تمزيق القانون الدولي الإنساني في السودان . (صرخات الاسرى و معاناة الجرحى ) كتبه مزمل الغالي

02:41 PM November, 27 2025

سودانيز اون لاين
مزمل الغالي-السودان
مكتبتى
رابط مختصر

مزمل الغالي / المحامي .
لم يكن يتوقع السويسري هنري دونان يوما ما المشاهد التي راته في معركة سولفرينو عام 1859 شمال ايطاليا ان تتكرر مجددا في بلد اسمه السودان في القرن الحادي و العشرين، من معاناة الجرحي و المرضى و الاسري في تلك المعاركة ، خاصة بعد المجهود العظيم الذي بذله . ما جعلت تلك المعركة ذات اهمية هو ما تلاه ، حيث كانت السبب الماشر في انشاء اللجنة الدولية لصليب الاحمر . عندما مر الرجل الانساني هنري بتلك البقعة بعد المعركة و ما راه من مناظر فظيعة لمعاناة الجرحي والمرضي و القتلي في ساحات المعركة هزته انسانيته ثم ، قرر ان يقود مبادرة ، و التي ارست مبادئ القانون الدولي الانساني الي يومنا هذا ، في حماية الجرحي و اسرى الحرب . بعد ان الف كتاب سماه ذكري سولفرينو 1862 ، ومن ثم تطور الي ان اصبحت اللجنة الدولية لصليب الاحمر عام 1863 و التي ابصحت اساس و مرجعية لاتفاقيات الجنيف لحماية الاشخاص الذين ابصحوا غير مقاتلين و المدنيين و المرافق و المنشآت العامة .
ان الغاية الاساسية من القانون الدولي الانساني هو تنظيم قواعد القتال بحيث تصبح القتال اقل عنفا و تنحصر اضراره في الاطاراف المقاتلة وحدهم ، و حماية الجنود الذين اصبحوا غير مقاتلين سواء كانوا جرحى او القوا اسلحتهم و اصبحوا غير قادرين للقتال ، لذالك نجد ان من المبادئ الاساسية للقانون الدولي الانساني هو مبدا الانسانية ، بحيث يتم معاملة الجرحي و الاسرى معاملة انسانية تليق بكرامتهم و انسانيتهم ، كذالك مبدا الحماية و الضرورة العسكرية و التناسب في الهجمات و التمييز بين المقاتلين و الغير مقاتلين و غيرها من المبادئ التي تصب جمعيها في حماية و تنظيم القتال .
بعد الحرب العالمية الثانية 1945 و تتويجا لتلك المجهودات في حماية الجرحي و اسري و المدنيين اثناء الحرب ، قررت المجتمع الدولي ان تنظم اتفاقيات خاصة ، تنظم الحرب و تحمي فئات محددة ، و التي سميت باتفاقيات الجنيف الاربعة 1945 كل اتفاقية مفصلة لحماية فئة محددة عبر قواعد واضحة ، جات في مقدمة تلك الفئات اتفاقية جنيف الاولي لحماية الجرحى و المرضي بالقوات المسلحة في الميدان ، و التي تهدف لحماية الجرحي و المرضي معاملة انسانية و حماية المرافق الطبية و العاملين فيها ، اما اتفاقية جنيف الثانية و التي تعني بحماية الجرحي و الغرقي بالبحار عندما تكون القتال داخل البحار ، كذالك اتفاقية جنيف الثالثة التي انفردت بحماية الاسرى و التي ارست مبادئ مهمة للغاية في حماية اسرى الحرب و معاملتهم معاملة انسانية دون الحد من كرامتهم و منع تعذيبهم باي صورة من دروب التعذيب ، كذالك كفلت للاسير حق الاتصال و التواصل مع ذويه و اللجنة الدولية لصليب الاحمر . اما الرابعة خصصت لحماية المدنيين ، الملاحظ ان المادة الثالثة المشتركة بين تلك الاتفاقيات خصصت لحماية المدنيين . بعد الحرب العالمية الثانية انحصرت النزاعات الدولية و تنامت النزاعات الداخلية و كثرة الحروب الاهلية ، مما جعل الامم المتحدة للمواكبة هذا المستجد ، لذالك تمخضت برتكولين اضافيتين عام 1977 الاولي لتنظيم النزاعات الدولية و الاخرى لتنظيم النزاعات الداخلية . اما البرتكول الاضافي الثالث2005 خصصت لشعار الكرستالة الحمراء .
الحرب التي اندلعت في السودان في 15 ابريل 2023 في العاصة السودانية الخرطوم و من ثم انتقلت رويدا الي باقي مدن و ولايات السودان المختلفة وصفت انها من ابشع الحروب الحديثة ، لبشاعتها و فظاعتها ، حيث لم تكن احترام القاون الدولي الانساني و التقيد بمبادئ القانون الدولي الانساني ضمن الاولويات ، حيث تم انتهاك القانون الدولي الانساني ، و القانون الدولي لحقوق الانسان علي نطاق واسع ، لم تختصر علي انتهاكات ضد المدنيين فحسب ، من القتل خارج نطاق القانون ، و التهجير القسري و غيرها من جرائم الحرب ، و الجرائم ضد الانسانية ، بل تجاوزت ، الي ان شملت جرائم كبري مثل الابادة الجماعية ،و الجرائم المنصوصة في القانون الجنائى الدولي . و لم تقف في المدنيين فحسب بل شملت ، الجرحي و المرضى و اسري الحرب ؛ تلك الفئات التي يجب حمايتهم و معاملتهم معاملة انسانية .
في هذا الزاوية نستعرض لبعض النماذج من الانتهاكات الفظيعة التي تم في حق الجرحي و المرضى و الاسرى في السودان خلال حرب 15 ابريل . درجت قوات الدعم السريع الطرف الاكثر عنفا في الانتهاكات و الطرف الرئيسى في الحرب الي توثيق الانتهاكات و الجرائم بانفسهم . حيث ظهرت في بعض الفديوهات افراد يتبعون لقوات الدعم السريع يجبرون اسري من القوات المسلحة السودانية علي تقليد اصوات الحيوانات في منظر يقلل من انسانيتهم و اجابرهم علي الرقص و هم في حالة اسر؛ و تحت تهديد السلاح ، ايضا في بعض مقاطع فديوهات يقومون بتعذيبهم و ضربهم و شتمهم بنعرات عنصرية ، مع اهمال واضح للمرضي و الجرحى ، كذالك قتلهم . بعد ان استولت قوات الدعم السريع علي مدينة الفاشر في 26 اكتوبر 2025 ظهرت نمط اخرى في الانتهاكاك ، حيث يقمون بتصوير الاسرى و المدنيين الذين تم حجزهم و اعتقالهم اعتقال تعسفي حيث يتم تصويرهم تحت التعذيب و يجبرون الاسير، بالتحدث و استنجاد باهله و معارفه بطلب فديته عن طريق ارسال اموال من اجل اطلاق سراحه و النجاة بروحه او قتله ، حيث اصبح الروح مقابل النقود .
من النماذج المؤلمة التي ظهرت ايضا خلال هذا الحرب، مقطع فديو بتاريخ 27 ابريل 2024 عبر منصات سوشل ميديا عبر حسابات تتبع لاشخاص يتبعون لقوات الدعم السريع بمنطقة صالحة بولاية الخرطوم ، ظهرت في تلك الفديو عناصر يتبعون لقوات الدعم السريع و هم يحتجزون اشخاص بزي مدني تترواح عددهم حوالي ثلاثين شخص ، يتهمونهم بالتعاون مع الجيش السوداني قبل ان يقمون باطلاق نار عليهم و من ثم حرقهم في منظر بشع لا تمت للانسانية بصلة ، في اليوم التي تليه عبر قانة الجزيرة اعترف مستشار قائد قوات الدعم السريع مصطفي محمد ابراهيم علي انها عملية نوعية لقوات الدعم السريع مشيدا بها ، و الدفاع عنها محاولا بحجة انهم ليسوا مدنيين ؛ متاجاهلا القانون الدولي الانساني ترفض و تدين تلك السلوك سواء كان ضد المدنيين ام الاسرى او الجرحى ، لانهم محمون بموجب قواعد القانون الدولي الانساني . لم تكن تلك الحادثة التي وصفت بانها مجزرة صالحة الاولى من نوعها ، بل هناك عشرات الفديوهات الماكدة التي تثبت قتل و تعذيب الاسري و معاملتهم معالة غير انسانية .
احد الاحداث البشعة التي وجدت الاستنكار علي نطاق واسع ، و التي استفزت جموع كثير من السودانيين و خاصة الديسمبرين ( الذين قادوا ثورة ديسبمر التي اطاحت بنظام عمر البشير ) مقتل محمد صديق ، الجندي التي تقاتل في صف الجيش السوداني في مايو 2024 عندما تم اسره و ظهر في مقطع فديو بثته قوات الدعم السريع في محور الجيلي اثناء المعارك التي دارت بين الجيش السوداني و قوات الدعم السريع في تلك المحاور ، تم سؤاله من قبل جندي يتبع لقوات الدعم السريع كيف وجدت المعاملة ؟ مجاوباً بسؤال من اي ناحية ؟ بعده تم ضربه باليد و من ثم ظهر جثته قتيلا . تلك الحادثة وجدت استنكار واسع معللا ان محمد صديق لم يكن شخص عادي بل ينظرون له بطل و ايقونة ثورة ديسمبر . عندما اعتصم المتظاهرين امام بوابة مقر القيادة العامة للقوات المسلحة في العام 2019 مطالبين القوات المسلحة بتدخل و الانحياز لصف الشعب ، وقف محمد صديق مع المتظاهرين السلميين دعاء فيه مؤسسة الجيش بالوقوف مع المظاهرين و الانحياز لصف الثوار ، كان يحمل رتبة ملازم اول انذاك قبل ان يحيل الي المعاش في 2020 و من ثم يعود مجددا الي صفوف الجيش بعد حرب 2023 .
بهذا النماذج القليلة ضمن الالاف من حالات العنف الممنهج التي تم ضد المدنيين ، و الجرحى و المرضى و اسرى الحرب ، التي شهدتها و وثقتها العالم اجمع ، لم تتم انتهاك قواعد القانون الدولي الانساني في السودان فحسب ، بل جري تمزيقها و تمزيق ما تبقي من هيبتها حتي تفرقت اشلاؤها.
و السلام