Post: #1
Title: الإخوان المسلمين كجماعة إرهابية- تحويل السودان إلى ملف "مكافحة إرهاب"
Author: زهير ابو الزهراء
Date: 11-23-2025, 08:25 PM
08:25 PM November, 23 2025 سودانيز اون لاين زهير ابو الزهراء-السودان مكتبتى رابط مختصر
(adsbygoogle = window.adsbygoogle || []).push({});
تزايدت في الولايات المتحدة الدعوات لتصنيف جماعة الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية أجنبية، وهو قرار سيحمل – إذا اتُّخذ – آثاراً مباشرة وعميقة على مسار الحرب السودانية. فالسودان يشكل واحدة من أكثر الساحات حساسية لأي تحول في سياسات مكافحة الإرهاب، بسبب التشابك الوثيق بين الإسلاميين وبعض دوائر الجيش السوداني، وتعدد مراكز النفوذ، وصعود قوات الدعم السريع كلاعب عسكري وسياسي. بهذا المعنى، لا يتعلق القرار بالسودان في حد ذاته، بل بإعادة صياغة المشهد من جذوره، وتحديد الفاعلين المسموح لهم بالبقاء على طاولة التفاوض. من صراع داخلي إلى تهديد عابر للحدود إن الإدراج المحتمل لجماعة الإخوان المسلمين على قائمة الإرهاب الأمريكية سيعيد توصيف الأزمة السودانية من "صراع داخلي" إلى "تهديد أمني عابر للحدود". ووفق القانون الأمريكي، فإن ذلك يؤدي تلقائياً إلى تجميد أصول الأفراد والكيانات المرتبطة بهم، وفرض رقابة مشددة على التحويلات المالية والمساعدات الإنسانية، وتجريم الدعم المادي المحتمل للجماعة. هذا التحول سيغير منهج واشنطن من الوساطة الدبلوماسية إلى تطبيق أدوات الأمن القومي، ما يفتح الباب أمام نظام عقوبات أوسع قد يشمل جهات داخل المنظومة العسكرية السودانية التي تسيطر عليها فكرة "الحماية الذاتية" لأجندتها الأيديولوجية.
الجيش السوداني الرهان الصعب بين التطهير والعزلة الضربة الأكثر حساسية ستطال الجيش السوداني، لا بوصفه مؤسسة رسمية، بل بسبب وجود تيارات وشبكات إسلامية تاريخية داخل بعض وحداته. سيجعل التصنيف أي دعم دولي للجيش مشروطاً بعملية "تطهير سياسي" لهذه العناصر. ويخشى مراقبون أن يؤدي هذا إلى أحد احتمالين متناقضين: إما تفجر المؤسسة العسكرية من الداخل نتيجة صراع ولاءات بين القيادات المحترفة والقيادات ذات الخلفية الأيديولوجية، أو عزل الجيش دولياً إذا رفض الاستجابة لضغوط الإصلاح مما يدفعه إلى البحث عن حلفاء جدد أقل التزاماً بالقانون الدولي. كما أن هذا التصنيف يزيد من مقاومة القيادات العسكرية المتشددة، خاصة تلك المطلوبة دولياً (من فلول نظام البشير)، لأي ضغط خارجي. إنهم يرون في القرار بداية لحصار شامل وتهديداً مباشراً لأمنهم، مما يجعلهم أكثر تمسكاً بالسلطة ورفضاً لتسليم أنفسهم أو التخلي عن مواقعهم، وبالتالي إطالة أمد الصراع وتصعيده.
قوات الدعم السريع- مكاسب الشرعية المؤقتة في المقابل، سيتيح هذا التصنيف لقوات الدعم السريع مكاسب سياسية وإعلامية مهمة. إذ ستسعى إلى تقديم نفسها كقوة "غير مؤدلجة" وغير مرتبطة بالإسلاميين، مستغلة الضغط المفروض على الجيش لتوسيع شرعيتها الخارجية. وقد يدفع ذلك بعض الدول الإقليمية والغربية لإعادة تقييم مواقفها بما يضعف الجيش ويقوّي الدعم السريع، وهو ما قد يغير توازن القوى جذرياً على الأرض، خصوصاً في مرحلة ما بعد السيطرة على دارفور والتقدم نحو كردفان، مما يمنحها تفوقاً سياسياً مؤقتاً. اقتصاد الظل والتهريب: خطر ما بعد العقوبات سيتمكن التصنيف من استهداف الشركات والكيانات الاقتصادية المرتبطة بفلول النظام السابق والتي يعتقد أنها تموّل الحرب. ورغم أن هذا قد يحد من قدرة بعض الأطراف على الاستمرار مالياً، إلا أنه قد يدفع هذه الشبكات نحو اقتصاد الظل والتهريب عبر الحدود الإقليمية (إثيوبيا، إريتريا، جنوب السودان). تاريخياً، أظهرت دراسات مثل تقارير "معهد بروكينغز" أن هذه التحولات تزيد من الانفلات الأمني وتقلل قدرة الدولة على ضبط مواردها، وتخلق كيانات مالية عابرة للحدود يصعب مراقبتها أو تجميدها.
الكارثة الإنسانية و ثمن "التجميد" غير المباشر يمثل البعد الإنساني إحدى أخطر التداعيات. فالمنظمات الدولية غالباً ما تتردد في العمل داخل مناطق يُشتبه بوجود نفوذ إسلامي فيها خوفاً من خرق قوانين مكافحة الإرهاب. ومع اعتماد ملايين السودانيين على المساعدات الغذائية والدوائية، فإن تأثير "التجميد الإنساني" سيكون كارثياً. ستتقلّص القوافل، وتُفرض قيود على الوصول للمناطق الريفية، ما يزيد من هشاشة المدنيين ويفتح الباب لتجنيدهم تحت شعارات "المقاومة" أو "مناهضة الغرب". اصطفاف المحاور الإقليمية: السودان مسرح للصراع الأيديولوجي سيعطي التصنيف غطاءً جديداً للدول المناهضة للإخوان – مثل مصر والسعودية والإمارات – لتعزيز مواقفها في السودان، والضغط على التيارات الإسلامية داخل الجيش. في المقابل، قد تدفع تركيا وقطر نحو موازنة هذا النفوذ عبر قنوات بديلة. النتيجة ستكون صراعاً إقليمياً بالوكالة يزيد من عمر الحرب وتعقيدها، حيث يتحول السودان إلى مسرح للمواجهات الأيديولوجية الباردة والساخنة بين المحاور الإقليمية. سيناريوهات الغد: التفتيت الأمني وولادة "الإخوان الجديد"
يفتح هذا القرار الأبواب أمام سيناريوهات أمنية خطيرة، تتجاوز الصراع الثنائي القائم حالياً، حيث تشير التوقعات إلى ثلاثة مسارات رئيسية:
تصاعد عسكرة الإسلاميين وتشكيل "مقاومة جديدة": قد لا تلتزم العناصر الأيديولوجية بتفكيك نفسها، بل تتجه لتشكيل مجموعات مسلحة لا مركزية (ما يمكن تسميته "الإخوان الجديد") تنطلق من مبدأ القتال ضد الدعم السريع ورفض الإملاءات الغربية، مما يزيد من تفتيت المشهد الأمني في الوسط والشرق.
تفكك الدولة السودانية - تحت ضغط الانهيار العسكري والاقتصادي والعزلة الدولية، يفقد الجيش قدرته على السيطرة، وينهار الهيكل الإداري للدولة بالكامل هيمنة الفاعلين غير الدولتيين و زيادة نفوذ الفاعلين غير الدولتيين، وعلى رأسهم الدعم السريع والحركات الإقليمية، على حساب المؤسسات الرسمية تصنيف الإخوان المسلمين كجماعة إرهابية قد يحقق هدفاً واحداً: عزل بعض الفاعلين المتشددين لكنه في السودان يحمل تكلفة هائلة. فقد يحوّل أزمة سياسية قابلة للحل إلى صراع مفتوح يهدد بتمزيق مؤسسات الدولة وتعميق الكارثة الإنسانية. هنا يصبح السؤال الأهم هل يملك السودان القدرة على تحمل نتائج قرار كهذا؟ أم أنه دواء أشد فتكاً من المرض الذي يسعى لعلاجه؟ إن الاختيار بين عزل الأيديولوجية المتطرفة وبين الانهيار الكامل للدولة هو التحدي الأكبر الذي تواجهه واشنطن والجهات الدولية في هذا المنعطف الحاسم .
|
|