سقط هُبَل الاخوان في السودان كتبه الصادق حمدين

سقط هُبَل الاخوان في السودان كتبه الصادق حمدين


11-25-2025, 10:50 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1764111017&rn=0


Post: #1
Title: سقط هُبَل الاخوان في السودان كتبه الصادق حمدين
Author: الصادق حمدين
Date: 11-25-2025, 10:50 PM

10:50 PM November, 25 2025

سودانيز اون لاين
الصادق حمدين-UK
مكتبتى
رابط مختصر




منذ صعود الحركة الإسلاموية السودانية المرتبطة فكرياً وتنظيمياً بجماعة الإخوان المسلمين إلى السلطة عبر انقلاب 30 يونيو 1989، دخل السودان مرحلة مفصلية اتسمت بإعادة تشكيل الدولة وفق أيديولوجيا مغلقة استندت إلى مشروع “التمكين”. وقد سجّلت الدراسات السياسية ومنها أعمال فاطمة أحمد إبراهيم، د. منصور خالد، وإليزابيث هودجكين. ومن الإسلامين أنفسهم د. عبد الوهاب الأفندي ود. حسن مكي، والمحبوب عبد السلام، أن هذا التحول لم يكن مجرد انتقال للسلطة، بل إعادة هندسة كاملة للجهاز السياسي والاقتصادي والأمني وفق فلسفة التنظيم لا وفق مفهوم الدولة المدنية. وتشير أدبيات الفترة (1990–2019) إلى أن الحركة اعتمدت منهج “الأسلمة المؤسسية”، أي إحلال الولاء الحزبي في مواقع القرار وإقصاء كل بنية غير منسجمة أيديولوجياً مع مشروعها، وهو ما تناوله منصور خالد عند تحليله تراكم السلطة الأحادية ونتائجه.

وفي سياق ممارسات العنف المنهجي، تؤكد الشهادات التي جمعتها منظمات حقوقية دولية مثل هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية أن حقبة التسعينيات شهدت استخداماً واسعاً لآليات القمع السياسي التي مثّلتها ما عُرف ببيوت الأشباح، حيث وثّقت تلك المنظمات حالات تعذيب وإخفاء قسري لسياسيين وضباط وصحافيين لا لكونهم تهديداً أمنياً، بل لكونهم تهديداً أيديولوجياً لنظام قائم على احتكار السلطة. كما شهدت السنوات الأولى للانقلاب حملة إعدامات عُرفت بـ“مجزرة رمضان” عام 1990، والتي أكدت تقارير محلية ودولية أنها كانت تعبيراً عن عسكرة الصراع السياسي داخل المؤسسة العسكرية. وتُظهر هذه الوقائع نمط حكم يقترب مما يُعرَف في العلوم السياسية بـ“الدولة الحزبية الأمنية”، حيث تذوب مؤسسات الدولة في جهاز عقائدي يعتمد العنف وسيلةً للضبط والسيطرة.

ومع اتساع دائرة العنف، لعبت الحركة الإسلاموية دوراً محورياً في تأجيج النزاعات الداخلية، سواء عبر الدفع العسكري والعقائدي في الحرب الأهلية بجنوب السودان، كما تشير كتابات أليكس دي وال وجولي فلنت وريك راديتز، أو عبر سياسات التعامل مع أزمة دارفور التي وثّقتها لجان تقصّي الحقائق التابعة للأمم المتحدة في 2004–2005. برئاسة القاضي انتوني كاسيسي، وقد استندت المحكمة الجنائية الدولية إلى تلك الوقائع عندما أصدرت مذكرات توقيف بحق الرئيس عمر البشير وعدد من معاونيه، في حدث غير مسبوق في السياسة العربية والإفريقية، ما عزز توصيف المشروع الإسلاموي بأنه مشروع ذي ممارسات منهجية في العنف السياسي تتقاطع في بنيتها مع ما يُدرَس تحت مظلة الإرهاب السياسي المنظم.

وفي الجانب الاقتصادي والاجتماعي، تظهر التحليلات الاقتصادية، ومنها أعمال صديق أمبدة وتقارير البنك الدولي، أن سياسة التمكين لم تقتصر على السياسة والأمن، بل امتدت إلى السيطرة على البنوك، وتخصيص الموارد، وإعادة توزيع الثروة لمصلحة كوادر التنظيم. وقد أدّت هذه السياسات إلى تفكيك الطبقة الوسطى السودانية وإضعاف مؤسسات الدولة المدنية، كما وثّق الباحث عبد الغفار محمد أحمد في دراساته حول البُنى الاجتماعية، لتصبح الدولة أسيرة شبكات الولاء الحزبي بدلاً من سياسات المصلحة العامة، وهو ما مهّد لانهيار اقتصادي واسع بلغ ذروته قبل ثورة ديسمبر المجيدة.

وعندما خرج السودانيون في ديسمبر 2018 بهتاف “حرية، سلام، وعدالة”، كان ذلك تعبيراً عن وعي جمعي تراكم على مدى ثلاثة عقود من العنف الممنهج. وقد أظهرت دراسات المركز العربي للأبحاث (2019–2021) أن الثورة لم تكن مجرد احتجاج اقتصادي، بل مشروعاً مضاداً للأيديولوجيا الإسلاموية يسعى لاستعادة الدولة من قبضة التنظيم. ومع انكشاف شبكات التمكين وانهيار التحالفات العسكرية التي كانت تحمي النظام، سقط أحد أكبر معاقل الإخوان المسلمين في المنطقة، في لحظة اعتبرها كثير من الباحثين نهاية أطول وأعمق تجارب الإسلام السياسي الحاكم في المنطقة.

وتدل التجربة السودانية في مجملها على أن الدولة المختطفة لصالح أيديولوجيا محددة تتحول بالضرورة إلى بيئة تسمح بتمدد العنف السياسي، وأن استعادة الدولة المدنية ليست خياراً سياسياً فحسب، بل ضرورة وجودية. وبينما يتهاوى الإرث الإسلاموي، يبقى التحدي الأهم أمام السودان اليوم هو بناء مؤسسات قانونية محايدة تمنع إعادة إنتاج أي مشروع حزبي مغلق يستبدل الدولة بالتنظيم. وهكذا تبدو نهاية المشروع الإخواني في السودان ليست نهاية جماعة سياسية فحسب، بل نهاية مرحلة كاملة من التاريخ السياسي الحديث، وبداية مرحلة تتأسس على الدولة لا العقيدة، وعلى المواطنة لا الولاء التنظيمي.

لقد خلّفت تجربة التنظيم الإسلامي في السودان إرثاً ثقيلاً من الانتهاكات والأزمات، وهو ما جعل الكثيرين يرون في مسيرته نموذجاً واضحاً للممارسات التي ترتبط بالإرهاب السياسي والفكري. فإذا لم تُعدّ تلك التجربة، بما حفلت به من ممارسات عنيفة وممنهجة، شكلاً من أشكال التطرف الذي يستدعي المساءلة والتصنيف والتنظيم القانوني، فكيف يمكن إذن تعريف الإرهاب نفسه؟ إن هذا السؤال يفرض على صُنّاع القرار والقوى السياسية والاجتماعية إعادة تقييم الحقائق المؤلمة التي عاشها السودان تحت حكم هذا التنظيم، والنظر بجدية في مسألة تصنيف الإخوان المسلمين تنظيماً إرهابياً، استناداً إلى ما تراكم من وقائع وشهادات وتداعيات مستمرة إلى يوم الناس هذا.

الصادق حمدين
[email protected]