التصعيد الأمريكي ضد الجماعات الإسلامية… وكيف ينعكس على معادلة الحرب والسلام في السودان كتبه أواب عز

التصعيد الأمريكي ضد الجماعات الإسلامية… وكيف ينعكس على معادلة الحرب والسلام في السودان كتبه أواب عز


11-26-2025, 00:55 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1764118519&rn=0


Post: #1
Title: التصعيد الأمريكي ضد الجماعات الإسلامية… وكيف ينعكس على معادلة الحرب والسلام في السودان كتبه أواب عز
Author: أواب عزام البوشي
Date: 11-26-2025, 00:55 AM

00:55 AM November, 25 2025

سودانيز اون لاين
أواب عزام البوشي-Sudan
مكتبتى
رابط مختصر





لم تكن خطوة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتفعيل أمر تنفيذي يفتح الباب أمام تصنيف جماعة الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية معزولة عن سياقها الإقليمي. فالإدارة الأمريكية، في لحظة مشحونة بالتحولات، اختارت مواجهة واحدة من أوسع الشبكات السياسية والدعوية العابرة للحدود، معلنة أنها لم تعد تفصل بين خطاب الجماعة وبين دوائر العنف وعدم الاستقرار في الشرق الأوسط. ومنذ اللحظة التي نشر فيها البيت الأبيض “ورقة الحقائق” التي تشرح دوافع القرار، بدا واضحاً أن واشنطن تريد إعادة هندسة معادلة الأمن الإقليمي، وإعادة تعريف اللاعبين الذين يشكّلون تهديداً مباشراً لمصالحها أو مصالح حلفائها.
جاء القرار في توقيت بالغ الحساسية. ففي المنطقة تتقاطع خطوط النار من غزة إلى اليمن ولبنان، وتتصاعد المواجهة مع وكلاء إيران، بينما تكافح دول الخليج لتثبيت توازناتها في بيئة متناقضة. وفي السودان تحديداً، كانت واشنطن تراقب حرباً مشتعلة تتداخل فيها الحسابات المحلية ، وتتزايد فيها مؤشرات الاختراق الأيديولوجي، خاصة بعد تصاعد نشاط تيارات الإسلام السياسي داخل مفاصل القرار المرتبط بالحرب.
فعندما أعلن البيت الأبيض أن بعض فروع الجماعة في لبنان ومصر والأردن متورطة في دعم العنف والتنسيق مع حماس وحزب الله، كان العالم يقرأ الرسالة الأولى. أما الرسالة الثانية فكانت موجهة إلى الأطراف التي تستند إلى الفكر نفسه أو تعتبره مصدر شرعية لاستمرار الصراع. في هذه اللحظة تحديداً برز السودان كساحة مترابطة مع المشهد الأكبر، لا بوصفه حرباً بين جيش والدعم السريع فقط، بل كمساحة تتصارع داخلها مشاريع سياسية متعددة، أحدها المشروع الإسلامي الذي يسعى لاستعادة السيطرة عبر خطاب الحرب والتعبئة.
وبينما كانت واشنطن تشدد لهجتها ضد الإخوان في الشرق الأوسط، كان المشهد السوداني يتحرك في اتجاه آخر؛ تصعيد في خطاب الحركة الإسلامية، وتشبث بخيار الحرب، وتلميح دائم إلى امتلاك “حق تحديد مسار الدولة”. ومع كل ذلك، انهمرت تصريحات من قيادات محسوبة على النظام القديم تلمّح إلى رفض أي تسوية لا تمنح الإسلاميين موقعاً متقدماً في السلطة، حتى وإن كان الثمن استمرار الحرب.
ثم جاءت التحركات السعودية لتضيف طبقة جديدة . فالاتصالات المكثفة التي أجراها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان مع الإدارة الأمريكية، ومع الرئيس ترامب شخصياً، أعادت السودان إلى طاولة النقاش الدولي، خصوصاً بعد الأنباء عن وصول وفد من الحوثيين إلى بورتسودان، وما أثاره ذلك من قلق بشأن اختراق جديد يغيّر طبيعة الصراع. وفي ذات الوقت، كانت الإمارات تعيد تأكيد موقف ثابت: لا للحرب، لا لتمديد النفوذ الإسلامي، ولا للتلاعب بالحقائق عبر الاتهامات التي يتم تسويقها داخلياً للهروب من مسؤولية الانهيار.
وفي خضم هذا المشهد، جاءت تصريحات الدكتور سالم اليامي، المستشار السابق بوزارة الخارجية السعودية، لتكشف جانباً مسكوتاً عنه في الرواية السودانية. فقد أشار إلى أن الحرب لم تكن نتيجة مؤامرة خارجية، بل خلافات داخلية عميقة داخل بنية الدولة والمؤسسة العسكرية نفسها، . كما لفت إلى أن مسار جدة تعثّر لأن مقاربة الجيش للمفاوضات كانت قائمة على منطق العزل وليس التسوية، وعلى تقديم نفسه باعتباره الدولة، ووصف الآخرين بأنهم مجرد مليشيا عميلة. وهي المقاربة نفسها التي يتبناها تيار الإسلام السياسي كجزء من خطته للعودة.
وهنا تتقاطع الدائرة السودانية مع الدائرة الأمريكية. فالتصعيد ضد الإخوان لا يعني فقط ملاحقة فروع الجماعة في مصر ولبنان والأردن، بل يمتد ليشمل كل بيئة يُستخدم فيها الخطاب الإسلامي كغطاء لاستمرار الحرب وتوجيه القرار السياسي بعيداً عن منطق الدولة. وهذا يضع الحركة الإسلامية السودانية في مواجهة لحظة إقليمية ودولية حرجة، خاصة مع بدء الولايات المتحدة تنفيذ إجراءات ضد أذرع الجماعة، وتكليف وزارتي الخارجية والخزانة بتحديد الفروع المرتبطة بالعنف خلال فترة محددة لا تتجاوز 45 يوماً.
ومع عودة الملف السوداني إلى أعلى مستويات النقاش بين الرياض وواشنطن والرباعية، يبدو أن معادلة الحرب والسلام مقبلة على إعادة تشكيل. فالثقل الإقليمي الذي تضعه السعودية على طاولة الملف، والموقف الإماراتي الثابت ضد الإسلام السياسي، والاتجاه الأمريكي نحو تجفيف مصادر التمويل والتأثير لجماعة الإخوان، كلها عناصر تضيق المساحة أمام التيار الإسلامي السوداني، وتجعل استمرار الحرب خياراً أكثر تكلفة وأقل فعالية.
إن السودان يدخل مرحلة جديدة، مرحلة لم يعد فيها ممكناً أن تظل القرارات الكبرى محتجزة داخل غرف الحركة الإسلامية، أو معلّقة برؤية جناح من المؤسسة العسكرية يريد أن يخوض حرباً بلا نهاية. فكلما ازداد الضغط الدولي على الجماعات الإسلامية، تقلصت قدرة هذا التيار على التحكم في مسار الصراع، وازدادت قوة الدعوات الإقليمية لوقف الحرب والدخول في تسوية شاملة.
وهكذا، قد يصبح التصعيد الأمريكي ضد الجماعات الإسلامية، بحساباته الأمنية الواسعة، عاملاً حاسماً في إعادة توجيه البوصلة السودانية نحو السلام، أو على الأقل كبح أولئك الذين يرون في استمرار الحرب فرصة لاستعادة مشروع سقط منذ أن خرج السودانيون إلى الشوارع مطالبين بدولة لا تدار من وراء ستار.