الدولة ما بعد الكولونيالية في السودان: قراءة في التقديم والمقدمة كتبه د. أحمد التيجاني سيد أحمد

الدولة ما بعد الكولونيالية في السودان: قراءة في التقديم والمقدمة كتبه د. أحمد التيجاني سيد أحمد


11-12-2025, 11:14 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=505&msg=1762946097&rn=0


Post: #1
Title: الدولة ما بعد الكولونيالية في السودان: قراءة في التقديم والمقدمة كتبه د. أحمد التيجاني سيد أحمد
Author: احمد التيجاني سيد احمد
Date: 11-12-2025, 11:14 AM

11:14 AM November, 12 2025

سودانيز اون لاين
احمد التيجاني سيد احمد-ايطاليا
مكتبتى
رابط مختصر




تأليف: ا. التيجاني الحاج عبد الرحمن
تقديم: د. بكري الجاك المدني


د. أحمد التيجاني سيد أحمد ١٢ نوفمبر ٢٠٢٥
مقدمة المقال

أهداني الكاتب ا.التيجاني الحاج عبد الرحمن كتابه *الدولة ما بعد الكولونيالية في السودان: عوامل النشوء والانحدار* في كمبالا خلال أسبوع صدوره في مارس ٢٠٢٤.
لم يكن الكتاب يومها موضوع نقاشٍ بيننا، بل جمعتنا اجتماعٌات وورش عمل ضمّت قيادات و اعضاء من تحالف “تقدّم”، خصصت لبحث سبل استعادة السودان من قبضة الجيش الموجَّه أيديولوجيًا ومليشياته الكيزانية، اللذين نفّذا الانقلاب في أكتوبر ٢٠٢١ وأشعلا الحرب منذ ١٥ أبريل ٢٠٢٣.

ومع ذلك — أعترف — بانني لم أقرأ الكتاب كاملًا حتى اليوم، وإنما قرأت تقديم د. بكري الجاك المدني ومقدمة المؤلف ا. التيجاني الحاج عبد الرحمن، وهما في نظري كافيان لتكوين صورةٍ فكريةٍ واضحة عن جوهر الكتاب واتجاهه الفكري و العملي.
أهم سبب لتأخري في القراءة أن العنوان لم يجذبني حينها؛ خُيِّل إليّ أنه يكرّر مقولاتٍ مألوفة عن “ما بعد الكولونيالية”، بينما كنت منهمكًا في كتابة أكثر من مائة مقال ما بين مارس ٢٠٢٤ ونوفمبر ٢٠٢٥ حول الحرب الكيزانية و مالات “دولة ١٩٥٦” وما خلّفته من خرابٍ في بنية السودان السياسية، و الاقتصادية والاجتماعية.كذلك لانني لا أتحمس دايما لاستخدام كلمات من لغة اخري كعناوين


لكن حين قرأت التقديم والمقدمة اليوم، أدركت أن الكتاب لا يعيد تكرار الخطاب الأكاديمي السائد، بل يذهب إلى تفكيكٍ عميق لبنية الدولة السودانية الحديثة، مبرزًا كيف أن ما نسميه “الاستقلال” لم يكن في جوهره سوى إعادة إنتاجٍ للاستعمار بأدوات محلية.
لقد نجح الكاتبان — بكري الجاك في تقديمه، والتيجاني الحاج في مقدمته — في طرح رؤيةٍ فكريةٍ متماسكةٍ تربط بين نشوء الدولة السودانية، وانحدارها، واستمرار منطق الكولونيالية في مؤسساتها حتى اليوم.

أولًا: تقديم د. بكري الجاك المدني

يرى د. بكري الجاك المدني أن هذا الكتاب يمثل إسهامًا فكريًا جريئًا في إعادة قراءة الدولة السودانية من منظور ما بعد الكولونيالية، أي من زاوية استمرار الاستعمار لا كماضي منقطع بل كبنية ذهنية ومؤسسية ما زالت تحكمنا.
فالاستقلال، في رأيه، لم يكن قطيعةً مع الإرث الاستعماري، بل استمرارًا له، حيث ظلت أجهزة الدولة — الجيش، الخدمة المدنية، التعليم، الاقتصاد — تعمل بذات المنطق الهرمي الذي أسسه المستعمر البريطاني المصري.

ويشير الجاك إلى أن الدولة السودانية لم تتأسس على عقد اجتماعي وطني جامع، بل على تحالف بين نخب المركز والمؤسسة العسكرية، أعاد إنتاج التراتبية الكولونيالية داخل البلاد.
ويبرز في قراءته أن “الاستعمار الداخلي” هو السمة الغالبة لما بعد ١٩٥٦: فالمركز النيلي مارس الهيمنة ذاتها التي مارسها المستعمر على الأطراف، مستخدمًا الدين والهوية كأدواتٍ للسيطرة والإقصاء.

ويقدّم الجاك المؤلف، ا. التيجاني الحاج عبد الرحمن، كباحثٍ يسعى إلى تأسيس مقاربة سودانية خالصة في فهم الدولة ما بعد الكولونيالية، تحرر التحليل من التبعية للمفاهيم الغربية وتعيد قراءة الواقع السوداني بلغته الخاصة وتجربته التاريخية.
ويختم الجاك بأن الكتاب ينتمي إلى لحظة "ما بعد الإنقاذ"، ويطرح أسئلة تأسيسية عن مستقبل الدولة السودانية بعد سقوط المشروع الإسلاموي الذي جمع بين الدين والعنف والفساد في أكثر صوره اكتمالًا.

ثانيًا: مقدمة المؤلف ا. التيجاني الحاج عبد الرحمن

في مقدمته، ينطلق ا. التيجاني من فرضيةٍ جوهرية مفادها أن أزمة السودان ليست أزمة حكمٍ أو أنظمةٍ متعاقبة، بل أزمة تكوينٍ بنيوي للدولة نفسها.
فالاستقلال عام ١٩٥٦ لم ينتج دولة وطنية حديثة، بل ورّثنا مؤسساتٍ استعماريّة جرى “سودنتها” شكليًا دون أن تُعاد صياغتها على أسس المواطنة والعدالة.

يحلل المؤلف ثلاث لحظات انتقال رئيسة (١٩٦٤، ١٩٨٥، ٢٠١٩)، ويخلص إلى أن كل انتفاضةٍ مدنيةٍ أُجهضت بتحالفٍ بين النخب والجيش، مما جعل السودان يدور في حلقةٍ مفرغة من الانقلابات والانهيارات.
فالجيش، كما يقول، لم يُبنَ لحماية الوطن بل لحماية السلطة، واستمر يؤدي وظيفته التاريخية كأداةٍ للهيمنة الطبقية والمركزية.

أما تجربة “الإنقاذ” (١٩٨٩–٢٠١٩) فيراها ا. التيجاني النموذج الأكمل للدولة الكولونيالية في ثوبٍ إسلامي، حيث تزاوج الدين بالسلطة لإدامة القهر السياسي والاقتصادي، وأُعيد إنتاج منظومة السيطرة القديمة بلغةٍ دينية جديدة.
ويرى أن سقوط الإنقاذ في ديسمبر ٢٠١٩ لم يكن لحظة تحررٍ بقدر ما كان بداية انهيارٍ شامل لبنية الدولة نفسها، إذ فشلت المرحلة الانتقالية في بناء مؤسساتٍ مدنيةٍ حقيقية، فعاد الاستقطاب وانفجر في حرب ٢٠٢٣، التي تمثل ذروة الانحدار التاريخي لما بعد الكولونيالية في السودان.

ويصف المؤلف الحرب الراهنة بأنها انفجار تاريخي لبنيةٍ فشلت في التحول إلى دولة مواطنة، وليست مجرد صراعٍ بين قوتين مسلحتين.
ويؤكد أن الحل لا يكمن في التسويات السياسية، بل في تفكيك البنية الكولونيالية التي حكمت السودان منذ الاستعمار، وتأسيس عقدٍ اجتماعيٍ جديدٍ يقوم على المساواة والمساءلة والعدالة.

وفي خاتمته، يدعو ا.التيجاني إلى قطيعةٍ معرفيةٍ وسياسية مع نموذج الدولة المركزية النيلية التي أسستها الكولونيالية، واستبدالها بدولةٍ اتحاديةٍ ديمقراطيةٍ تتوزع فيها السلطة والثروة بعدالة، ويُعاد فيها الاعتبار للهامش كمصدرٍ للشرعية الوطنية لا كملحقٍ بالمركز.

خلاصة تحليليّة

الكتاب، كما يظهر من تقديم د. بكري الجاك المدني ومقدمة ا.التيجاني الحاج عبد الرحمن، ليس بحثًا في الماضي بقدر ما هو تشريحٌ للواقع السوداني الراهن من خلال جذوره الكولونيالية.
إنه يقرأ الدولة السودانية بوصفها مشروعًا لم يكتمل، ويكشف كيف ظل الاستعمار يعيش في داخلها عبر مؤسساتها ونخبها، حتى لحظة الانفجار الشامل في حرب ٢٠٢٣.
وبهذا المعنى، فإن الدولة ما بعد الكولونيالية في السودان لا تكتفي بتفسير الانحدار، بل تضع الأساس الفكري لإعادة التأسيس على قيم المواطنة والعدالة والحرية، من الهامش إلى المركز، ومن الوعي إلى الفعل.

دعوة للقراءة والتأمل

إن هذا الكتاب — *الدولة ما بعد الكولونيالية في السودان: عوامل النشوء والانحدار* — لا يُقرأ قراءة عابرة، بل يُستحق أن يُقرأ بتمعّنٍ وبعينٍ نقديةٍ مفتوحة.ًفهو ليس عملًا توصيفيًا أو تأريخيًا فحسب، بل إطارٌ تحليلي لفهم جذور الانهيار وإمكانات النهوض.
ولهذا، فإنني أشجّع القرّاء والباحثين والسياسيين وطلاب الدراسات العليا على قراءته بعُمقٍ ودراسته بجدٍّ، لأنه يقدّم أدواتٍ فكريةً لفهم الدولة السودانية من داخل بنيتها، ويدعو بصدقٍ إلى تجاوز إرث الكولونيالية نحو تأسيس دولةٍ وطنيةٍ جديدة.



ملاحظة توضيحية:
فيما خلصت اليه ، و ارجو ان اكون مصيبا، فان كلمة *الكولونيالية* (Colonialism) استخدمت في الكتاب بمعناها الواسع، أي نظام السيطرة الذي يستمر حتى بعد زوال الاستعمار المباشر، من خلال النخب، والجيش، والتعليم، والاقتصاد، بما يجعل الدولة المستقلة تعمل بعقل المستعمِر ومنطقه، رغم تبدّل الوجوه والأعلام.

[email protected]
Sent from my iPhone