السودان للبيع- حرب الدماء وشراء الشرعية عبر أسواق واشنطن والصحافة العالمية

السودان للبيع- حرب الدماء وشراء الشرعية عبر أسواق واشنطن والصحافة العالمية


11-26-2025, 02:19 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1764166768&rn=0


Post: #1
Title: السودان للبيع- حرب الدماء وشراء الشرعية عبر أسواق واشنطن والصحافة العالمية
Author: زهير ابو الزهراء
Date: 11-26-2025, 02:19 PM

02:19 PM November, 26 2025

سودانيز اون لاين
زهير ابو الزهراء-السودان
مكتبتى
رابط مختصر




السودان للبيع-حرب الدماء وشراء الشرعية عبر أسواق واشنطن والصحافة العالمية

مقال عبد الفتاح البرهان في وول ستريت جورنال ليس محاولة لتفسير الأزمة السودانية، بل عملية علاقات عامة ممنهجة ومكلفة تهدف إلى تسويق الحرب على جثة الوطن وشراء شرعية دولية
في الوقت الذي فقد فيه الجيش السيطرة على الأرض، وفقد قائده السيطرة على المشهد السياسي.
هذا الخطاب لم يُوجَّه للسودانيين الذين ينزفون، ولا حتى للعالم العربي أو الأفريقي، بل لصناع القرار في واشنطن فقط: «صدقوا روايتي، وأعطوني الضوء الأخضر، وسأبيع لكم أمن الإقليم بالجملة»
في المقال، حرص البرهان على تقديم الحرب كـ«تمرد مفاجئ» أشعلته قوات الدعم السريع وحدها، متجاهلًا تمامًا أن الدولة نفسها صنعت قوتين مسلحتين متوازيتين، مولتهما وشرعنتهما، ثم تركتهما تتصارعان حتى الانفجار
هذه الرواية ليست بريئة، بل عملية مسح ممنهج لذاكرة قريبة أمام قارئ غربي لا يعرف عن السودان سوى عناوين عابرة. الحرب لم تبدأ في أبريل 2023، بل منذ اللحظة التي قرر فيها النظام احتضان «الجنجويد» وتحويلهم
إلى كيان اقتصادي وعسكري موازٍ، ثم تفاجأ حين انقلب السحر على الساحر
أخطر ما في المقال ليس ما قيل، بل لمن قيل. كل الحديث عن الإرهاب، أمن البحر الأحمر، مصالح إسرائيل، أو حماية الممرات الاستراتيجية، ليس تحليلاً موضوعيًا، بل عرض صفقة علنية: «أبقوني على رأس الجيش وفوق القانون
وسأضمن لكم ألا يقترب أي تهديد من ممراتكم التجارية»
هذا ليست دبلوماسية دولة، بل مزاد جيوسياسي يُباع فيه موقع السودان الاستراتيجي مقابل بقاء فرد في السلطة
الديمقراطية مجرد شعار بروتوكولي، طلاء تجميلي يُقدّم للغرب بينما المدن تحترق والجيش منقسم والدولة مفككة
الانقلاب الحقيقي لم يحدث في أبريل 2023، بل في أكتوبر 2021 حين أجهض البرهان الشراكة مع المدنيين، ثم مكّن الدعم السريع ليصبح دولة داخل الدولة.
وفي الوقت الذي يحاول فيه البرهان تقديم نفسه كقائد صادق يسعى للسلام، يكشف الواقع خطواته العملية: التعاقد مع شركات ضغط أمريكية لتلميع صورته أمام واشنطن
بحسب تقارير صحفية، فقد دفعت السفارة السودانية 120 ألف دولار لشركة بالارد بارتنرز، والتي بدورها استعانت بشركة في إس جلوبال، لتقديم استشارات دعائية واستراتيجيات للتأثير على صناع القرار الأمريكي والكونغرس
وحتى على حكومات الخليج وإسرائيل وروسيا. هذه الشركات ربحية بحتة، هدفها المال، وسبق أن استخدمت لصالح نظام البشير دون جدوى، فلماذا نتوقع أن تنجح الآن؟
الصفقات المكلفة تكشف الوجه الحقيقي للبرهان قائد يحاول شراء شرعية خارجية بينما البلاد تحترق داخليًا التلاعب بالرأي الأمريكي والعالمي لا يغيّر حقيقة أن المدنيين في دارفور والجزيرة والخرطوم يواجهون مآسي يومية
وأن الجيش بقيادة البرهان متورط في جرائم حرب محتملة، من استهداف المدنيين إلى استخدام الطيران الحربي لقصف الأحياء المأهولة
المقال يعكس ذهنية أمنية قديمة، تهرب من المحاسبة وتصفية الحسابات الداخلية. يتحدث عن تهديدات الدعم السريع، لكنه يتجنب الأسئلة الجوهرية هي
من مول الدعم السريع ومنحهم المناجم والشركات؟ من صمت على تجاوزاتهم في دارفور وكردفان والجزيرة؟
من وقع اتفاق جوبا وترك بنوده تُنتهك يوميًا؟
كل هذا يغيب عن المقال، ليحل محله خطاب دبلوماسي إنجليزي يبيع الرواية الرسمية للعالم نحن نملك الحقيقة المطلقة.
ما يفعله البرهان ليس تحليلًا للأزمة، بل تحويل الحرب إلى حملة علاقات عامة مدفوعة
مع كل تصريح مدوَّن في وول ستريت جورنال وكل دولار يُدفع لشركات الضغط الأمريكية، يُعمّق الانفصال بين السلطة والشعب
السودان لا يحتاج مقالات مصقولة في صحف أجنبية، بل يحتاج شجاعة سياسية تعترف بالأخطاء، وإرادة حقيقية لوقف الدم، ومحاسبة وطنية لا تُؤجل
محاولات اللبرهان تبييض وجهه أمام واشنطن لا تعكس أي استعداد لتحمل المسؤولية أمام السودانيين بل على العكس، كلما زادت جرائم الجيش، زادت الحاجة إلى شركات الضغط لتعويض الفشل الداخلي والفضيحة الإنسانية التي أوقعها بنفسه
تحالفاته المشبوهة مع الإسلاميين والميليشيات جعلت السودان يغرق في صراعات وانقسامات لا تنتهي، وكل خطوة خارجية لشراء صورة نظيفة لن تغير حقيقة الدماء التي أراقها هو ومن حوله

في النهاية، مقال البرهان وتحركاته الدعائية هي رسالة واضحة: السودان سلعة تُسوَّق في أسواق واشنطن، والشعب يدفع الثمن دماً وتهجيراً وجوعاً , و الحقيقة الوحيدة التي لا يمكن لأي حملة علاقات عامة أن تمحوها
هي أن الدولة مدمرة، الجيش منقسم، والمدن تحترق، وأن قيادة البلاد اليوم تبحث عن شرعية خارجية بينما الوطن ينهار
لا يمكن بناء السلام على الأوهام، ولا يمكن تلميع وجه غارق في الدماء عبر اللوبيات، والحقيقة هي أقوى حليف للسودان، حتى لو رفض البرهان الاعتراف بها.