كيف إعتلي الفنان محمد الأمين القمة الفنية( ٣ ____ ٣) كتبه صلاح الباشا

كيف إعتلي الفنان محمد الأمين القمة الفنية( ٣ ____ ٣) كتبه صلاح الباشا


11-22-2025, 06:03 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1763834604&rn=0


Post: #1
Title: كيف إعتلي الفنان محمد الأمين القمة الفنية( ٣ ____ ٣) كتبه صلاح الباشا
Author: صلاح الباشا
Date: 11-22-2025, 06:03 PM

06:03 PM November, 22 2025

سودانيز اون لاين
صلاح الباشا-السعودية
مكتبتى
رابط مختصر




ونحن نتحدث عن مسيرة الفنان والموسيقار الراحل محمد الامين في ذكري رحيله الثانية نختم حلقاتنا الثلاثه .. وهنا تأتي بعض الذكريات الراسخة في اذهاننا ونحن بعد طلاب في مرحلة الجامعة في بداية سبعينات القرن الماضي من خلال اهتمامنا بفن الغناء والعزف في ذلك الزمن الخصيب.
وكنت أقول دائماً ولا أتعب من القول في كل مرة ، أن شعراؤنا في السودان لديهم قدرات إبداعية هائله في نسج الشعر ، ويمتلكون خيالاً خصباً، ولكننا نواجه دائماً مشكلة المحلية في أعمالنا وإنسداد وسائل النشر أمام إنتاجنا في المحيط العربي ، حيث يقف هذا الحاجز حائلاً في طريق الإنتشار الإقليمي لتلك الأعمال علي مستوي المنطقة العربية علي الأقل إن لم يكن علي المستوي العالمي.
وإذا أخذنا أي شاعر عربي سواء كان شعره غنائيا أم شعر عاميا ام بفصيح اللغه أو بدارجيتها وأجرينا مقارنه مهنية متخصصة له بأشعار شعرائنا السودانيين، لوجدنا التفوق عندنا واضحاً ولا يقلُّ جودة عن الأعمال المنتشرة عربياً حالياً وسابقاً إن لم يكن أحسن درجةً ، وربما كان عدم الإستقرار السياسي الذي ظللنا نعانيه منذ الإستقلال وإلي الآن قد كان له الأثر الواضح في عدم وجود آليات واجهزة نشر مهنية مؤثرة وقوية ومنتظمه لتسهم في نقل التجربه الشعريه السودانية إلي المصاف العربي أو العالمي.
لم يبتعد شاعرنا الاستاذ فضل الله محمد عن الساحة الشعرية تماماً بعد تخرجه من الجامعة ، إذ ظل بين الحين والآخر تطل أشعاره ، فهاهنا نجده يهدي لمحمد الأمين تلك الأغنية ذات الموضوع الجديد ، فظهرت (أربعه سنين) وقد كانت أغنية الشباب المحببه ، لكي –تتحكر- في قلب الساحة الغنائية في ذلك الزمان وتتوسط أعمال محمد الأمين وهي التي تقول كلماتها:
أربعه سنين
شافم الحب
الليله عيد
ميلادو ياقلب
أربعه سنين
تجربه وزاد
مهرجانات حُب وأعياد
إشتياقات
قلبي ريّاد
إنفعالات
ليها أبعاد
***
وتمر الأيام سراعاً ، لنجد محمد الأمين يفاجيء الوسط الفني بتجربه أخري من تأليف فضل الله محمد ، ولكنها هذه المره تأتي في إيقاع لحني مميز وهاديء ، وتتميز بمفردات أيضاً لم تُستخدم من قبل ،وهي لا تصف المحبوب ، بل تتساءل في دهشه حين تقول كلماتها:
سارحه مالك ياحبيبه؟؟
ساهيه وأفكارك بعيده
بقرأ في عيونك حياتي
وإنتِ مشغوله بجريده
بتقري في إيه كلميني
ياسلام.. مهتمه عامله
يعني لازم تقري حسه
مقال بحالو أو قصه كامله
كم شهور مرت علينا
فيها بُعد وفـُرقه شامله …
ثم يختمها بعبارة:
وأمري لله.
وحسناً ان فضل الله قد فوّض أمره لله حين إنعدمت به الحيله ولم يفلح في إثناء الطرف الآخر عن قراءة الجريدة ، مما يُعتبر تهميشاً له ( أو تقله عليه)
وهذا بالطبع نوع جديد في لغة التخاطب الشعرية الرومانسية لم يألفه المستمع السوداني من قبل ، وكانت مقدرة أبو الأمين فائقه في وضع لحن لتلك الكلمات بالرغم من صعوبة تلحينها وكانت هي اغنية (الجريده) .
ثم تأتي بعدها أغنية (الموعد) لكي يخترق بها فضل الله (حاجز صوت) الفنان محمد الأمين بحلو كلماتها وجديد موسيقاها الراقصة ، حيث كانت فرصة أخري لكي يبدع أبو الأمين في توظيف آلة العود التي يعشقها في وضع موسيقي المقدمه لتلك الأغنية بخربشات رائعه علي العود . وكانت كلمات الأغنية تقول:
أشوفك بكره في الموعد
تصور روعة المشهد
وعدتك قبل كده مرات
ولسه برؤيتك بحلم
مشاغل الدنيا تجبرني أخالف وعدي وأتلوّم
ولو تعرفني كم بتعب
بعيد عنـّك وبتألم،،
إلي ان يصل بنا فضل الله لقمة التفاؤل مودعاً ظلام الهم ويصرخ هنا محمد الأمين بصوت عالي مختتماً الأغنية :-
وداعاً يا ظلام الهم
علي أبوابنا ماتعتـِّب
ومرحب ياصباح الحب
تعال ما تبتعد قرِّب.
..
وللشاعر العجيب (إسحق الحلنقي)أغنية جميلة لا يزال محمد الأمين يترنم بها في كل حفل وهي(شال النوار) ويقال عليها وعد النوار وهي من الأغاني التي تمتاز بكلمات جميله ولحن فرائحي تماماً:
ياريت من أول
وريتنا إنك يكمن تتأخر يوم
كان غائب أطمنّا شويه
وبحرك ياليل
ماطفنا نجوم
بيقولوا الغائب
عذرو معاه
في غيابك ياما
نشيل اللوم
العيد الجاب الناس لينا ما جابك
يعني نسيتنا خلاص
مع إنك إنت الخليتنا
نغني الحب
ذكري وإخلاص....
ولازالت الذاكرة تتسع لسرد المزيد من هذه الأعمال الخالدة.
وهنا تستحضرني قصة طريفة حول أغنية( شال النوار) التي تغني بها أبو الأمين من كلمات إسحق الحلنقي كما ذكرنا سابقاً ، والقصة هي أننا كنا مجموعة أصدقاء من الطلاب بجامعة القاهرة بالخرطوم في بداية السبعينات نستأجر منزلاً بأم درمان(حي بيت المال) وقد كنا نعمل وقتذاك بالتدريس صباحا ونذهب للدراسة بجامعة القاهرة مساءً كشأن الطلاب في ذلك الزمان ، وذات يوم كنا نترنم بالعود في المنزل بأغاني محمد الأمين ، فطلب مني صديقي عباس بابكر أحمد دبوره وقد كان مدرسا وطالباً بالحقوق ، وقد امتهن المحاماة ثم القضاء ، بأن أغني له أغنية محددة لمحمد الأمين ، وكان كعادته لايحفظ أسماء الأغاني، وكان يزورنا دائما جارنا الصديق العزيز الراحل العميد حقوقي عبدالرحمن عبداللطيف زيادة وقد كان طالبا في الحقوق ايضا والذي توفي إلي رحمة مولاه لاحقا ونحن نعمل في قطر في بداية عام 1999 م واخذ عبدالرحمن في جلستنا تلك بالبيت( عزابة) يعدد للأخ عباس أسماء أغاني محمد الأمين لكي نغني له طلبه ، ففشلنا جميعنا في معرفة مقصد ألأخ عباس بابكر الذي لم يعرف إسم الأغنية ، وأخيراً طلبنا منه أن يذكر لنا أي مقطع (كوبليه) من الأغنية لكي نتعرف عليها لنغنيها له بالعود الذي كان يلازمني منذ المرخلة الثانوية بمدني..
فكان رد عباس:
والله أنا معارف فيها شيء غير أنو محمد الأمين بقول فيها(الناس كلهم جونا في العيد إلاّ إنت ماجيت معاهم) فضحكنا طويلاً لهذه اللخبطة في حفظه للأغاني وظللنا نتذكرها في كل مرة حتي زماننا هذا، وقد عرفنا مقصده فهو كان يقصد (العيد الجاب الناس لينا ماجابك) وظل الراحل مولانا عبدالرحمن زياده يتناول هذه الطرفة كثيراً حتي وفاته(طيب الله ثراه) .
ومن أعمال أبو الأمين الشهيرة ، لا ننسي تلك الأغنية التي فازت بالمرتبة الأولي في مسابقة الإذاعة السودانية بإستفتاء المستمعين في عام 1979م وهي ( بتتعلم من الأيام) للحلتقي ايضا وقد إستخدم فيها أبو الأمين آلة العود إستخداماً فيه مهارة فائقة في المقطع الأخير من الأغنيةوقد كانت تحتوي علي مفردات فيها الكثير من أسلوب الملامة الرقيق حين تقول بعض أبياتها:
وتعرف كيف يكون الريد
وكيف الناس
بتتألم وتتعلم
وراء البسمات كتمت دموع
بكيت من غير
تحس بيّا
ومصيرك بكره
تتعلم وتتألم .
وقد ذكر لي استاذنا الحلنقي ان كلمة ( وتتألم) قد اضافها ابو اللمين من عنده.
ثم تمر الأيام والسنين ليلتقي محمد الأمين مرة أخري بهاشم صديق شاعر الملحمه ذاك وقد كان هاشم خارجاً منتشياً بعد نجاح أعماله الدرامية الفذة في منتصف السبعينات نبته حبيبتي وقطر الهم والحراز والمطر . لكي يجد الطريق أمامه ممهداً فيلقي علي مسامعنا بكلمات أغنية محمد الأمين ويدخل بها أبو الأمين تجربة الغناء بمرافقة آلة (الأورج) فقط في العام ١٩٧٤م حيث كان يعزف معه الموسيقار بدرالدين عجاج بدون أوركسترا اخري ولا حتي إيقاع فكانت (حروف إسمك) هي فعلاً حروف تستحق أن نقف عندها لنري ماذا تقول :
حروف إسمك
جمال الفال
وراحة البال
وهجعة زول
بعد ترحال
وتنية حلوة
للشبال
وغنيتنا
مشاوير
في كلمات حلوات تتقال.
ويذهب هنا الشاعر أكثر لكي يعكس صورة الفرح كتقليد إجتماعي متوارث في الزواج السوداني حين يقول :
أساور في إيدين طفله
بتحفظ في كتاب الدين
زفاف عاشقين
بعد فرقه
بين إتنين
بالعديل والزين
وسط باقات
دعاء الطيبيبن
والليله العديلة
تقدمو وتبراه
وساهله ليك بيضاء..
ثم تأتي الأغنيات الجديده بعدها وهي (زورق الألحان) لفضل الله محمد كإضافة لأعمال محمد الأمين في تجربة الغناء بالأورج فقط.
ولكن لم تستمر التجربه بالاورغ طويلاً حيث قام محمد الأمين بتكوين فرقة موسيقية مستديمه وكانت تتكون في معظمها من شباب معهد الموسيقي كالفاتح حسين وفايز مليجي من مدني ويرافقهم من المخضرمين الحبر سليم وعز الدين فضل الله ومحمد آدم المنصوري عازف الساكس وكان هو قائد الأوركسترا وآخرون.
نصل الآن مع الفنان محمد الأمين إلي (حفلة لندن) الشهيرة في عام 1981 حيث كان ذلك الحفل الضخم قد أقيم في مسرح (لوقال هول) والذي حضره معظم السودانيين من شتي أنحاء المملكة المتحدة، وقد تم طبعه علي أشرطة فيديو وكاسيت وتم توزيعها في كل دول المهجر التي يتواجد بها السودانيون وبداخل السودان ، وأذكر أن الفنان محمد الأمين قد إبتدر ذلك الحفل بأغنية فضل الله محمد الشهيرة والتي تم تأليفها منذ نهاية السبعينات ولكن محمد الأمين قام بإخفائها لمدة ١٢ سنة. حتي بداية الثمانينات لكي تظهر وتطغي علي الساحة الفنية ، وقد إمتازت بلحن تطريبي هاديء جداً لا ضجيج فيه ، وهي من النوع الذي يطلق عليه أغنية إستماع مثل أغنيات بتتعلم من الأيام ، والحب والظروف فكانت تلك الأغنية هي
(ذات الشجون)
حيث تقول مقدمتها:
ماهو باين في العيون
وين حنهرب منو وين؟؟
الهوي البعث الليالي
الحالمه في ذات الشجون
وأذكر هنا أن إبن ود سلفاب العازف الماهر الموسيقار (سعد الدين الطيب) قد تفنن في اللعب علي الأورج في عدة صولات وجولات فيها الكثير من الإبداع خلال موسيقي أغنية ذات الشجون.
وقد تغني في حفل لندن ذاك بالأغنية الجديدة باديا بها الحفل.. ثم ظهرت ايضا (عويناتك) وهي ذات مفردات رشيقه كتبها الشاعر د. مبارك بشير والذي سبق ان كتب اغنية( نسمه) وهو طالب باداب جامعة الخرطوم وتغني بها وردي .
وقد أعجبني منها المقطع التالي:
أقول ليها عيونك
زي سواد قدري
مكحِّـله عمري من بدري
ولو أقدر أسافر
في بريق لحظك
وما أرجع
تقول لي خايفاك بكره تتوجّع
آه تتوجع.
هذا (الكوبليه) نري أن أبو الأمين قد أدّاهُ بإحساس عالي جداً وتشعر بأنه يتحرّق حين ينطق بذلك اللحن وبتلك الكلمات.
وميزة محمد الأمين أن لديه إحساساً شفيفاً قد خصّه الله به وهو يعرف كيف ومتي يظهر ذلك الإحساس الشفيف للناس وكيف يترجمه إلي عمل موسيقي متكامل. فالفنان إذا لم يحس بمعني مفردات القصيدة فإنه مهما كان لحنها جميلاً وصوته أجمل ، لا يستطيع أن يقنع المستمع بالعمل.
وهنا لايفوتنا ان نشير إلي إنضمام الشاعر الرقيق الدكتور عمر محمود خالد إلي سجل الأعمال الغنائية الخالدة حين أهدي إلي محمد الأمين أجمل الأغنيات ، وفي مقدمتها تلك التي عاد بها محمد الأمين إلي غناء (السنين ) مرة أخري فكانت (خمسه سنين معاك يا زينة الايام ) والتي يكثر الفنان من ترديدها في معظم حفلاته ، فهي لها معزة خاصة عنده:
خمسه سنين معاك يازينة الأيام
ويانوارة الحلوين
مرّت حلوه زي أنسام
وزي أحلام صبيه صغيره زي ياسمين. واردفها باخريات ومن اهمها ( حلم الاماسي).
ثم نأتي إلي السنة الأخيرة من نهاية القرن العشرين حيث قامت شركة(سودانيز ساوند) الشهيرة بالخرطوم بتنظيم إستفتاء في عام 1999م حيث اعلنت فوز ألبوم محمد الأمين (ودمدني واحد) بالجائزة الأولي في التوزيع الجماهيري وقد كانت مقدمة الشريط بصوت المذيعة التلفزيونية اللامعة (منال محمد سعيد)حيث قالت فيها (هذا الفنان أتي من تلك المدينة الرائعه ، من قلب الجزيرة، تلك التي تتوسط السودان الحبيب .. محمد الأمين ،هذا الفنان الرائع والشامخ، كشموخ وطننا الجميل.. محمد الأمين هذا الإنسان ، هذا الفنان، أحب ودمدني حتي الوله) .
وللعلم فإن أغنية( ودمدني ) قد صاغها شعراً الراحل خليل فرح عام 1930م وهو في طريقه بالقطار من الخرطوم إلي ودمدني للمشاركة في زواج الراحل الفنان الحاج محمد أحمد (سرور) الذي توفي ودفن في أسمرا في أربعينات القرن العشرين ، وقد كان سرور هذا من مواطني قرية ( ودالمجذوب) شمال ودمدني ، ووضع محمد الأمين للقصيدة لحناً هادئاً جميلاً ومحبباً كثيراً إلي النفس ، وقام بالتوزيع الموسيقي إبن ودمدني أيضاً الموسيقار دكتور الفاتح حسين مدير الفرقة القومية للموسيقي سابقا وعميد كلية الموسيقي والمسرح حاليا.. وهو عازف الجيتار الشهير.
وتقول:
مالو أعياه النضال بدني روحي ليه مشتهيه ودمدني
كنت أزور أبويا ودمدني
وأشكي ليهو الحضري والمدني
دار أبويا ومتعتي وعجني
يا سعادتي ومتعتي وشجني
ليت حظي يسمح ويسعدني
طوفه فد يوم في ربوع مدني ..
وختاماً نقول ..
ستمر السنون ، وتتجدد الأجيال، وتتبدل الأحوال، وربما تظهر فنون أخري من نتاج أجيال أخري ولكن ستبقي الأعمال الغنائية لهذا الفنان الموهوب والجاد جداً (ابو الأمين) تراثاً إبداعياً متقدماً ومتميزاً ، تتناقله الساحة الفنية لفترة طويلة من الزمان ، لأن تلك الأعمال الموسيقية بمضامين كلماتها وألحانها الشجية ومفردات أشعار مبدعيها : فضل الله محمد خليفه الصادق والحلنقي ود. محمود خالد وهاشم صديق وكل كواكب الشعراء الذين كتبوا من أجل أبو الأمين عبر مختلف الحقب طوال مسيرته الفنية ، ستصمد في الزمن القادم والذي لا علم لنا بظروف مكوناته الإبداعية .
ونترحم علي ابواللمين وعلي شعرائه الاماجد الذين رحلوا .. فضل الله محمد وخليته الصادق ومحمد علي جبارة ومبارك بشير وهاشم صديق.
وإلي اللقاء،،،،