شهادة الإعلامي الجنجويدي الفاضل منصور التي كشفت حقيقة مشروع التأسيس.. كتبه عبدالغني بريش فيوف

شهادة الإعلامي الجنجويدي الفاضل منصور التي كشفت حقيقة مشروع التأسيس.. كتبه عبدالغني بريش فيوف


11-16-2025, 11:50 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1763337046&rn=0


Post: #1
Title: شهادة الإعلامي الجنجويدي الفاضل منصور التي كشفت حقيقة مشروع التأسيس.. كتبه عبدالغني بريش فيوف
Author: عبدالغني بريش فيوف
Date: 11-16-2025, 11:50 PM

11:50 PM November, 16 2025

سودانيز اون لاين
عبدالغني بريش فيوف -USA
مكتبتى
رابط مختصر





في خضم الحرب الدائرة التي تمزق أوصال السودان، وتُعيد تشكيل واقعه الاجتماعي والسياسي على وقع أصوات المدافع ودماء الأبرياء، تخرج علينا بين الفينة والأخرى تصريحات من أبواق تحالف ما يسمى بالتأسيس، الذي تقوده ميليشيا الدعم السريع، لا لتوضح موقف أو تشرح رؤية، بل لتكشف عن عمق الهوة الأيديولوجية التي تفصل مشروعها عن جسد الشعوب السودانية وتاريخها وروحها.
لم تكن الكلمات التي تفوه بها المدعو الفاضل منصور في مقطع فيديو منتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، الذي نفى فيه وجود شعوب أصيلة في السودان، مجرد زلة لسان أو خطأ في التعبير، بل كانت بمثابة طلقة دقيقة صوبت بوعي كامل نحو قلب الهوية السودانية، وكشفت بجلاء عن حقيقة المشروع الذي يقاتلون من أجله، وهي مشروع دولة عرب شتات أفريقيا، القائمة على الإحلال والاجتثاث.
المدعو الفاضل منصور، في محاولة لتبرير منطق الإلغاء، يقول إن الإعتراف بوجود شعوب أصيلة يعني بالضرورة وجود شعوب وافدة، وهذا المنطق الملتوي ليس بريئا، بل إنه حجر الزاوية في بناء سردية جديدة تهدف إلى تفكيك الحقوق التاريخية والجغرافية والثقافية لمكونات الشعوب السودانية الأصيلة، وتقديمها على أنها مجرد تجمعات سكانية عابرة ومتساوية في حداثة وجودها، لا فضل لأحدها على الآخر في امتلاك الأرض أو تعريف الهوية، وعندما يتم تسطيح التاريخ بهذا الشكل المتعمد، يصبح الباب مفتوحا على مصراعيه أمام المواطنين الجدد، أولئك الذين جُلِبوا عبر الحدود كوقود للحرب، ليصبحوا ورثة شرعيين لأرض لم يعرفوها ووطن لم ينتموا إليه.
تفكيك خطاب الإنكار: ما وراء نفي الأصالة؟
إن أول ما يجب التوقف عنده، هو بنية الحجة التي ساقها منصور، فهو يدعي رفضه لمفهوم الشعوب الوافدة، ولهذا، يجب عليه بالضرورة أن يرفض المفهوم المقابل، أي الشعوب الأصيلة.
للوهلة الأولى، قد يبدو هذا كأنه دعوة للمساواة ونبذ للتمييز، لكنه في حقيقته قمة الخداع والتضليل، إنها محاولة خبيثة لسرقة الشرعية عبر تعميم انعدامها، فالأصالة في سياق الأمم والشعوب ليست مفهوما عنصريا قائما على نقاء العرق، بل هي مفهوم يتعلق بالعمق التاريخي، والارتباط العضوي بالأرض، وتراكم الخبرات الثقافية والحضارية التي تشكل وجدان وهوية أمة ما.
السودان، بتاريخه الممتد لآلاف السنين، هو بوتقة انصهرت فيها حضارات عريقة، من الحضارة النوبية في الشمال، وممالك كوش ومروي، إلى سلطنات الفور في الغرب، والفونج في الوسط، وممالك البجا في الشرق.
هذه الشعوب، بتنوعها السحاقي واللغوي والثقافي، وباندماجها مع الهجرات العربية المتعاقبة على مدى قرون، شكلت نسيجا فريدا هو جوهر الأصالة السودانية.
لقد تفاعلت هذه المكونات، تصارعت وتصاهرت، لكنها جميعا تعتبر الأرض السودانية وطنها الأول والأخير، وتاريخها جزءا لا يتجزأ من سجل هذه الأمة.
مشروع الدعم السريع، أو الجنجويد، يدرك هذه الحقيقة تماما، ويدرك أن وجود هذه الجذور التاريخية العميقة يمثل العقبة أمام مشروعه، فلا يمكن تبرير السيطرة على أراضي دارفور وانتهاك حرماتها إذا اعترفنا بأن الفور والمساليت والزغاوة وغيرهم هم أصحاب الأرض الأصليون.
ولا يمكن الادعاء بالحق في حكم الخرطوم إذا اعترفنا بأنها الوريث الحضري لممالك النيل المتعاقبة، لذلك، كان لا بد من نسف مفهوم الأصالة من أساسه.
عزيزي القارئ..
عندما ينفي الميليشاوي الفاضل منصور الأصالة، فهو لا يدعو للمساواة، بل يمارس عملية محو تاريخي ممنهج. إنه يقول بلسان حال ميليشياه: لا أحد يملك هذه الأرض أكثر من الآخر، وبالتالي، فإن من يملك القوة هو من يملك الحق في السيطرة عليها وإعادة تعريفها، إنها دعوة صريحة لشريعة الغاب، حيث القوة هي المصدر الوحيد للشرعية، وهو المبدأ الوحيد الذي تؤمن به الميليشيا.
مشروع عرب شتات أفريقيا: الأيديولوجيا الخفية لدولة الميليشيا..
لم يأتِ خطاب منصور من فراغ، بل هو التعبير الفج عن أيديولوجيا عرب شتات أفريقيا، هذا المشروع، الذي تتبلور ملامحه عبر ممارسات الدعم السريع، هو مشروع عابر للحدود الوطنية، لا يعترف بالدولة السودانية الحديثة بحدودها وسيادتها ومؤسساتها، بل يراها مجرد "غنيمة" جغرافية يمكن الاستيلاء عليها لإنشاء كيان سياسي جديد يخدم تجمعات عربية مهمشة في منطقة الساحل والصحراء.
هذه المجموعات، التي تشكل العمود الفقري البشري للميليشيا، تشعر بالاغتراب عن الدول الوطنية التي نشأت، بعد الاستعمار، وتعتبر أن هويتها العربية لم تجد لها موطئ قدم أو دولة راعية.
السودان، بضعف دولته المركزية، وثرواته المنهوبة، وموقعه الاستراتيجي، يبدو لهم الجائزة الكبرى والفرصة التاريخية لتحقيق هذا الحلم.
هذا المشروع الإستعماري، يتسم بعدة خصائص تجعله مشروعا استيطانيا وإحلاليا بامتياز:
1/ العسكرة والغنيمة: هو مشروع قائم على القوة العسكرية المحضة، لا يمتلك برنامجا سياسيا أو اقتصاديا واضحا سوى السيطرة والنهب.
الاقتصاد بالنسبة لهم هو اقتصاد الغنيمة: السيطرة على مناجم الذهب، نهب الأسواق والمنازل، والاستيلاء على الأصول والممتلكات.
2/ العداء للمدينة والحضارة: تبدو الميليشيا في حربها وكأنها تحمل ثأرا تاريخيا ضد كل ما هو حضري مدني ومستقر.
استهدافهم للمستشفيات والجامعات والمتاحف والمكتبات وغيرها، ليس عملا عشوائيا، بل هو جزء من محاولة تدمير رموز الدولة والمجتمع المستقر، وإفراغ البلاد من ذاكرتها الحضارية، تمهيدا لفرض هوية بدوية صحراوية مسلحة.
3/ التغيير الديموغرافي: إن أخطر أبعاد هذا المشروع هو العمل الممنهج على تغيير التركيبة السكانية، إذ ان ما يحدث في دارفور وأجزاء من كردفان من قتل وتهجير قسري وتوطين لمقاتلين أجانب وعائلاتهم ليس مجرد تجاوزات، بل هو سياسة إحلال ديموغرافي صريحة.
إنهم يفرغون الأرض من أهلها الأصليين ليحل محلهم مواطنون جدد، يدينون بالولاء للميليشيا وقائدها، لا للوطن السوداني.
4/ تزوير الهوية: خطاب منصور هو جزء من عملية تزوير الهوية الوطنية، عبر إنكار الأصالة، وعبر تسمية تحالفهم بالتأسيس، هم يحاولون القفز فوق عشرة الف عام من التاريخ، والبدء من عام الصفر، حيث يكون المؤسسون الجدد، هم من يكتبون التاريخ ويحددون من هو السوداني.
دولة التأسيس: تفكيك للدولة السودانية وليس بناؤها..
إن مصطلح التأسيس الذي يرفعه تحالف ميليشيا الدعم السريع، هو أكبر عملية تزوير وخداع سياسي، فالتأسيس، يعني البناء على أسس قائمة، أو وضع لبنات جديدة لمستقبل أفضل، أما ما تقوم به الميليشيا فهو العكس تماما، إنه تفكيك وهدم وتقويض.
تفكيك النسيج الاجتماعي: عبر تأجيج النعرات القبلية والعرقية، وسياسة فرّق تسد، تعمل الميليشيا على تمزيق الروابط التاريخية بين مكونات الشعب السوداني، وتحويل الجار إلى عدو، مما يسهل السيطرة على مجتمعات ممزقة ومستنزفة.
تفكيك الاقتصاد: بتدمير البنية التحتية الإنتاجية، من مصانع ومشاريع زراعية، ونهب الثروات، يتم تحويل السودان من بلد يمتلك إمكانات هائلة إلى مجرد مصدر للمواد الخام وممر للتهريب، وهو ما يخدم اقتصاد الميليشيا القائم على النهب.
تفكيك الهوية الوطنية: وهو الأخطر، ويأتي خطاب منصور ليعبر عنه، إذ الهدف هو مسح الذاكرة الجماعية للسودانيين، وإقناعهم بأن تاريخهم بلا قيمة، وأن هويتهم وهّم، وأن الخلاص يكمن في القبول بالمشروع الجديد الذي يلغي الجميع ليبدأ من جديد تحت راية قائد الميليشيا.
****************
في الختام.. لم يكن المدعو الفاضل منصور مخطئا، بل كان صادقا بشكل مرعب، لقد قدم لنا، دون مواربة، البيان التأسيسي الحقيقي لدولة الميليشيا: دولة بلا تاريخ، بلا جذور، بلا ذاكرة، دولة تقوم على أنقاض الهوية السودانية الأصيلة، وتُبنى بجماجم أبنائها، دولة يكون فيها الولاء للفرد والميليشيا، وليس للوطن والمؤسسات.
لكن ما يغيب عن أذهان هؤلاء الغجر الأوباش، أن الشعوب العريقة كالشعوب السودانية لا يمكن محو تاريخها بمقطع فيديو وببيان متلفز أو بطلقات مدفع.
الأصالة السودانية ليست نصا في كتاب يمكن حرقه، بل هي محفورة في جينات الأرض، في مياه النيل، في أغاني البنات، في حكايات الأجداد، وفي وعي كل سوداني وسودانية يعرفون أن هذه الأرض لهم، وأن تاريخها هو تاريخهم.
إن مشروع عرب شتات أفريقيا، هو في جوهره مشروع استعماري جديد، لا يختلف عن مشاريع الاستعمار القديمة إلا في أدواته وأقنعته، وإذا كان التاريخ يعلمنا شيئا، فهو أن مثل هذه المشاريع، القائمة على القوة الغاشمة ومحاولة طمس هويات الشعوب، مآلها الحتمي هو الفشل.
قد تحدث دمارا هائلا، وقد تزهق أرواحا لا تحصى، لكنها لا تستطيع أبدا أن تقتل روح أمة قررت أن تبقى.
المعركة اليوم في السودان لم تعد مجرد صراع على السلطة، بل أصبحت معركة وجود، معركة بين حقيقة البقاء السوداني الأصيل، ووهم التأسيس القائم على الإلغاء والإحلال، وفي هذه المعركة، لا يمكن للوهم أن ينتصر على الحقيقة.