نظام التلقين والحفظ في المناهج السودانية وغياب التفكير النقدي (Critical Thinking): انعكاساته على وع

نظام التلقين والحفظ في المناهج السودانية وغياب التفكير النقدي (Critical Thinking): انعكاساته على وع


11-24-2025, 02:49 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1763952571&rn=0


Post: #1
Title: نظام التلقين والحفظ في المناهج السودانية وغياب التفكير النقدي (Critical Thinking): انعكاساته على وع
Author: مكي إبراهيم مكي
Date: 11-24-2025, 02:49 AM

02:49 AM November, 23 2025

سودانيز اون لاين
مكي إبراهيم مكي-TX
مكتبتى
رابط مختصر





نظام التلقين والحفظ في المناهج السودانية وغياب التفكير النقدي (Critical Thinking): انعكاساته على وعي المجتمع

مكي ابراهيم مكي

اظهرت الحرب الاخيرة التي شهدها السودان على مدى اكثر من ثلاث سنوات ازمة حقيقية في قدرة المجتمع السوداني بمختلف مستوياته على قراءة الاحداث وفهمها وتحليلها بعمق. بدا واضحا ان جزءا كبيرا من السودانيين يعيشون في ظل وعي جمعي - سلوك القطيع - مسطح ومنقاد، حيث يسهل التأثير عليهم وتوجيههم وفق ما تخطط له الجهات الاعلامية والسياسية لارباب الحرب، دون ان يكون لديهم
قدرة تمنحهم تحليل المشهد السياسي السوداني وفهم دينامياته المعقدة، واستنتاج العوامل المؤثرة على الأحداث، وقراءة المواقف السياسية بدقة، مما يساعدهم على التفكير النقدي واتخاذ قرارات واعية…

هذه الظاهرة ليست وليدة الصدفة، بل هي نتيجة مباشرة لنظام التعليم الذي اعتمدته المناهج التعليمية في المدراس السودانية منذ عقود في عهد ما بعد الاستعمار، وهو نظام التلقين (rote memorization – (الحفظ عن ظهر قلب)، والذي يعتمد أساسا على حفظ المقررات الدراسية ابتداء من جدول الضرب الى حفظ النصوص والمحفوظات الادبية والمقالات التاريخية وغيرها من المقررات، الذي يزرع في الطالب عادة الاعتماد على الحفظ والتكرار دون فهم او تحليل حقيقي، حيث يصبح الطالب آلة تحفظ المعلومات فقط، ولا يمتلك القدرة على التحليل والابداع والتفكير – ملكة التفكير –…

يقوم نظام التلقين – الحفظ عن ظهر قلب – أساسا على تعليم الطالب أن يحفظ المعلومات ويرددها كما هي، دون أن يمنح الفرصة للتفكير فيها أو مناقشتها. هذا الأسلوب يضعف ملكة التفكير لديه ويحد من قدرته على التمييز بين الصواب والخطأ، ويتركه فريسة سهلة للانقياد بما يردد أو ينشر. ومع مرور الوقت، يتحول الطالب إلى شخص لا يملك أدوات التفكير النقدي (critical thinking)، بل يكتفي بإعادة ما يسمع أو يقرأ دون مساءلة، مما يعزز ظاهرة القطيع في المجتمع ويجعل الجماهير أكثر قابلية للتأثر بالإعلام الموجه والأفكار الجاهزة…

الأثر الاجتماعي لنظام التلقين أصبح واضحا في الأزمات التي شهدها السودان، حيث يغيب التحليل الموضوعي للأحداث ويحل محله تبني مواقف عامة دون فهم عميق، وهو ما يفسر انتشار الانقسامات والتأثر بالخطابات الإعلامية والسياسية المنظمة وفق أجندات معينة. كما أن التعليم القائم على الحفظ لا يشجع على الإبداع أو التفكير الابتكاري، فلا يجد الطلاب الفرصة للتساؤل أو البحث عن حلول جديدة للمشكلات المعقدة التي تواجه المجتمع…

أثر التلقين على الحياة اليومية والسياسية للسودانيين؛

نظام التلقين أو الحفظ في المدارس السودانية لم يقتصر أثره على المجال التعليمي فحسب، بل امتد إلى حياة السودانيين اليومية والسياسية، حيث أصبح من الصعوبة على النخب السودانية اتخاذ قرارات مدروسة لحل الأزمات المعقدة التي يمر بها البلد. واعتمدت الكثير من الحلول السياسية والاجتماعية في الصراعات التي شهدها السودان منذ عقود على مقترحات جاهزة ومبادرات خارجية، مع غياب تام لثقافة الحوار والنقاش النقدي. وقد أدى ذلك إلى تفاقم الانقسامات داخل المجتمع وتقليل فرص المشاركة الفاعلة والمسؤولة في النقاشات المجتمعية واتخاذ المواقف السياسية المستقلة، وهو ما يفسر جزئيا فشل الحوار السياسي بين السودانيين واستمرار الأزمات السياسية والاجتماعية في البلاد، وكل ذلك نتيجة نظام التلقين الغير مبدع وغير مبتكر…

على النقيض من ذلك، تتبنى أنظمة التعليم في الدول الغربية أسلوب التفكير النقدي (critical thinking approach)، الذي يشجع الطالب على التحليل والمقارنة والتقييم قبل قبول أي فكرة. هذا الأسلوب يجعل الطالب شخصا واعيا، قادرا على مواجهة المعلومات المغلوطة واتخاذ قرارات مدروسة في حياته اليومية والمجتمعية، كما يعزز قدرة المجتمع على بناء وعي جمعي مستقل عن التوجيهات الإعلامية والسياسية. التفكير النقدي لا يقتصر على التعليم الأكاديمي، بل يمتد ليشكل ثقافة عامة تدعم المشاركة الفاعلة والمسؤولة في الحياة العامة…

يمكن القول أن نظام التلقين (الحفظ عن ظهر قلب) في المدارس السودانية لم يقتصر أثره السلبي على ضعف ملكة التفكير لدى الفرد فحسب، بل ساهم أيضا في ترسيخ وعي جمعي محدود وسهل التوجيه، مما انعكس على قدرة المجتمع على التعامل مع الأزمات وفهم الأحداث بعمق، وأصبح أثره واضحا على الفشل الذي يعيشه السودان منذ عقود. بينما يوفر التعليم المبني على التفكير النقدي (critical thinking) نموذجا فعالا لبناء جيل قادر على الإبداع والمبادرة والتحليل، وهو جيل يمكنه مواجهة تحديات المستقبل بثقة ووعي…

إن استمرار الاعتماد على نظام التحفيظ والتلقين يعني استمرار ضعف المجتمع في الرؤية والاستيعاب والتحليل، ولن يتحقق التطور المنشود إلا من خلال إصلاح نظام التعليم ليصبح قائما على الفهم النقدي والتفكير المستقل (critical understanding and independent thinking)، ليتمكن الأفراد من تطوير ملكاتهم العقلية وبناء مجتمع قادر على اتخاذ القرارات الصائبة والمساهمة في التنمية الحقيقية…