Post: #1
Title: تمثال مجرم الحرب البرهان*! كتبه الطيب الزين
Author: الطيب الزين
Date: 11-23-2025, 08:25 AM
08:25 AM November, 23 2025 سودانيز اون لاين الطيب الزين-السويد مكتبتى رابط مختصر
*
في ساحة غارقة في الدماء والدموع إرتفع تمثال مجرم الحرب البرهان مشبعاً برائحة الدم. التمثال إختصر وقاحة هذا المخلوق الذي أشعل نار الحرب فوق رؤوس الآمنين فقط ليرضي أحلامه المريضة وليصنع لنفسه هالة زائفة مطرزة بدماء ودموع ضحاياه. القاتل يعانق ضحيته والذئب يبتسم للغنم والجلاد يتظاهر بالرحمة. صورة تختصر المثل الشعبي "يقتل القتيل ويمشي في جنازته"، لكنها هنا أكثر فجاجة إذ تحوّل المأساة إلى لوحة تذكارية والجريمة إلى نصب يُعرض في الساحات العامة كعمل بطولي. الأدب العالمي سبق أن فضح هذا السلوك وكشف عبثية السلطة حين تتحول الجريمة إلى بطولة. ففي الحرباء لتشيخوف يتلون المسؤول بحسب المصلحة كما يتلون البرهان بين صورة المنقذ وصورة المجرم. وفي الخروف الأسود لبلزاك يصبح الفاسد شخصية محترمة إجتماعيا بينما الضحية تُهمّش تماما كما يحدث حين يُنصب التمثال. وفي المحاكمة لكافكا يُحاكم الأبرياء ويُبرأ المجرمون، وهو العبث الكافكاوي الذي يتكرر في السودان حين يظهر البرهان كأب حنون. أما في ماكبث لشكسبير فيغسل الطاغية يديه من الدماء وهو يغرق أكثر في الجريمة، صورة تنطبق على البرهان الذي يخلق لنفسه هالة زائفة مطرزة بالدماء والدموع. أن ترى البرهان يعانق ضحاياه يشبه أن ترى الذئب يفتتح مأوى للأغنام. أي انحطاط هذا أن تتحول المأساة إلى تحفة فنية، وأي عبث أن يُخلّد القاتل في البرونز بينما الضحية تُستعمل كزينة صامتة. مأساة دارفور طبقات من الألم: مأساة الضحايا الذين قُتلوا، مأساة الأحياء الذين لجأوا إلى من تسبب في مأساتهم، ومأساة كل السودانيين الذين يرون القاتل يُكرَّم بينما الحقيقة تقول إنه المسؤول الأول عن مأساتهم. التمثال ليس حجراً ولا برونزاً، بل هو قصيدة ساخرة من الدم والدموع. إنه إعلان أن الجريمة يمكن أن تُغلف بالابتسامة، وأن القاتل يمكن أن يُقدم كأب حنون. لكن الشعب السوداني الذي عاش المأساة وما زال يعيشها يدرك أن هذا العناق، الذي تجسّد في التمثال، ما هو إلا فصل من فصول التضليل وتزييف الحقائق. مأساة الشعب السوداني التي تسبب فيها مجرم الحرب البرهان لا يغطيها تمثال.
الطيب الزين
|
|