Post: #1
Title: الحركات المسلحة في دارفور- سقوط الشرعيات وصعود قوى جديدة في صراع مفتوح
Author: زهير ابو الزهراء
Date: 11-15-2025, 05:06 PM
05:06 PM November, 15 2025 سودانيز اون لاين زهير ابو الزهراء-السودان مكتبتى رابط مختصر
يشهد إقليم دارفور لحظة تحوّل استثنائية منذ اندلاع الحرب السودانية في أبريل 2023، إذ أعادت المعارك رسم خريطة النفوذ على الأرض، وأسقطت مراكز القوة التقليدية التي حكمت الإقليم طوال عقدين. وبين تراجع الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا وصعود قوى جديدة تفرض سيطرتها بقوة السلاح والسياسة، يبدو مستقبل دارفور مفتوحاً على احتمالات غير مسبوقة. تحالف بورتسودان… أفول مشروع الحركات التقليدية أدى سقوط مدينة الفاشر، آخر معاقل القوات المشتركة بقيادة مني أركو مناوي وجبريل إبراهيم، إلى ضربة قاصمة لحركات جوبا. فقد خسرت هذه الحركات ليس فقط وجودها العسكري، بل رمزية كبيرة كون الفاشر تمثل قلب دارفور السياسي والاقتصادي والاجتماعي. بذلك انهارت شرعية ظلت تستند إليها طيلة سنوات باعتبارها “ممثلاً” للإقليم في السلطة الانتقالية.
ترافق هذا السقوط مع تآكل حاد في رصيدها الجماهيري. فالكثير من سكان دارفور رأوا أن تحالفها مع الجيش في بورتسودان، وعجزها عن حماية المدن أو منع سقوط الفاشر، جعلها تنفصل عن قضايا الناس وهمومهم. وتحوّلت تدريجياً إلى جزء من معسكر السلطة المركزية، فاقدةً استقلاليتها السياسية والعسكرية. ويشير خبراء عسكريون إلى أن القوات المشتركة أصبحت عملياً بلا قدرة على الحركة أو التأثير، بعد أن خضعت بالكامل لقيادة الجيش. غياب أي وجود ميداني مستقر جعل هذه الحركات عاجزة عن التأثير في موازين القوى، وبالتالي محدودة الوزن في أي تسوية سياسية مقبلة. عبدالواحد محمد نور… رصيد رمزي يتجدد على الضفة الأخرى، حافظت حركة جيش تحرير السودان بقيادة عبدالواحد محمد نور على موقف مختلف. فبينما دخلت معظم الحركات في تحالفات مع الجيش أو الدعم السريع، اختار عبدالواحد الحياد ورفض الانخراط في الحرب. وبفضل هذا الموقف، احتفظ برصيد رمزي كبير في الوعي الشعبي، خصوصاً في مناطق جبل مرة التي تمثل معقله التاريخي. هذا الحياد – وفق كثير من الباحثين – تحول إلى “رأس مال سياسي” مهم، إذ ينظر إليه قطاع واسع من سكان دارفور باعتباره آخر قيادة لم تتورط في صفقات السلطة، ولا تزال متمسكة بمشروع العدالة والمواطنة. كما أن تركيزه في الأشهر الأخيرة على حماية المدنيين وفتح قنوات اتصال مع بعض القوى المحلية في دارفور، يشير إلى محاولة لإعادة صياغة مشروعه من حركة مقاومة مسلحة إلى فاعل سياسي ذي شرعية أخلاقية. خبراء عسكريون يرون أن عبدالواحد في “وضع مريح”، فهو لم يشارك في الحرب، ولم يخسر قوات، ولا يتوقع أن تفتح قوات الدعم السريع جبهة ضده في جبل مرة. هذا يمنحه فرصة للبقاء لاعباً مؤثراً في أي عملية سياسية تتشكل بعد الحرب. صعود الدعم السريع وتحالف "تأسيس": القوة الجديدة في دارفور
تشير معظم القراءات إلى أن القوة الحاسمة اليوم في دارفور ليست الحركات التقليدية، بل قوات الدعم السريع وتحالف “تأسيس” الذي يوفر لها الغطاء السياسي. فقد سيطرت قوات الدعم السريع على غالبية مدن الإقليم الكبرى، وأصبحت القوة المهيمنة على مساحات شاسعة من الغرب. هذا الصعود يعتمد على ثلاثة عناصر رئيسية: النفوذ العسكري المتمثل في السيطرة على المدن والمراكز الحيوية. القدرات المالية القائمة على تجارة الذهب والمعابر الحدودية. الامتدادات القبلية والإقليمية، خاصة في تشاد وليبيا وإفريقيا الوسطى.
غير أن هذه الهيمنة ليست بلا مخاطر. فالتقارير الحقوقية تتحدث عن انتهاكات واسعة، ما قد يخلق بيئة رفض شعبي مستقبلاً. كما أن توازنات الدعم السريع الداخلية، المبنية على تحالف قبلي متعدد، قد تحمل في طياتها بذور انقسام مع مرور الزمن. مع ذلك، فإن المعادلة الواقعية تقول إن الدعم السريع هو الطرف الأكثر تأثيراً في تحديد شكل السلطة في دارفور في المدى القريب، ما يضعه في موقع تفاوضي متقدم خلال أي مباحثات سياسية تتعلق بمستقبل الإقليم أو السودان كله. العوامل الإقليمية… حدود مفتوحة ونفوذ متداخل دارفور ليست وحدة جغرافية مغلقة؛ هي مساحة مفتوحة على أربع دول: تشاد، ليبيا، إفريقيا الوسطى، وجنوب السودان. وهذا الانفتاح جعل الإقليم أكثر ارتباطاً بمعادلات النفوذ الإقليمي. تشاد تلعب الدور الأكبر، خاصة مع التداخل القبلي بين الزغاوة والقبائل العربية عبر الحدود. ليبيا ما تزال مصدر سلاح وتمويل لبعض الأطراف. إفريقيا الوسطى تمثل مجالاً حيوياً لعلاقات الدعم السريع، خاصة بعد نشاط فاغنر سابقاً. جنوب السودان قد يكون منصة للوساطة السياسية بين الأطراف. هذه العوامل تجعل مستقبل دارفور غير مرتبط فقط بنتيجة الحرب في الخرطوم، بل أيضاً بالتوازنات التي تصنعها هذه الدول في الإقليم. احتمالات المستقبل… بين الاضمحلال وإعادة التشكل تواجه حركات دارفور التقليدية، وخاصة تلك المرتبطة ببورتسودان، خطر الاضمحلال نتيجة خسارتها للشرعية والميدان. بينما تملك حركة عبدالواحد فرصة للعودة كلاعب سياسي مركزي إذا أحسنت تحويل رصيدها الأخلاقي إلى مشروع سياسي واضح. أما الواقع الأكثر حضوراً اليوم فهو صعود الدعم السريع وتحالف “تأسيس”، وهو صعود يفرض سؤالاً كبيراً حول مستقبل دارفور: هل تتجه نحو نموذج “الإقليم شبه المستقل” بحكم الأمر الواقع، أم يتم دمجها في تسوية وطنية شاملة؟ الإجابة على هذا السؤال ستعتمد على نهاية الحرب، وعلى قدرة القوى الدارفورية – القديمة والجديدة – على قراءة ما بعد الفاشر، وتقديم مشروع عادل ومستقر لإقليم كان دائماً في قلب أزمات السودان.
|
|