محاكمة د. الوليد مادبو بين عار الدولة ورهاب الحقيقة كتبه الصادق حمدين

محاكمة د. الوليد مادبو بين عار الدولة ورهاب الحقيقة كتبه الصادق حمدين


11-20-2025, 10:28 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1763677715&rn=0


Post: #1
Title: محاكمة د. الوليد مادبو بين عار الدولة ورهاب الحقيقة كتبه الصادق حمدين
Author: الصادق حمدين
Date: 11-20-2025, 10:28 PM

10:28 PM November, 20 2025

سودانيز اون لاين
الصادق حمدين-UK
مكتبتى
رابط مختصر





مدخل تمهيدي؛

في البلدان التي تحترم نفسها، تُحاكم السلطة بسلوكها، أمّا في البلدان التي تحترم أصنامها فتُحاكم الكلمة لأنها أكثر فتكاً من الفساد. وما حدث مع د. الوليد آدم مادبو ليس سوى مثال فاضح على دولةٍ ترتعب من الحقيقة وترى في كل مقالٍ مرآة تكشف عريها، فتسارع إلى كسر المرآة بدلاً من ستر العار.

المقال الذي أثار جنون السلطة الموسوم بـ "قرناص: عار الدولة ولذة الطاعة"، لم يكن سوى محاولة جريئة لرفع الغطاء عن مؤسساتٍ تتقن صناعة الولاء وتُتْقِن أكثر صناعة الوهم. كُتب المقال بلغة صريحة، نعم، لكنه لم يخترع الوقائع، ولم يقتحم حرمة أحد. إنّ ذكر مسؤول يشغل منصباً يتعدى أثره إلى حياة الناس ليس جرماً، بل واجبٌ على كل كاتب يحترم عقله ووطنه. من يتصدر المنصب العام لا يملك حق الاختباء خلف جدار الخصوصية، لأنّ فعله لم يعد ملكه، بل أصبح جزءاً من الشأن العام الذي يحقّ للناس مساءلته وكشف تناقضاته.

لكنّ السلطة القمعية، كعادتها خلطت بين النقد والقذف، ليس جهلاً بالقانون، بل استغلالاً له. فهي تعرف تماماً أنّ القذف هو الافتراء، وأنّ النقد الموجه لأصحاب النفوذ باعتبارهم صانعي قرار يدخل في نطاق الحرية المشروعة. لكنها احتاجت إلى شماعة قانونية تخنق بها الصوت الذي أزعجها، فألبست محاكمة الرأي عباءة القضاء، وادّعت أنّها تحمي السمعة وهي في الحقيقة تحمي شبكة كاملة من المصالح المتشابكة داخل دوائر الحكم.

إنّ الحكم على د. الوليد مادبو يفضح عقلية ترى في الشعب قطيعاً يجب أن يطيع، وفي المفكرين خطراً يجب عزله، وفي المعلومات تهديداً يجب دفنه. لو كانت الدولة واثقة من نفسها، لطالبت بالتحقيق في الوقائع التي أثارها المقال بدلاً من مطاردة الكاتب. ولو كانت السلطة شفافة لواجهت الأسئلة بدلاً من ملاحقة من طرحوها في دول أخرى. لكنّها سلطة لا تحتمل الضوء، ولا تعيش إلا في الظلام، لذلك تظن أن بإمكانها إطفاء المصابيح عبر سجن أصحابها والتنكيل بهم.

إنّ أخطر ما في هذه القضية ليس الحكم نفسه، بل الرسالة التي تريد السلطات “هناك" تمريرها إلى شعبها: اصمتوا… أو سنجعل القانون سوطاً عليكم. ولكن ما لا تفهمه هذه السلطة أو لمن شاكلها من سلطات هو أن الكلمة التي تُحاكم بسبب حقيقتها تصبح أقوى، وأنّ المجتمع الذي يُقمع فيه النقد لا يهدأ، بل يغلي تحت الرماد حتى يأتي يوم ينفجر فيه دفعة واحدة.

القلم الذي يفضح الخلل لا يُدان، بل يُدان من صنع الخلل. والعار ليس في مقالٍ يُكتب، بل في دولةٍ تعتبر كشف العيوب خيانة، بينما تستبيح لنفسها أن تحكم الناس بقرار مأزوم وأخلاق عامة مثقوبة.

إنّ محاكمة مادبو ليست نهاية القصة، بل بدايتها. وهي ليست قضية شخص، بل قضية وطن يريدون له أن يبتلع لسانه داخليا وخارجيا. لكنّ الحقيقة مهما حوصرت، ستظلّ أعلى من كل سلطة وأبقى من كل حكم، لأنّ الدولة التي تخاف كلمة ستسقطها كلمة بالتأكيد.

الصادق حمدين - هولندا
[email protected]