جهل ترامب يهدم الرباعية من القواعد كتبه 
د. ياسر محجوب الحسين

جهل ترامب يهدم الرباعية من القواعد كتبه 
د. ياسر محجوب الحسين


11-27-2025, 06:31 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1764268284&rn=0


Post: #1
Title: جهل ترامب يهدم الرباعية من القواعد كتبه 
د. ياسر محجوب الحسين
Author: د. ياسر محجوب الحسين
Date: 11-27-2025, 06:31 PM

06:31 PM November, 27 2025

سودانيز اون لاين
د. ياسر محجوب الحسين-UK
مكتبتى
رابط مختصر



أمواج ناعمة

جهل ترامب يهدم “الرباعية” من القواعد



لو أدرك المتفائلون بالتصريحات الأمريكية الأخيرة كيف تُصاغ الاستراتيجيات في واشنطن، وأنها لا تتغيّر بحديث عابر ولا حتى بتبدّل الإدارات جمهوريون وديمقراطيون، لما علّقوا آمالًا أقرب إلى السراب الذي يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا. فالسياسة الأمريكية تجاه السودان لن تخرج عن مسار الرباعية الدولية سيئة الذكر، التي ما تزال تروّج سردية خطيرة تساوي بين الجيش السوداني بوصفه مؤسسة دولة، وبين مليشيا متمردة متورطة في إبادة وتطهير عرقي. هذا الإطار المضلل الممنوح شرعية دولية أوهى من بيت العنكبوت، يعكس فهماً ناقصاً عاجزاً عن إنتاج حل حقيقي. والخلاص يظل في وحدة الصف الوطني، ودعم الجيش، والاستنفار العام؛ لا في انتظار تحولات عابرة في الخطاب الأمريكي.
ولعل ما قاله الفريق عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة، بشأن المبادرة التي قدّمتها الرباعية الدولية يؤكد ذلك بجلاء؛ إذ وصفها بأنها *“أسوأ ورقة قُدّمت على الإطلاق”*، مشيراً إلى أنها تتضمن مطالب غير مقبولة، مثل حل القوات المسلحة والأجهزة الأمنية، بينما تُبقي على وجود مليشيا الدعم السريع في مناطقها. وأكد أنه لا يمكن قبول أي خطة تتجاهل دور الجيش أو تطالب بحل الأجهزة الأمنية التي تمثل عمود الدولة.
هذا السياق يجعل من تصريحات دونالد ترامب الأخيرة حول السودان أكثر إثارة للقلق. فالرجل قال بوضوح إنه *“أُبلغ بالأمس بأن هنالك مكاناً في هذا الكوكب اسمه السودان”*، وكأن البلد الذي يخوض حرباً منذ أبريل 2023 خرج لتوه من تحت الرمال. لم يكن ذلك اعترافاً عفوياً بالجهل بقدر ما كان صفعة لشعب يقاتل تمرداً وحشياً. والمفارقة أن لدى ترامب مستشاراً متخصصاً في الشأن السوداني – مسعد بولس – ظل يتحدث باسمه، ويقدّم مواقف مفصلة، ويطرح مبادرات للحل. فمع مَن كان بولس “يطبخ” مقترحاته ما دام رئيسه لا يعلم حتى بوجود السودان؟
خطورة تصريح ترامب لا تكمن في الإهانة وحدها، بل في الدلالات السياسية التي تكشف ضعفاً بنيوياً في فهم واشنطن للأزمة. فكيف يمكن للجنة الرباعية الدولية، التي تقودها الولايات المتحدة، أن تطرح مبادرات وتسعى لصياغة حلول بينما رئيس الدولة التي تتصدر هذا الجهد يجهل أساسيات المشهد؟ الأخطر أن الرباعية ما تزال تصوغ مقاربتها على سردية مضللة تساوي بين الجيش – عمود الدولة – وبين مليشيا متمردة ارتكبت جرائم إبادة وتطهير عرقي بشهادة الأمم المتحدة. هذا الفهم المعوج يجعل أي مبادرة ولدت منه غير قابلة للحياة أو التطبيق.
هذا التناقض بين جهل الرئيس ونشاط مستشاره يطرح سؤالا قديماً جديداً: من يدير ملفات أفريقيا فعلاً في واشنطن؟ هل الرؤساء أم مستشارو الظل؟ ترامب بطبيعته الشعبوية يميل إلى تصريحات تستهدف الداخل الأمريكي الانتخابي، لا مناطق لا يرى فيها مكسباً سياسياً مباشراً. ومع ذلك، بولس نفسه كان يصف السودان بأنه “أكبر كارثة إنسانية في العالم” ويؤكد التزام واشنطن بإنهاء “الصراع المروّع”. فأي الروايتين تعكس موقف الولايات المتحدة الحقيقي؟
ترامب ليس استثناءا في تاريخ الاستخفاف الأمريكي بأفريقيا. تُذكّرنا القصة المنسوبة إلى رونالد ريغان، حين تحدث عن السودان كدولة في أمريكا الجنوبية عندما زاره الرئيس الأسبق جعفر نميري قبل أن يصححه مستشاره، بنمط أمريكي ممتد: أفريقيا لا تحضر في العقل السياسي الأمريكي إلا حين تتقاطع مع مصالح استراتيجية كبرى، من كبح النفوذ الروسي في البحر الأحمر إلى احتواء التمدد الصيني.
وتزداد خطورة هذا الجهل حين يوضع في سياق اللحظة الراهنة. فبعد أحداث الفاشر المروعة في يونيو 2025، حين اجتاحت مليشيا الدعم السريع المدينة وارتكبت مجازر موثقة أممياً، ارتفعت المخاوف من تفكك السودان. وفي لحظات كهذه، يلجأ بعض القادة إلى تصريحات توحي بالتعاطف بينما هي في الحقيقة محاولة للهروب من التزام سياسي أو أخلاقي. وربما كان اعتراف ترامب بالجهل محاولة لامتصاص الضغوط، تاركاً الدور للمملكة العربية السعودية لتبدو الوسيط الأبرز في الملف لما لها من احترام كبير عند الشعب السوداني.
لكن الحقيقة تبقى جلية: لا اهتمام بولس يعني التزاماً رئاسياً، ولا مبادرات الرباعية قادرة على إنتاج حل مستدام ما دامت تقوم على فهم خاطئ لطبيعة الصراع. فالأزمة ليست نزاعاً بين “طرفين متوازيين”، بل تمردٌ على الدولة. والرهان على الخارج، خصوصاً حين تكون بوصلته مرتبكة، لن يخرج السودان من أزمته.
*تصريح ترامب ليس زلة لسان، بل مرآة تكشف العقلية الأمريكية تجاه قضايا الجنوب العالمي. وإذا كان رئيس الدولة التي تقود أهم آلية دبلوماسية للحل لا يعرف السودان، فكيف يُعوَّل على هذه الآلية؟ التاريخ يقول شيئاً واحداً: الأوطان تُبنى بإرادة أهلها، لا بانتظار اعتراف الآخرين. وربما كان جهل ترامب رسالة غير مقصودة لكنها واضحة: السودان، ككثير من دول العالم المستضعف، لا يُرى في واشنطن إلا حين يتقاطع مع خرائط المصالح*