بين الفطرة والعلم: قراءة هادئة في التحريم والاختيار الغذائي كتبه د. احمد التيجاني سيد احمد

بين الفطرة والعلم: قراءة هادئة في التحريم والاختيار الغذائي كتبه د. احمد التيجاني سيد احمد


11-18-2025, 06:04 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1763489068&rn=0


Post: #1
Title: بين الفطرة والعلم: قراءة هادئة في التحريم والاختيار الغذائي كتبه د. احمد التيجاني سيد احمد
Author: احمد التيجاني سيد احمد
Date: 11-18-2025, 06:04 PM

06:04 PM November, 18 2025

سودانيز اون لاين
احمد التيجاني سيد احمد-ايطاليا
مكتبتى
رابط مختصر












هناك قضايا يظن البعض أنّها قابلة لإعادة التعريف بمجرد تطوّر العلم أو تغيّر أساليب التربية الحديثة. لكنّ بعض الحقائق تبقى ثابتة، مهما تقدّمت المختبرات وتطوّرت التقنيات. ومن بين هذه الحقائق ما يتعلّق بالطعام، وبما يدخل إلى الجسد، وبالحدود الدقيقة بين ما هو صالح وما هو مضرّ.

أكتب هنا من واقع تجربة مهنية سابقة في US Meat Animal Research Center في ولاية نبراسكا، أحد أبرز المراكز البحثية المتخصصة في علوم اللحوم وتربية الحيوان. في هذا المركز، تُربّى الحيوانات — ومنها الخنزير — وفق أعلى المعايير الصحية: تعقيم دقيق، مراقبة بيطرية صارمة، عزل كامل، أعلاف محسوبة، وإجراءات تمنع أي تلوث أو عدوى.

ومع ذلك، يبقى الخنزير — بطبيعته البيولوجية — مختلفًا عن سائر الحيوانات المأكولة. فالاقتراب التشريحي بين أنسجته وأنسجة الإنسان حقيقة معروفة في علوم التشريح، وهو ما يفسّر استخدامه في الأبحاث الطبية أكثر من استخدامه كمصدر غذائي. هنا لا نتحدث عن حكم ديني فحسب، بل عن ملاحظة علمية موضوعية تتعلّق بتركيب اللحم، الألياف، وتوزيع الدهون.

التحريم القرآني… والعلم الحديث

من اللافت أنّ القرآن لم يحرّم لحم الخنزير وحده، بل ضمّ معه الدم المسفوح والميتة — وكلاهما اليوم محرّم بموجب المعايير الصحية الدولية:

• الدم المسفوح وسط ناقل للجراثيم والفيروسات والطفيليات، وينقل الأمراض مباشرة من الحيوان للإنسان.

• الميتة تبدأ فيها عمليات التحلّل البكتيري فور توقّف الدورة الدموية، فتنتشر فيها السموم والجراثيم بسرعة هائلة.

الاختيار الغذائي… ومساحة القيم في الدولة المدنية

فالاختيار الغذائي ليس مسألة بيولوجية فقط، بل قرار يتداخل فيه العلم، والصحة العامة، والهوية، والانتماء الثقافي، وما يعتبره الإنسان نقيًا أو ملوثًا.

وفي السياق السوداني المعاصر، يستند مشروع تحالف تأسيس إلى دستور علماني كامل يضمن حياد الدولة تجاه جميع الأديان والمعتقدات، ويؤكد أنّ الحكم نفسه علماني — لا يقوم على فرض تشريع ديني، ولا يسمح بتسييس الإيمان أو الغذاء أو الضمير.

لكن هذا الحياد لا يعني أن تُجبر الدولة مواطنيها على قبول نمط غذائي موحّد، أو أن تلغي خصوصيات المجتمع. بل يعني ببساطة: الدين لا يشرّع للدولة، والدولة لا تفرض على الفرد ما يخالف ضميره أو ثقافته أو اختياره الغذائي.

بهذا التوازن، تُصان حرية المعتقد، وتُحترم القرارات الفردية، دون صدام أو إقصاء، ودون تحويل الطعام إلى ساحة معركة أيديولوجية.



ختامًا

ما يدخل إلى الجسد ليس تفصيلًا صغيرًا، بل جزء من منظومة الصحة والقيم والهوية. وفي عالم تتسارع فيه محاولات تسطيح الاختيارات الفردية، يبقى من الحكمة أن نحتكم إلى مزيج من الفطرة والعلم والنص، دون مبالغة أو تشنّج.

العنوان الاكتروني

[email protected]