجهه وانسحب دون وداع أو استئذان ، وأمام استغرابي أقنعتني العزيزة "تيريزا" أن معركة وادي المخازن وارتباطها بتلك المدينة المغربية يجعل بعض المتعصبين من البرتغاليين ، يتذكرون بنوع من الأسى والأسف ، وأحيانا بغضب شديد ، ما آلت إليه الأمور هناك ، بقتل ألاف البرتغاليين واسر الآلاف منهم ، وقد أثر ذلك على المجتمع البرتغالي (ساعتئذ) بشكل لا يوصف ، حيث انتقلت البرتغال من مكانة الصدارة ألي حضيض احتلالها من لدن اسبانيا ، وما يعني ذاك الاحتلال من ألم مضاف لهزيمتها النكراء بالمتسلط عليها قهرا ومذلةً وتعسفا ، وأشياء تقشعر منها الأبدان . قلتُ لها : مدينة القصر الكبير كانت في وضعية الدفاع عن النفس اتجاه معتدي جرَّ من ورائه جيشا جرَّاراً ، بنية القضاء المبرم على شعب آمن ، بل ومسح عقيدة الإسلام من ارض لا عيش لها بدونه أصلا ، وما جزاء المعتدي إلا ما لقيه الملك البرتغالي ومَن معه ، مِن الخونة الطامع أحدهم في بيع أبناء جلدته ليحظى بكرسي الحكم ، فكان مصيره ليس الغرق في في وادي المخازن وحسب ، بل إفراغ جسده من الأحشاء وملئه بالتبن ، ليُعرض عبرة لمن قد تسول له نفسه خيانة وطنه ، ليُلَقَّب من ساعتها بالملك المسلوخ .

مصطفى منيغ

سفير السلام العالمي

مدير مكتب المغرب لمنظمة الضمير العالمي لحقوق الإنسان في سيدني – أستراليا