من واشنطن إلى الرياض: كيف يغير لقاء ترامب - بن سلمان مسار الحرب في السودان؟ كتبه محمد عبدالله

من واشنطن إلى الرياض: كيف يغير لقاء ترامب - بن سلمان مسار الحرب في السودان؟ كتبه محمد عبدالله


11-27-2025, 02:39 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1764254375&rn=0


Post: #1
Title: من واشنطن إلى الرياض: كيف يغير لقاء ترامب - بن سلمان مسار الحرب في السودان؟ كتبه محمد عبدالله
Author: محمد عبدالله ابراهيم
Date: 11-27-2025, 02:39 PM

02:39 PM November, 27 2025

سودانيز اون لاين
محمد عبدالله ابراهيم-الخرطوم-السودان
مكتبتى
رابط مختصر









[email protected]



نادراً ما تتغير أولويات القوى الكبرى تجاه أزمات بعيدة ومعقدة مثل الأزمة السودانية، ومع ذلك وجد السودان نفسه فجأة في قلب دوامة السياسة الدولية، كما لو أن التاريخ اختار أن يسلط الضوء على محنة هذا البلد المهمل. ففي 18 نوفمبر 2025، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال لقائه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في البيت الأبيض استعداده لـ«العمل فوراً» لوضع حد لما وصفه بـ«الفظائع المروعة» في السودان، فمن النظرة الأولى قد يبدو التصريح مجرد حماسة سياسية عابرة، إلا أن جوهره يحمل نقطة تحول مهمة قد تعيد ترتيب موازين القوى الإقليمية والدولية، وتفتح أبواباً كانت مغلقة منذ اندلاع الحرب، وتعيد طرح السودان كقضية مركزية في المعادلة الدولية.



هذا التحرك لا يقتصر على كونه امتداداً لجهود الوساطة التقليدية القائمة، بل يمثل فرصة لإعادة رسم خريطة السلام في السودان من جذورها، عبر إدخال ثقل سياسي أمريكي غير معتاد، مدعوم بديناميكية إقليمية سعودية متصاعدة، بحيث لم يعد الدور السعودي مجرد فتح أبواب الحوار كما في منبر جدة، بل تحول إلى دور أكثر عمقاً وفاعلية، يعكس إدراك الرياض لضرورة إعادة صياغة معادلات الاستقرار في القرن الأفريقي والبحر الأحمر، ليس كوسيط متفرج، بل كلاعب أساسي نشط يمتلك القدرة على التأثير وصناعة القرار.

الرياض، التي تسعى لرسم حضورها الإقليمي على أسس جديدة من الطموح السياسي والنفوذ الاقتصادي، تدرك أن السودان ليس مجرد ساحة نزاع بعيدة، بل امتداد مباشر لأمنها الوطني ومجالها الحيوي، ومن هذا الوعي انتقلت من إدارة الأزمة إلى هندسة الحل، فظهرت مبادرة قادرة على قلب موازين الحرب، مستثمرة نفوذها المباشر على جميع الأطراف المتصارعة، الجيش والدعم السريع معاً، لتعيد تشكيل المشهد السياسي والأمني في السودان.

ولطالما أُديرت الأزمة السودانية ضمن أطر تقليدية، سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي، مثل منبر جدة الذي ترعاه السعودية والولايات المتحدة، ورغم أهميته، فإن هذه الجهود لم تفض بعد إلى وقف دائم لإطلاق النار، ولا إلى إطلاق عملية سياسية شاملة يمكن أن تعيد للبلاد استقرارها المفقود.

ترامب بأسلوبه المباشر وقدرته على تحقيق اختراقات غير متوقعة يمثل ورقة ضغط دولية لا يمكن تجاهلها، خاصة ان هذا التدخل جاء بطلب مباشر من الأمير محمد بن سلمان، ما يمنح المبادرة بعداً إقليمياً قوياً ويؤكد الدور المحوري للسعودية في المنطقة، لا سيما ان السعودية تحولت من وسيط تقليدي في منبر جدة إلى شريك رئيسي في مبادرة سياسية جديدة، ومحرك رئيسي للتدخل الأمريكي في الازمة السودانة، والولايات المتحدة انتقلت من شريك في جهود جدة إلى قوة ضغط دولية غير تقليدية تهدف إلى إنهاء الحرب بأسلوب حاسم وسريع، اما السودان، من طرف متلقي للوساطات التقليدية، أصبح اليوم أمام ضغط إقليمي ودولي موحد لفرض تسوية النزاع.

لقد لقي إعلان الرباعية الأمريكية - السعودية ترحيباً واسعاً بين السودانيين، لأنه استجاب لمطالب غالبية الشعب السوداني، ووضع مبادئ للحل تعالج جذور الأزمة، وركز الإعلان على ربط وقف الحرب بإنهائها كحزمة واحدة، إذ أن السلام الدائم في السودان لا يتحقق عبر صفقات مؤقتة تعيد إنتاج الأزمة أو تكافئ أطراف الحرب، وخاصة الحركة الإسلامية السودانية التي اختطفت الدولة وهددت الاستقرار الإقليمي والدولي، سيما ان هذه الحرب ليست مجرد صراع بين طرفين، بل نتيجة أطماع الإسلاميين في السلطة والموارد، وهي حرب ضد إرادة الشعب السوداني الذي قاد ثورة ديسمبر المجيدة، ولذلك فان أي اتفاق سلام لا يحظى بدعم جماهيري واسع، راغب في الحرية والسلام والعدالة، سيكون هشاً وغير مستدام.

يحتاج السودان اليوم إلى مسار واحد متكامل يجمع بين الأبعاد الإنسانية والسياسية والأمنية في إطار شامل وعادل، ومن الضروري ربط العملية الإنسانية التي تقودها الرباعية الأمريكية - السعودية مع العملية السياسية التي يشرف عليها الاتحاد الأفريقي، وكذلك مع الترتيبات الأمنية بين أطراف الحرب، لضمان توافق الجهود وتحقيق سلام مستدام.



ان نجاح إعلان ترامب يتطلب تنسيقاً على أعلى مستوى بين بلدان الرباعية، لضمان توافق الأطراف واستجابة فعالة للاحتياجات الإنسانية العاجلة للشعب السوداني، ويعتبر توافق بلدان الرباعية الأساس لتعزيز فرص تحقيق هدنة إنسانية ينتظرها ملايين السودانيين بفارغ الصبر، ووقف الحرب، وتحقيق سلام مستدام، وإعادة المسار المدني الديمقراطي الذي ينشده الشعب السوداني.

يشهد السودان اليوم لحظة شبيهة بمفترق طرق حقيقي .. إما اختراق سياسي جاد يفتح باب الخروج من النفق، أو انزلاق أخطر نحو فوضى غير قابلة للتنبؤ. غير أن دخول الرئيس ترامب على خط الأزمة يشير إلى تحول لافت في ميزان القوى، ويمنح السعودية زخماً إضافياً لقيادة عملية سلام حقيقية، ويضع الأطراف السودانية أمام اختبار صارم .. إما القبول بتسوية تنهي الحرب، أو مواجهة ضغوط دولية غير مسبوقة.

ولم يعد لقاء ترامب بالأمير محمد بن سلمان مجرد اجتماع عابر، بل بات إشارة واضحة على انتقال ملف السودان من مرحلة إدارة الأزمة إلى محاولة حلها جذرياً، ورغم أن نجاح المبادرة لا يزال رهناً بعوامل كثيرة وقد يتعرض للتعثر، فإن المؤكد أن السودان أصبح أقرب من أي وقت مضى إلى لحظة سياسية مهمة يمكن أن تعيد تشكيل مسار الأزمة، خاصة إذا أحسن السودانيون، ولا سيما الأحزاب والمجموعات السياسية، قراءة هذه اللحظة النادرة والتعامل معها بروح المسؤولية الوطنية، فإن هذه النافذة الدولية - الإقليمية يمكن أن تتحول إلى بداية مسار جديد يوقف الحرب ويفضي الى سلاماً مستداماً، ويعيد للبلاد ما فقدته في سنوات الخراب من استقرار وازدهار، ويمهد لمرحلة من جديدة من التقدم تبنى في ظل حكم مدني ديمقراطي يختاره الشعب السوداني بإرادته الحرة.