يوميات العمل الميداني عرس فريق أبو شاية، في دمر ناظر الكبابيش في أم سنطة كتبه عبد الله علي إبراهيم

يوميات العمل الميداني عرس فريق أبو شاية، في دمر ناظر الكبابيش في أم سنطة كتبه عبد الله علي إبراهيم


11-20-2025, 03:55 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1763610909&rn=0


Post: #1
Title: يوميات العمل الميداني عرس فريق أبو شاية، في دمر ناظر الكبابيش في أم سنطة كتبه عبد الله علي إبراهيم
Author: عبدالله علي إبراهيم
Date: 11-20-2025, 03:55 AM

03:55 AM November, 19 2025

سودانيز اون لاين
عبدالله علي إبراهيم-Missouri-USA
مكتبتى
رابط مختصر



يوميات العمل الميداني
عرس فريق أبو شاية، في دمر ناظر الكبابيش في أم سنطة

(الجمعة 30-12-1966)

(كنت أقمت بصورة متقطعة بين الكبابيش بين 1966 و1970 أجمع تقاليدهم الشفوية لكتابة رسالة الماجستير عن تاريخهم في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. ووفرت لي إمكانات ذلك العمل الميداني شعبة أبحاث السودان بكلية الآداب بجامعة الخرطوم (معهد الدراسات الأفريقية والآسيوية في يومنا). وصدرت الرسالة في كتاب بعنوان "فرسان كنجرت" عن دار النشر بجامعة الخرطوم في 1990.
وأنشر عليكم هنا يومية من يوميات الحقل التي يلزم باحث الحقل بتدوينها في نهاية كل يوم يعرض فيها ما وسعه مما حدث له فيه. وهي المادة التي ستكون الإطار لما يجمع من مادة من الرواة، وتكون فيها بذور أفكار هنا وهناك تترعرع على يدك إلى يوم كتابة البحث. ولا تخلو مثل هذه اليوميات من تفريج هم وأنت في وعثاء طريق لتبلغ ثقافة قوم تكتنفه خضات والتواءات مما يدرب الباحث علي إدارتها ومصابرتها. وستجد في هذه اليومية طرفاً من هذا.
وفي هذه اليومية وصف لعرس شهدته في فريق عرب أب شاية بدكة ناظر الكبابيش في دمره ببلدة أم سنطة. وتجاوزات فقرات باكرة منها كما حررت أجزاء منها في عبارة أخرى)
(مكثنا في بيت العريس وسألنا إسماعيل (ممن عرفنا في المكان) إن كنا نرغب في مشاهدة تركيب الحجيل (منزل العروس والعريس خلال طقوس العرس) الذي كان يجري لوقته عند أهل العروس. ولم تسنح الفرصة بذلك. سمعنا أصوات النساء تتصاعد بالهسيس فخرجنا نحوهن بآلة التسجيل والتصوير، ولكن انصرفت النساء عنا مرة واحدة كأن أمراً مسموعاً لهن وخفياً علينا أمرهن بذلك. وانعقد لساني بالدهشة وتكهرب الجو. تأزم الموقف وجمعنا عدتنا للانصراف. (دار جدل شارك فيه جماعة استنكر إحراجنا على ذك النحو). واثناء استعدادنا للانصراف تقدم نحونا والد العريس وأصر أن نبقى لإفطار رمضان. كان وجهه طيباً واستجبت لرغبته وتوجهت من جديد لبيت الضيافة ورأسي يغلي لهول المفاجأة.
من جديد انعقدت حلقة الغناء ودعونا لمشاهدتها. وذاب الجليد. غنت البنات الهسيس بصفقة (أو صُفاق). بشر الرجال في شكل صف يمسك كل منهم بكتف الآخر مع خبطة منتظمة بالرجل على الأرض. وغنوا الجراري. كر الرجال وخبطوا بأقدامهم الأرض. وقفت البنات في صف وتجمهر الرجال في كوم مقابل لهم وتحركوا صفاً بعد صف ليبشروا ويكروا ويخبطوا الأرض. كان المشهد يتم تحت شجرة على مسافة 30 متراً من منزل العريس.
تفرقت الحلقة ليبدأ إعداد العريس وجلوته. عادت النساء للغناء وأدخل عبد الباقي (المصور بمكتب استعلامات الأبيض ممن صحبني في الرحلة) الميكرفون داخل البيت ليلتقط تلك الأصوات.
خرج العريس وسط الزغاريد. رأسه قد حلق صلعة وعليه جلطة من ضريرة. ملابسه من الدبلان الأبيض بالنشا والحذاء جديد. عرفنا أن العريس لم يلبس عمامة لأنه أعزب ولا يؤذن له بلبس العمامة إلا أن تضعها نسيبته، أو زوجته على رأسه.
بدأت السيرة والعريس في المقدمة ومن خلفه النسوة ينشدن أغاني السيرة منغمة بالصفقة والرجال على الجمال يبشرون وأعناق النساء تلامس ملابس العريس لتبصم عليها شيئاً من الدهن والزيت. وكأنت أكثرهن حماسة فتاة زينت رأسها بشريط من الخرز الملون يبدو أنها أخته. ويقف الموكب بين الحين والآخر ليبشر عليه الرجال عل ظهور الجمال. كنا نتابع كل ذلك بالميكرفون ويدونه عبد الباقي بالكاميرا.
بعد مسيرة وقت قصير جاؤوا للعريس بحمار ركب عليه ومن خلفه طفل صغير أصلع الرأس.
كانت امرأة في خلف الموكب تنشئ أغنية سيرة. سعينا لها بالميكرفون. وقالت في ختام أغنيتها كلاماً فيه لوم وتقريع وانصرفت.
توقف كل شيء. امتطى الرجال الجمال والحمير. ركبت النساء رديفات من خلفهم. وركب بعضهن الحمير. وغصت سيارتنا الجيب بالرجال في مؤخرة الركب.
تحركنا نحو بيت العروس لنجد عدداً قليلاً من النساء وقفن في صف على طرف غابة عندها منزل العروس. وفي فضاء متصل كانوا نصبوا الحجيل ليوم دخول العريس على عروسه. وهو مصنوع من قماش الدمورية. ووسط هذا الغناء والزغاريد تقدم رجل نحو العريس لينال طرباً سوطاً من العريس. واراد من العريس أن يطبق السوط، ولكن جاء من أخذه بعيداً.
تحركت السيرة لتقف أمام الحجيل وعلى مسافة منه. وطافت سيرة الرجال والنساء نحوه وتراجعت وقيل إنهم يفعلون ذلك لمرتين أو ثلاثة، ولكنهم لم يتقيدوا في يومهم بذلك. وعلق أحدهم على هذا التزيد بقوله "دا شبع ساكت". ووقف العريس مستدبراً بوجهه الحجيل. وفي وجهه الرجال (رسمت المشهد على صفحة مذكراتي) يهزون ويبشرون ووقفت من خلفه النساء. وأذعنا عليهم في وقفتهم تلك ما سجلناه لهم من قبل. تحرك عدد من الرجال قليل نحو العريس ل"الدفيعة" (الموجب) والعريس يساوم ليزيد ما أعلنه الدافع وتزغرد النساء متى جرى الإعلان عن الدفيعة. نقل أحدهم عن آخر دفيعته ولم يرض العريس فرجع الرجل ليتأكد ممن أنابه عنه للدفيعة وليزيدها. وانطلقت إحداهن ببنينة (أغنية شكر في العريس) في ذلك الموقف.
أما الحجيل فغرسوا على مسافة 3 أمتار منه فرعاً أخضر من شجر المرخ. وكانت أمام الحجيل نفسه شجرة. وسألت لماذا احتاجوا لفرع من شجرة والشجرة قائمة أصلاً فقالوا إنها عوائدهم.
جاء رجلان وامرأتان بالعروس محمولة بالمرأتين واحدة عند رأسها والأخرى عند قدميها. ووقف الرجلان بالجانبين للعروس. وقال خير الله المعاون لنا في العمل، أنهم كانوا يقرصونها في السابق على مجرى العادة. لفوا بها الحجيل ثلاث مرات وما مرت العروس بباب الحجيل انطلقت الزغاريد من النساء. وفي المرة الثالثة أدخلوا العروس الحجيل لمرحلة قطع الرحط. أثاث الحجيل في منتهى البساطة، بساط من أعواد نبات ما وفي دائرة النصف منه ثقب متوسط الحجم. وقفت العروس والعريس بجانبها. العروس كالجرح ملفوفة في ثوبها لا يظهر منها شيء. أمسك العريس بسير الرحط وقطعه وسط زغاريد تعالت. وأمسك بالرحط بين يديه ودار به مرة أو أكثر وقذف به نحو الفرع الأخضر في الخارج ليسقط عليه. وهناك عقيدة عن سوء فأل من يقع الرحط منه خلال ذلك الطقس. وتصاعدت: البيت مبروك يا عريس، البيت مبروك يا عريس. وجلس العريس والعروس ودعونا للإفطار وانصرفنا.
ثم عدنا لتناول الدغبوبة في الحجيل. لم نجد أثراً للعروس. واجتمع حول العريس شباب يحتسي الدغبوبة. وانعقدت حلقة حاردلو (وهو الدوباي في مصطلحهم، أي الدوبيت في خطأ شائع) ورحنا نسجل لهم. معظمهم ممن يحفظون لغيرهم وواحد منه فقط الذي يقطع من رأسه ويحفظ للآخرين كذلك. واستدعاني والد العريس ليقول لي أن الكفاية عندهم وأنني مدعو لحضورها. جاء إسماعيل (من معارفنا في الحقل) وقال للعريس أنه كان انشغل وقت الدفيعة وأنه يهبه خمس جنيهات موجب. وكان يود أن يقولها له بمفرده ولا يشيعها في الناس.
سألت لماذا لا يتكفى الناس عند أهل العروس طالما وجدوا فيه. وقالوا إن الكفاية في البيتين معاً. ولأن الناس كانوا صياماً في بيت العريس لم تشمل الكفاية جميعهم فعوضوا بالعودة بعد الإفطار لكفايتهم.
عند أهل العريس جلسنا في بيت الضيافة بين عشاء ودغبوبة وحاردلو من عوض السيد وجمعة طريبيشي.
وعدنا إلى بيتنا. ارتياح يملأ نفسي. حققنا بعض الشيء. شكراً لآل أب شاية وألف شكراً

الصورة لجيب وحدة أبحاث السودان في دار الكبابيش. في منتصف الصورة عبد الباقي المصور من إعلام الأبيض وعلى يمينه حسن خير الله سائق الجيب وأنا عن شماله.