Post: #1
Title: سكرتير سياسي ضابط في الأمن: من مشروع السودان الجديد إلى أيديولوجيا "البزة" .. مأزق حركة سقطت في متا
Author: محمد عبدالله ابراهيم
Date: 11-14-2025, 05:40 PM
05:40 PM November, 14 2025 سودانيز اون لاين محمد عبدالله ابراهيم-الخرطوم-السودان مكتبتى رابط مختصر
سكرتير سياسي ضابط في الأمن: من مشروع السودان الجديد إلى أيديولوجيا "البزة" .. مأزق حركة سقطت في متاهات العسكر (2-10)
محمد عبدالله
[email protected]
لم يعد الانحراف الذي شهدته الحركة الشعبية لتحرير السودان - قيادة عقار، شأناً داخلياً يمكن تجاهله، بل تحول إلى قصة سقوط مكتملة تتجسد في شخصية السكرتير السياسي الذي انتقل من واجهة لمشروع "السودان الجديد" إلى رمز للانتهازية والفساد داخل حركة ولدت من رحم التضحية، حاملة لواء "السودان الجديد" كبديل جذري لـ "أيديولوجيا البزة" التي طالما أورثت البلاد الجهل والفقر والامراض. فالرجل رغم انتهازيتة عينته قيادة الحركة سكرتيرا سياسي لها في مفارقة لا يمكن وصفها إلا بأنها اعتراف بانسلاخ الحركة عن مشروعها المؤسس .. وهو المشروع الذي وجد خنجرا في خاصرته، مغروساً بيد من كانوا يفترض بهم أن يكونوا حراسه الأمنين، وهو إعلان من قيادة الحركة بأنها قد ألقت سلاحها الفكري، وأنها باتت مستعدة لـ "التحالف الوجودي" مع الأيديولوجيا القديمة التي حاربتها لأربعة عقود .. وهو موقف يجسد لحظة السقوط من علياء المبدأ إلى حضيض الواقعية السياسية المشوهة.
ولم يعد سقوط المشروع مجرد سردية حزينة تروى عن انكسار حلم سياسي، بل أصبح واقعاً يتجسد في وجوه وأدوار ورموز في مقدمتهم ذاك السكرتير السياسي الذي تحول من لافتة لثورة التحرير إلى نموذج قبيح للانتهازية، والمفارقة هنا ليست في "خيانته الفكرية" فقط .. فذلك صار معروفاً ومتداولاً، بل المفارقة الأعمق تتجلى في حياته اليومية في بورتسودان، حيث ظهر الانحراف لا كخطيئة نظرية، بل كواقع معاش، وتجسيد مادي يحول المبادئ إلى بضائع، والقضية إلى سوق، والرفاق إلى درجات في سلم الصعود الشخصي، والتنظيم من فكرة كان يفترض أن تتحرك بروح ثورية إلى كيان تبتلعه المصالح ومنصة رمادية تحكمها وتديرها الحسابات البنكية.
لقد كان "السودان الجديد" حلماً عميقاً، ومنظومة فكرية ترفض الظلم والتهميش، وتؤمن بالحرية والعدالة، وتعلي من شأن الحوار المدني الديمقراطي، ولكن هذا الحلم تهاوى لا في ساحات الحرب، بل في دهاليز سلطة الحرب الجديدة، وتحديداً في شخص السكرتير السياسي الذي تحول من واجهة لمشروع التحرير إلى رمز لتجسيد الانحراف المادي والانتهازي.
فالحركة التي قامت على مشروع نقيض لدولة البزة وهيمنة الأجهزة العسكرية والحلول الأمنية، وجدت نفسها تنحدر ببطء نحو ما قاومته أربعين عاماً .. فالسودان القديم لم يكن مجرد بنية سياسية، بل منظومة فكرية كاملة، تجعل الولاء للحزب فوق الوطن، وتشرعن العنف ضد المواطنين باعتباره وسيلة للسيطرة والمحافظ على كرسي السلطة، وتحول العسكر إلى فاعلين فوق المحاسبة، وهذا الإرث الذي أشعل الحروب ونهب ثروات البلاد وعمق التهميش وجد طريقه إلى قلب الحركة نفسها، وما كان تعيين السكرتير السياسي إلا تجسيدا لهذا التغلغل الفيروسي لـ "الدولة العميقة" داخل الجسد الثوري للحركة، وشهادة رسمية بأن الحركة قد تخلت عن مشروعها، وأن "السودان الجديد" لم يعد أكثر من شعار يرفع في المناسبات.
ومع هذا التحول، ظهر الرجل باعتباره المرآة التي تعكس عمق التآكل الداخلي، فأسس مكتبه الخاص، وفتح أبواب التجارة تحت لافتة الحركة، وامتدت نشاطاته من "مزرعة الطيور" إلى مشاريع أخرى تتوارى خلف غبار السلطة، ولا سيما حين تسقط المبادئ، يصبح التاجر بديلاً للثائر، ويستبدل حلم التحرير برغبة ملحة في المصلحة الذاتية، ولم يعد الهدف هو تحرير السودان من قيود الماضي، بل تحرير الرصيد البنكي الشخصي من قيود الأخلاق والمبادئ.
لقد سمح هذا الانحراف الأيديولوجي بظهور الانتهازية كقيمة عليا، وتحولت الحركة إلى واجهة سياسية للأيديولوجيا القديمة، وأداة لتسويق السلطة، بعد أن كان يفترض بها أن تكون حصناً للمهمشين وصوتاً للمقهورين، ولم يكن الرجل مجرد انتهازي يقتات على الحركة، بل أداة مزدوجة تخدم مصالحه ومصالح أفراد داخل الأجهزة الأمنية التابعة للدولة العميقة، يعمل في الظلام ويخرب التنظيم من الداخل عبر مؤامرات قذرة لإقصاء الرفاق الحقيقيين واستبدالهم بشبكة من المنتفعين، ليغدو التنظيم نفسه في حالة انهيار ذاتي لا تحتاج إلى أعداء خارجيين لاستكمال عملية السقوط.
المأساة هنا لا تقف عند شخص سكرتير سياسي فاسد فحسب، بل في أن الحركة نفسها سمحت لهذا الانهيار أن يحدث، وتنازلت عن موقفها الأخلاقي والفكري، وبدلاً من أن تكون الحركة قلعة للمبادئ التي ضحى الرفاق من أجلها، أصبحت مجرد "ترس" في آلة العسكر، تبرر لهم حربهم العبثية المدمرة، وتدار بأغراض ومنافع شخصية بعيدة كل البعد عن رؤيتها ومبادئها، وهذا الانحراف لا يمكن عزله عن قيادة الحركة ورئيسها مالك عقار، الذي سمح بأن يحل "التاجر" محل "الثائر"، وأن يتحول التنظيم إلى مكتب للمصالح بدلاً من أن يبقى مشروعاً للتحرير.
وفي هذا السياق، وصلتني معلومات وعدد من مقاطع تسجيلات صوتية للسكرتير السياسي، يتحدث فيها مع آخرين حول المقالات التي كتبتها عنه وحول مواضيع أخرى .. بعضها يعود لأكثر من ثلاثة أشهر، وبعضها حديث، وفيها يستخدم لغة قذرة وسوقية تكشف مستوى الانحدار الذي وصل إليه، ولا أريد هنا كشف ما ورد فيها بالتفصيل، ولكن أود أن أقول له بوضوح إنني لا أعترف بحكومة الحرب والأمر الواقع في بورتسودان، من البرهان إلى أصغر موظف فيها، ناهيك عن نائبه، ولا أخاف من أي تهديد أو إيحاء بالخوف، ولا يوجد من يستطيع أن يوهم نفسه بأنه قادر على تخويفي، وأستطيع اليوم أن أذهب إلى بورتسودان، وأقف أمامه وجهاً لوجه، وأصفعه صفعة كاملة أمام الجميع، ثم أعود دون أن يجرؤ هو أو غيره على فعل شيء، وأنني أعرفه جيداً وأعرف كم هو جبان، وأما السيد مالك عقار، فالعلاقة معه كانت دائماً محكومة بـ الاحترام والتقدير، لا بـ الرهبة والخوف الذي يسيطر على الكثير من الرفاق، ولم أتحدث عنه يوماً من خلف ظهره، بل كنت أواجهه مباشرة بما أريد قوله، خاصة حول ما يعانيه التنظيم من مشاكل وتدهور وانحراف، وآخر حديث بيننا كشفت له خلاله كل ما كتبته عن الرشيد أنور من انتهازية وسلوك قذر ومشين، والرسالة لا تزال محفوظة شاهدة على صدق المواجهة.
ومما يجدر قوله هنا أنني لم أكتب عنه بعد بالطريقة والكيفية التي كان يجب أن أكتب بها، وما كتبته حتى الان لا يمثل سوى الحد الأدنى، لأن كثيراً من المعلومات والوثائق التي أملكها تتعلق بأطراف آخرين لا أريد إدخالهم في دائرة المقالات حالياً، وإن ما املكه من ملفات وصلت حديثاً من داخل مكتبه الخاص، يتجاوز مجرد السلوك الشخصي إلى شبكة فساد موثقة.
نذكر منها، على سبيل المثال لا الحصر وثائق خاصة، منها بالرقم S006641، وأخرى بالرقم D031300، ومن بينها وثيقة شخصية للسيد مالك عقار بالرقم 249759، فضلا عن مخاطبات و41 وثيقة تخص سيارات الحركة الشعبية التي صادرها أجهزة امن حكومة المؤتمر الوطني المحلول عند اندلاع حرب 2011، بالإضافة إلى أكثر من مائة وثيقة أخرى.
وإنني لم أمض بعد إلى كشف التفاصيل الأعمق، واختار بوعي ألا يشمل مقالاتي هذه الوثائق في الوقت الحاضر، لأنني فقط اريد ان أسلط الضوء على سلوك وممارسة شخص فاسد وانتهازي، ولا يتعدى ما اكتبه هذا الإطار الضيق، وعلما بان هذا التقييد هو قرار أخلاقي ومهني، وليس عجزاً أو خوفاً.
نواصل،،
|
|