مصالح أمريكا أولاً.. هكذا رهن البرهان مصير السودان!! كتبه عبدالغني بريش فيوف

مصالح أمريكا أولاً.. هكذا رهن البرهان مصير السودان!! كتبه عبدالغني بريش فيوف


11-28-2025, 05:24 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1764307459&rn=0


Post: #1
Title: مصالح أمريكا أولاً.. هكذا رهن البرهان مصير السودان!! كتبه عبدالغني بريش فيوف
Author: عبدالغني بريش فيوف
Date: 11-28-2025, 05:24 AM

05:24 AM November, 28 2025

سودانيز اون لاين
عبدالغني بريش فيوف -USA
مكتبتى
رابط مختصر





من المخزي أن تدعي الشرعية الشعبية، لكنك غير قادر على حماية هذا الشعب وتطالب علنا، رئيسا أجنبيا بالتدخل في شؤون بلادك"
*************
في زمن تتلاطم فيه أمواج الاضطرابات السياسية، وتتراقص فيه الأوطان على شفير الهاوية، يبرز السؤال الوجودي حول ماهية القيادة الحقة، هل هي القدرة على الصمود في وجه العواصف الداخلية والخارجية، أم هي الشجاعة في مواجهة الحقائق المرة والاعتراف بالعجز، أم هي ربما، التنازل عن السيادة الوطنية في سبيل أوهام الأمن الزائف؟
هذه الأسئلة تطفو على السطح بقوة، بل وتضرب بجذورها عميقا في تراب السودان، بعد أن تفضل علينا قائد جيشه ورئيس مجلس سيادته الانتقالي، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، بمقال في وول ستريت جورنال الأمريكية، بمقالٌ لم يكن سوى صرخة استغاثة مستترة، وتودد مكشوف للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، طالبا منه التدخل لوقف حرب لا يستطيع هو، بصفته القائد الأعلى للجيش والدولة، إيقافها.
عزيزي القارئ..
أن يكتب قائد جيش دولة، يفترض أنها ذات سيادة وكرامة، مقالاً في صحيفة أجنبية مرموقة، يستجدي فيه تدخلا خارجيا لوقف نزيف بلاده، فهذا وحده يستدعي وقفة تأمل طويلة، ليس في مضمون المقال فحسب، بل في عمق المأزق الذي وصلت إليه الدولة السودانية، وفي طبيعة العقلية التي تقودها.
العنوان الذي اخترناه لهذا المقال "مصالح أمريكا أولاً.. هكذا رهن البرهان مصير السودان"، ليس مجرد عنوان عابر، بل هو توصيف دقيق لواقع مرير، وشهادة دامغة على تدهور مفهوم السيادة الوطنية.
لقد درج الخطاب الرسمي السوداني، على مرّ العصور، على التأكيد على استقلالية القرار الوطني، ورفض التدخلات الخارجية، والحفاظ على كرامة السودان وشعبه، ولكن، ما الذي يدفع بقائد البلاد إلى قلب هذه الموازين رأسا على عقب، بل ما الذي يجعل من الاستنجاد بقوة أجنبية، أمرا مقبولا، بل واجبا في نظر البعض؟
لقد حاول البرهان في مقاله أن يرسم صورة تبسيطية للصراع كتمرد وحشي ضد الدولة، وأن يُلصق بقوات الدعم السريع تهمة المليشيا الخارجة عن القانون، مستغلا سجلها المشين في الإبادة الجماعية والتطهير العرقي.
هذا التوصيف، وإن كان يحمل الحقيقة، إلا أنه لا يُبرئ القيادة التي تدعي الشرعية من مسؤوليتها الجسيمة تجاه حماية البلاد وسيادتها.
عندما يتحول الصراع الداخلي إلى حرب أهلية مفتوحة تُمزق البلاد وتُهلك العباد، فإن الواجب المقدس للقائد هو البحث عن حلول وطنية جذرية، تُعيد اللحمة وتُطفئ جمرة الفتنة، لا أن يسارع إلى الارتماء في أحضان الأجنبي، طالبا النجدة بلسان خائر.
نعم، إن القائد الحقيقي، الذي يمتلك شرعية القيادة، هو من يتحمل مسؤولية الحفاظ على أمن بلاده، وتوفير الحماية لشعبه، دون أن يلجأ إلى استجداء العون من الخارج بهذه الطريقة المهينة، ذلك انه عندما يتحول الصراع الداخلي إلى ذريعة لفتح الأبواب للتدخلات الخارجية، فإننا لا نتحدث عن قائد يسعى لحماية بلاده، بل عن شخص يتخلى عن أحد أهم مقومات السيادة الوطنية.
تاريخ عريق وحاضر مرير..
يتحدث البرهان عن تاريخ السودان العريق، ويمتدحه بكونه بلدا ذا ذاكرة طويلة يمتد تاريخه إلى مملكة كوش التوراتية، وهذا الخطاب الذي يمجد الماضي، يقف على النقيض تماما من الحاضر الذي يصفه البرهان بنفسه، حاضرٌ يمزقه تمرد وحشي وصراع لم يشبه أي صراع واجهه السودان من قبل.
إن هذا التباين الصارخ بين عظمة الماضي ومرارة الحاضر، يجعلنا نتساءل: ما الذي حدث لهذا التاريخ العريق، ليُصبح قائده اليوم يستجدي حلا من رئيس أجنبي؟
هل ضاعت قيم مملكة كوش العظيمة، التي وصفها البرهان بأنها إحدى أعظم الحضارات التي شهدتها أفريقيا، تحت أقدام القادة العسكريين الذين يتصارعون على السلطة؟
إن القادة العظام هم من يستلهمون من عظمة تاريخهم دروسا في الصمود والعزيمة، وليسوا من يحولون هذا التاريخ إلى مجرد حكايا تُروى في الصحف الأجنبية، بينما بلادهم تنهار أمام أعينهم.
يشير البرهان إلى أن الحرب تمزق نسيج المجتمع السوداني وتُشرّد ملايين المدنيين وتضع المنطقة الممتدة من البحر الأحمر إلى الساحل الأفريقي بأسرها في مهبّ الخطر.
كل هذه الحقائق المرة، التي لا يمكن لأحد أن ينكرها، كان يجب أن تدفع بالقائد إلى تعزيز الجبهة الداخلية، وتوحيد الصفوف، والبحث عن حلول وطنية جذرية، ولكن بدلا من ذلك، نراه يفتح العورات الوطنية أمام العالم، ويستعرض نقاط الضعف، ويصف بلاده بأنها تقف حاليا على مفترق طرق بين الانهيار أو التعافي.
هذا الوصف الدقيق لحالة الضعف، كان يجب أن يكون دافعا للمزيد من الاعتماد على الذات، لا المزيد من التوسل للقوى الخارجية، فالقائد الذي لا يستطيع أن يرى الحلول إلا من خلال نافذة أجنبية، هو قائد فقد البوصلة، ورهن مصير بلاده لمن لا يهمه سوى مصالحه الخاصة.
قصة الجنجويد والغدر..
يُقدم البرهان سرده الخاص لتاريخ قوات الدعم السريع، من الجنجويد إلى تشكيل شبه عسكري منفلت ومسلح تسليحا ثقيلا، ويحمّل الدعم السريع مسؤولية الغدر وشن الهجمات التي أدت إلى اندلاع الحرب. هذه السردية، وإن كانت تحتوي على بعض الحقائق، لا تبرر بأي حال من الأحوال العجز عن احتواء هذا التهديد.
إذا كانت قوات الدعم السريع برميلا قابلا للانفجار، فلماذا لم يتم التعامل معها بحزم وقوة قبل أن تنفجر وتُشعل البلاد، وإذا كانت الحكومة السودانية قد شرعت في عملية دمج مسؤولة للدعم السريع داخل الجيش، فلماذا فشلت هذه العملية، ولم تتمكن من تجنب الحرب؟
الإجابة ببساطة هي أن القيادة كانت إما ضعيفة، أو مترددة، أو أنها ارتكبت أخطاء استراتيجية جسيمة أو انتهازية، أدت في النهاية إلى هذه الكارثة، وعندما يخطئ القائد بهذه الجسارة، فإن شرعيته في القيادة تُصبح محل شك كبير.
يُشير البرهان إلى أن قوات الدعم السريع ما كانت لتخوض هذه الحرب دون مساندة سخية من قوى إقليمية، هذا الاعتراف بوجود تدخلات خارجية في الشأن السوداني، كان يجب أن يدفع القائد إلى تعزيز المناعة الوطنية ضد هذه التدخلات، لا أن يُصبح هو نفسه أحد الأبواب التي تُشرّعها للتدخلات الأكثر خطورة.
فالبرهان، في سعيه لاستمالة الدعم الأمريكي، يذهب إلى أبعد من ذلك، محذرا من أن السودان بات ساحة مفتوحة لتدخلات خارجية من شأنها زعزعة المنطقة بالكامل: البحر الأحمر شرقا، والساحل الأفريقي غربا، إضافة إلى تهديد مصالح الولايات المتحدة.
هذا التحذير، الذي يهدف إلى إثارة المخاوف الأمريكية، يكشف عن عقلية تضع مصالح الأجنبي في المقام الأول، كطعم لاستجلاب الدعم، بدلا من التركيز على المصالح الوطنية السودانية أولاً.
إن القائد الذي يُبرر حاجته للمساعدة الخارجية بتهديد مصالح الولايات المتحدة، بدلا من تهديد مصالح السودان وشعبه، هو قائدٌ قد فقد بوصلته الأخلاقية والوطنية، وهو بالتالي يبيع الغالي بالرخيص، ويستبدل كرامة الوطن باستجداء حماية لا تُقدم إلا بمقابل.
عندما يُصبح دونالد ترامب الأمل الوحيد..
أكثر ما يثير الاستياء والأسى في مقال البرهان، هو ارتياحه لتطورات سياسية أميركية جديدة، خصوصا تصريحات وزير الخارجية ماركو روبيو، إضافة إلى تصريحات الرئيس دونالد ترامب بعد لقائه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
هذا الارتياح المريب، وهذه الإشارة المباشرة إلى ترامب، ليست سوى محاولة مكشوفة لاستجداء العطف والدعم من رئيسٍ معروف بتقلباته السياسية وتغليب المصالح الشخصية.
أن يُصبح أمل السودان في الخروج من أزمته معقودا على تصريحات الرئيس الأمريكي، هو دليل على مدى اليأس الذي وصلت إليه القيادة السودانية، ومدى فقدانها للثقة في قدرتها الذاتية على حل المشاكل.
القائد الحقيقي هو من يصنع الأمل من قلب اليأس، لا من يستجدي الأمل من قوى خارجية لا تبالي بآلام شعبه.
*****
يُجدد البرهان التزامه بالانخراط مع واشنطن والرياض في أي مسار سلام عادل ومتوازن، ولكنه يرسم خطا أحمر واضحا بأن لا سلام دائم في السودان دون تفكيك قوات الدعم السريع، هذا الخط الأحمر، وإن كان يبدو حاسما، فإنه يُطرح في سياق من الاستجداء والضعف، مما يفرغ محتواه من أي قوة حقيقية.
ثم يأتي حديثه عن شراكة أوسع مع الولايات المتحدة، سواء في مكافحة الإرهاب أو إعادة الإعمار، وهو ما يتطلب رؤية سياسية تقوم على الديمقراطية وسيادة القانون وحماية الحقوق.
هذه الكلمات الرنانة، التي تُرددها الدبلوماسية الغربية، تبدو أجوفَ حين تأتي من قائد يتشبث بالسلطة، ويتنازع مع فصيل عسكري آخر على قيادة البلاد، ويُقدم على رهن مصير شعبه لتدخلات أجنبية.
استدعاء الماضي والتعهدات الكاذبة: وهم الانتقال المدني..
يختتم البرهان مقاله بتجديد التزام الجيش بالانتقال إلى الحكم المدني، مؤكدا أن الحرب أوقفت العملية لكنها لم تُلغها، هذا التعهد، الذي يُردد منذ سنوات، أصبح لا يثير سوى السخرية والتشكك، فإذا كان الجيش ملتزما بالانتقال المدني، فلماذا قاد انقلابا عسكريا في الأساس، ولماذا فشل في حماية هذا الانتقال من التمرد الوحشي الذي يدعي أنه يقاتله؟
إن القائد الذي يُقدم التعهدات الكاذبة، ويُعرقل مسيرة الديمقراطية، ثم يتباكى على الحاجة إلى الانتقال المدني بعد أن دمرت الحرب كل شيء، هو قائدٌ لا يستحق أن يُؤتمن على مصير شعبه.
وفي الختام، يُلقي مقال البرهان في وول ستريت جورنال، بظلال قاتمة على المشهد السوداني، كاشفا عن أزمة قيادة عميقة وتآكل لمفهوم السيادة الوطنية.
إن استجداء الدعم الأجنبي، وتحديدا من شخصيات مثل ترامب، لا يمثل حلا مستداما، بل هو إقرارٌ ضمني بالعجز وفشل ذريع في إدارة الأزمة الداخلية، وقد أظهر المقال كيف أن المصالح الأجنبية أصبحت تُقدم على حساب كرامة ومستقبل السودان، محولا الصراع الداخلي إلى بوابة لتدخلات قد تُعمّق جراح الوطن بدلا من تضميدها.
إن السودان، بتاريخه العريق وشعبه الأبي، يستحق قيادة تستمد شرعيتها وقوتها من الداخل، وتُعلي من قيم السيادة والاستقلال، فالقائد الحقيقي هو من يُحصّن وطنه من الخارج، ويُوحّد صفوفه من الداخل، ويبحث عن حلول جذرية تنبع من الإرادة الوطنية الخالصة، أما رهان مصير البلاد على تكتلات ومصالح أجنبية، فهو طريقٌ محفوف بالمخاطر لا يُفضي إلا إلى مزيد من التبعية والوهن.
لقد حان الوقت لأن تُدرك القيادات السودانية، ومعها كل مكونات الشعب، أن الخلاص الحقيقي يكمن في وحدة الصف والاعتماد على الذات، في بناء دولة مدنية ديمقراطية قوية، قادرة على حماية أمنها ومصالحها دون الحاجة إلى الاستنجاد بمن لا يهمه سوى مصالحه أولا.
إن مصير السودان، الذي رُهن بكلمات كُتبت على صفحات صحيفة أجنبية، يجب أن يُسترد ويُعاد إلى أيدي شعبه، فهو وحده من يملك الحق والقدرة على رسم مستقبله المشرق.