إيـا إسماعيل صـــبراً!!!… كتبه الأمين مصطفى

إيـا إسماعيل صـــبراً!!!… كتبه الأمين مصطفى


11-20-2025, 10:20 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1763634006&rn=0


Post: #1
Title: إيـا إسماعيل صـــبراً!!!… كتبه الأمين مصطفى
Author: الأمين مصطفى
Date: 11-20-2025, 10:20 AM

10:20 AM November, 20 2025

سودانيز اون لاين
الأمين مصطفى-السودان
مكتبتى
رابط مختصر




يبدو أنك لم تكن ممن ساروا فى مواكب الثورة يوما بيوم الى طريق النصر عبر مدن السودان تنتفض عبر بيانات مركزية الحرية والتغيير بصوت البراق النذير ووغناءيسرى وكلمات النخلى عبر ارح مارقة وزغرودة الكنداكة،
فإن الطريق الذي عبرناه لم يكن طريقاً من تراب، بل كان درباً من نارٍ وأقدامٍ عارية، وأكتافٍ تحمل وطناً كاملاً يمشي في مواكب لا تنكسر.
لم تكن ثورة ديسمبر حكراً على مدينة ولا حياً ولا شارعاً، فقد خرجت من القندول تتقدم إلى القصر، ومن البلدية إلى الجمعية التأسيسية، ومن باشدار تهدر حتى السوق العربي، ومن البراري وشرق النيل والثورات، ومن بحري إلى الملتقى، ومن قلب أمبدات إلى البلدية، كأن السودان كلّه استيقظ دفعةً واحدة ليقول: «مدن السودان تنتفض».
كان الهتاف يعلو كالموج، والطرقات تضيق بالجموع، والبيوت تفتح أبوابها للمطاردين، والأمهات يرفعن دعاءهن في الليل:
«إيــــا إسماعيل صـــبراً
فالحقُّ يميلُ إذا مالت لهُ الهممُ…
لكنَّهُ لا ينكسرُ ما دامَ فينا دمٌ…»
لكن من لم يسِر في تلك المواكب، من لم يتذوق غبار الشوارع ورائحة البمبان، لن يعرف معنى أن يُطارد الثوار من قبل أجهزة أمن المخلوع، وأن تلاحقهم “شعبة المنقبات” وجنود الهدم السريع المدجّجون بالسلاح.
فبينما أشار جنود من الجيش بعلامات النصر للثوار، وتعبت الشرطة من مطاردة أبناء وطنها حتى انسحبت بعد موكب أم درمان المركزي، ظلّ الهدم السريع هو الذراع التي تضرب… لا يرف لها جفن.
والثورة — يا إسماعيل — ليست روايات تُكتب بالهوى، ولا ذاكرة تُفصّل على المقاس، بل هي أرشيف بصري محفور في فيلم النضال: عدسات الشبان، هواتف الفتيات، خطوات الملايين. شهادات لا يشوبها التزوير.
وفي كل مشهد، كان البرهان وحمدان يتربصان بالثورة من أطرافها، ينتظران سقوط بابٍ ليدخلا، أو ارتخاء هتافٍ لينقضا عليه.
حتى جاءت ظهيرة 6 أبريل؛ حين انفتحت الكباري تحت هدير المواكب، وصار الشعب سيلاً يعبر الخرطوم كلها. عندها قفز البرهان وحمدان كما يقفز الفأر من سفينة تغرق، ادّعيا الانحياز، لكنهما كانا يخفِيان خنجر الخيانة تحت عباءتهما.
وبدا الخنجر واضحاً يوم فضّ الاعتصام؛ يوم تحوّل الهدم السريع إلى وحش من لحمٍ وحديد، يجرّ المواطنين ضرباً وصوتاً ويجبرهم على ترديد «عسكرية! عسكرية!» تحت سياط الهراوات.
كان ذلك اليوم وصمةً ستظل معلّقة في أعناقهم ما دام الليل والنهار يتعاقبان.
ثم جاءت مواكب يونيو، فرفع البرهان — ومن خلفه حمدان — الصوت: «لا تفاوض!»
لكن الجموع ردّت بسيولٍ بشرية اكتسحت شوارع الخرطوم، وأغرقت «منصة» الأكاذيب التي صعدا عليها بخطبٍ مرتجفة.
ثم أعادا الكرة بالانقلاب على الوثيقة الدستورية، انقلابٌ لم يصدر بيانه إلا من «فلاشة»… وكأن الثورة تُختطف من ذاكرة شعبها إلى قطعة إلكترونية باردة.
وما فتئ البرهان وحمدان يمدّان أياديهما إلى إرث النظام المخلوع، لا كقادةٍ انتقلوا من الماضي إلى المستقبل، بل كامتدادٍ مباشر لمدرسته في الكذب والخديعة والتآمر، كأنهما يصران على أن الثورة يجب أن تُدفن قبل أن تكتمل، وأن صوت العدالة يجب أن يخبو قبل أن يصل.
فلو لم يكن للهدم السريع جريمة غير مجزرة 2013 في الرابطة بشمبات، لكفته أن يكتب في سجل الإجرام والارتزاق والقتل بالأجر.
ولم يكن غريباً أن يقول حمدان: «الدستور ليس قرآن»، عندما هتف أنصارالمخلوع لبقاء نظامهم الانقلابي عبر مسرحية عدم ترشح المخلوع.
فالذي لا تُرهقه ذاكرة الشعب، تثقبه ذاكرة الثورة نفسها؛ تلك التي تقول:
«إيــــا إسماعيل صـــبراً
فالثائرُ لا يَخشى طريقاً ضائعَ المعنى
ولا يَحيدُ وإن خانتْهُ جُدرانُ المدينةِ…
فالحقُّ يُولدُ من قلبِ العتمةِ
ويعودُ مهما حاصرتهُ الخناجرُ والظنونُ…»
لم ينحاز البرهان ولا حمدان للثورة يوماً.
لم يكونا إلا صنيعة النظام المخلوع، ونتاجاً للحركة الإجرامية التي انشطرت جهوياً حتى أوصلتنا لحربهما، حربٍ لم تكن إلا محاولة لقتل الثورة مرةً أخرى، ومنع العدالة الانتقالية، وطمس لجنة إزالة التمكين، وإعادة السودان إلى ظلمةٍ ظنّ أن الشعب نسيها.
لكن الثورة — رغم الجراح — لا تزال تقف، لأن الذين كتبوا تاريخها بدمهم لا يزالون يقولون:
«إيــــا إسماعيل صـــبراً…
فما ماتت ثورةٌ كان الشعبُ قلبَها.»
يتبع ،،،،