مِتاجَرَةُ الحَرَكاتِ المُسَلَّحَةِ وَالجَيْشِ وَالدَّعْمِ السَّريعِ فِي الذَّهَبِ: صِرَاعُ المَوَا

11:32 AM November, 29 2025

سودانيز اون لاين
الأمين مصطفى-السودان
مكتبتى
رابط مختصر

مِتاجَرَةُ الحَرَكاتِ المُسَلَّحَةِ وَالجَيْشِ وَالدَّعْمِ السَّريعِ فِي الذَّهَبِ: صِرَاعُ المَوَارِدِ وَانْهِيارُ الدَّوْلَةِ!!!!
مُقَدِّمَةٌ
يُعَدُّ الذَّهَبُ في السُّودانِ ثَرْوَةً قومِيَّةً هائِلَةً، لَكِنَّهُ، في ظِلِّ الانقِسامِ السِّياسِيِّ وَانْدِلاعِ الحَرْبِ بَيْنَ القُوَّاتِ المُسَلَّحَةِ وَقُوَّاتِ الدَّعْمِ السَّريعِ، تَحَوَّلَ مِن مَورِدٍ لِلتَّنْمِيَةِ إلى وَقُودٍ لِلعُنفِ وَجِهَازٍ لِتَموِيلِ الحَرْبِ.
والأخْطَرُ مِن ذَلِكَ أنَّ مَسَاراتِ السَّيطَرَةِ عَلى المَناجِمِ وَموَارِدِ الذَّهَبِ باتَت تَعمَلُ خَارِجَ الإطارِ الدَّوْلِيِّ، وَعَبْرَ شَبَكاتٍ مُتَداخِلَةٍ مِن الضُّبّاطِ وَالحَرَكاتِ المُسَلَّحَةِ وَشَرِكاتِ الوِجْهَةِ، مِمَّا جَعَلَ الذَّهَبَ مِحْوَرًا لِصِراعٍ مُتَجَدِّدٍ لا تُحسَبُ نِهايَتُهُ.
ومِن هذا المَنظُورِ، تُعَدُّ زيارةُ وَزِيرِ المَعادِنِ نُورِ الدَّائِمِ طَه إلى مَناطِقِ التَّعدينِ في وَادِي حَلْفا — دُونَ أيِّ إعْلانٍ أو إشْراكٍ لِلسُّلْطاتِ المَحَلِّيَّةِ وَالمُجتَمَعِ المَحَلِّي — مِثالًا واضِحًا عَلى الحَلَقاتِ المُغلَقَةِ الَّتي تُديرُ دُفَّةَ ثَرْوَةِ الذَّهَبِ في البِلادِ. فَهذا التَّجاهُلُ أثارَ ـــ بِحقٍّ ـــ شُبُهاتٍ واسِعَةً بَيْنَ الأهالي، وَعَدُّوهُ تَهْمِيشًا مُتَعَمَّدًا لأصحابِ المَصلَحَةِ الحقيقيِّين.
أَوَّلًا: الذَّهَبُ… ثَرْوَةٌ يَسْتَحْوِذُ عَلَيْها السِّلاحُ
١- الذَّهَبُ كَبَدِيلٍ لِلنِّفْطِ بَعْدَ ٢٠١١
بِعْدَ انفِصالِ جَنوبِ السُّودانِ وَفِقْدانِ ما يَزيدُ عَلى ٧٠٪ مِن النَّفْطِ، تَحَوَّلَ الذَّهَبُ إلى المَورِدِ الرَّئِيسِ لِلدَّوْلَةِ. ولَكِنَّ ضَعفَ الرَّقابَةِ وَالتَّعقيداتِ السِّياسِيَّةِ أَدَّت إلى سَيْطَرَةِ أَطرافٍ مُسلَّحَةٍ عَلى المَناجِمِ.
٢- سَيْطَرَةُ الجَيْشِ وَالحَرَكاتِ المُسَلَّحَةِ
تُسَيْطِرُ القُوَّاتُ المُسَلَّحَةُ على جُزءٍ كَبِيرٍ مِن مَناطِقِ التَّعدينِ في الشَّمالِ وَالشَّرْقِ، خاصَّةً في المَناطِقِ المُنَظَّمَةِ وَالمُرخَّصَةِ رَسْمِيًّا.
أمَّا قُوَّاتُ الدَّعْمِ السَّريعِ، فَقَد أحْكَمتْ قَبضَتَها على مَناطِقِ دارفور وَشمالِ كردفان وَجِبالِ عامِر وَغيرِها، مِمَّا جَعَلَهَا أحدَ أكبَرِ مُنتِجِي الذَّهَبِ غيرِ الرَّسْمِيِّينَ في البِلادِ.
٣- شَرِكاتُ الْوَجْهَةِ وَتَحوِيلُ الذَّهَبِ إلى نُقودٍ
تَعْمَلُ الطَّرَفانِ (الجَيْشُ وَالدَّعْمُ السَّريعُ) عَبْرَ شَرِكاتٍ مَحْسُوبَةٍ عَلَيْهِم تَتَكفَّلُ بِالتَّعدينِ وَتَجميعِ الذَّهَبِ وَباهِلَتِهِ ثُمَّ شَحْنِهِ إلى دُوَلٍ إقْليمِيَّةٍ — وَفي مُقَدِّمتِها دُوَلٌ تُعَدُّ مَمرًّا رَئيسًا للتَّهريبِ — مِن أجلِ تَموِيلِ الحَرْبِ وَتَأمِينِ السِّلاحِ وَشراءِ الدَّعْمِ السِّياسِيِّ.
ثانِيًا: الآلِيَّاتُ الَّتي تُمكِّنُ الفاعِلِينَ المُسَلَّحِينَ مِن استِغلالِ الذَّهَبِ
١- التَّهريبُ وَالتَّصديرُ السِّرِّيُّ
يُعَدُّ التَّهريبُ خَيَارًا مِثاليًّا لِلقُوَّاتِ المُسَلَّحَةِ وَالحَرَكاتِ، فَهُوَ يُجَنِّبُهُم الرَّقابَةَ وَيُؤَمِّنُ مَوارِدَ عاجِلَةً.
تَسْلُكُ شَحناتُ الذَّهَبِ طُرُقًا مَعروفةً نَحوَ:
الحُدودِ التَّشادِيَّةِ
الحُدودِ اللِّيبِيَّةِ
مَدِينَةِ جُوبا وَأسْواقِ جَنوبِ السُّودانِ
مَساراتٍ إلى مِصْرَ وَالشَّمالِ
ثُمَّ ينتهي الذَّهَبُ في مَرافِئَ إقْليمِيَّةٍ تَكْتَسِبُ مِنهُ كَمّيّاتٍ ضَخْمَةً دُونَ وُصُولِ أيِّ عائِدٍ إلى خَزينَةِ الدَّوْلَةِ.
٢- تَحكُّمُ الجَيْشِ والدَّعْمِ السَّريعِ في مُعْظَمِ مَراحِلِ الإِنْتاجِ
فِي مَراحِلِ الاسْتِكْشافِ وَالتَّعدينِ وَالنَّقْلِ وَالتَّصديرِ، تَعمَلُ القُوَّاتُ المُسلَّحَةُ وَشَبَكاتُها عَلى تَأمِينِ الحَلَقةِ بَعدَ الحَلَقةِ، وَبِذَلِكَ تُسْقِطُ الدَّولةُ كُلَّ إمكانِيَّةٍ لِلمُراقَبَةِ.
٣- فَرضُ الإتاواتِ والضَّرائِبِ المُوازِيَةِ
تَفْرِضُ القُوَّاتُ المسيطِرَةُ في المَناطِقِ المُخْتَلِفَةِ «إتاواتٍ» مُقَنَّعَةً على المُنقِّبينَ الأهلِيِّينَ، مِمَّا يُزِيدُ من ثِقْلِ التَّكالِيفِ ويُؤَسِّسُ لِاقتصادٍ مُوازٍ يُغَذِّي القُوَّاتِ بِدَلًا مِن الدَّوْلَةِ.
ثالثًا: المُجتَمَعُ المَحَلِّيُّ ضَحِيَّةٌ مُهَمَّشَةٌ
١- الحُقوقُ المَسلُوبَةُ
تُشيرُ شَهاداتُ الأهالي — كما في مَوقِفِ المَجلِسِ الأعلى لأهالي وَادِي حَلْفا — إلى أنَّ السُّلْطاتِ تُدارُ في إطارٍ مَركَزِيٍّ مُغلَقٍ، تَتَّخِذُ القَراراتِ مِن فَوق، دُونَ إشْراكِ أصحابِ الأرضِ.
وهذا يَخلُقُ وَتْرَةً وَشُعُورًا بالاستِلابِ، خاصَّةً مع تَوافُقِ الزّياراتِ الغامِضَةِ لِلمَناطِقِ الغَنِيَّةِ بالذَّهَبِ مَعَ أنباءِ التَّنافُسِ بَيْنَ القُوَّاتِ على المَوارِدِ.
٢- التَّلوُّثُ، واسْتِغلالُ العَمَلَةِ، وَغيابُ الخَدَماتِ
النَّشاطُ التَّعدينِيُّ العشوائيُّ يَحمِلُ آثارًا بِيئِيَّةً خَطِيرَةً:
اسْتِخدامُ الزِّئبَقِ وَالسِّيَانِيدِ
تَلَوُّثُ المِياهِ الجُوفِيَّةِ
اسْتِغْلالُ قُدُراتِ العَمَلَةِ المَحَلِّيَّةِ في ظُرُوفٍ قاسِيَةٍ
ومَعَ ذَلِكَ، فَقَلَّما تُقَدَّمُ تَنْمِيَةٌ أو خَدَماتٌ مُقابِلًا لِهذا النَّهبِ المُنَظَّمِ.
رابِعًا: لِماذا يَتَصارَعُ المُسَلَّحُونَ عَلى الذَّهَبِ؟
١- الذَّهَبُ مَورِدٌ نَقْدِيٌّ فَورِيٌّ
يُحَوِّلُ الذَّهَبُ إلى دُولاراتٍ بِسُرْعَةٍ، ممَّا يُمَكِّنُ الأطرافَ مِن شراءِ السِّلاحِ وَتَموِيلِ العَمَلِياتِ دونَ رَقابَةٍ.
٢- الذَّهَبُ يَمْنَحُ شَرْعِيَّاتٍ سِياسِيَّةً
القُوَّةُ الَّتي تُسيطِرُ على المَوارِدِ تُصبِحُ لاعِبًا أساسيًّا في أيِّ مُفاوَضاتٍ مُستقبَلِيَّةٍ، وَعَلَى هذا الأساسِ يَتَعمَّقُ الصِّراعُ.
٣- مَلاذٌ آمِنٌ لِلاستِثْمَارِ المَحظُورِ
يَتَجَنَّبُ كَثِيرٌ مِن الفاعِلِينَ المَسلَّحِينَ العُقوباتِ الدُّولِيَّةِ مِن خِلالِ تَصْديرِ الذَّهَبِ عَبْرَ شَبَكاتٍ غيرِ رسميَّةٍ، مِمَّا يُشَكِّلُ مَصْدَرَ ثَراءٍ وَسُلطَةٍ.
خامِسًا: تَداعِيَاتُ هذا الوضعِ على الدَّوْلَةِ والسَّلامِ
١- سُقُوطُ الدَّوْلَةِ الضَّرِيبِيَّةِ
حِينَما يَتِمُّ تَصديرُ نِصْفِ الذَّهَبِ أو أكثَرَ بِطُرُقٍ غيرِ رَسْمِيَّةٍ، فَإِنَّ الدَّوْلَةَ تَفقِدُ أهمَّ مَوارِدِها، وَيُحْرَمُ المُواطِنُ مِن الخَدَماتِ العامَّةِ.
٢- إطالةُ عُمُرِ الحَرْبِ
كُلَّما تَدَفَّقَ الذَّهَبُ نَحوَ الخُزَّاناتِ العَسْكَريَّةِ، تَعزَّزَت القُدُراتُ القِتالِيَّةُ وَتراجَعت فُرصُ السَّلامِ.
٣- تَغَوُّلُ الاقتِصادِ المُوازِي
يُصبِحُ الاقتِصادُ الرَّسْمِيُّ أضعفَ فَأضعفَ، إلى أن تُتَحكِّمَ الشَّبكاتُ المُسلَّحةُ في السِّلاحِ وَالتَّعدينِ وَالتِّجارةِ، وَهذا أخْطَرُ ما يُواجِهُ وَحدَةَ السُّودانِ.
سادِسًا: ما الَّذي يَجِبُ أن يَتِمَّ؟ — خُلاصَةٌ تَحْلِيلِيَّةٌ
لا يُمكِنُ السَّيطَرَةُ عَلى الذَّهَبِ في السُّودانِ بِدُونِ:
شَفافيَّةٍ كامِلَةٍ في عُقودِ التَّعدينِ والامتيازاتِ.
مُشارَكَةٍ حَقيقيَّةٍ للمجتمعاتِ المحلِّيَّةِ — كما طالَبَ أهالِي وَادِي حَلْفا — في القَرارِ ورَقابَةِ المَوارِدِ.
فَصْلٍ كامِلٍ بَيْنَ القُوَّاتِ المُسَلَّحَةِ وَالنَّشاطِ الاقتصاديِّ.
ضَبْطِ التَّهريبِ وَتَجْرِيمِ تَمْويلِ الحُرُوبِ مِن الذَّهَبِ.
إعادةِ بِنَاءِ الدَّوْلَةِ الاقتِصادِيَّةِ الرَّسْمِيَّةِ لِكَي تَخدِمَ الشَّعبَ لا الأطرافَ المسلّحةَ.
فَبِدُونِ سَيْطَرَةٍ وَمَسكَرةٍ ونِظامٍ مُؤَسَّسِيٍّ، سَيَظَلُّ الذَّهَبُ مَلعَبًا لِلسِّلاحِ وَسَبَبًا لِاستِمرارِ الحَرْبِ، كما سَيَظَلُّ الأهالِي — مِثل أهالِي وَادِي حَلْفا — يَدْفَعُونَ الثَّمَنَ مِن أراضيهم وثرواتهم ومستقبلهم.
,,,,,,